بعد خيبة الأمل المريرة التي خلفتها المشاركة المغربية في دورات بطولة العالم لألعاب القوى في الهواء الطلق في كل من برلين (2009) ودايغو (2011) وموسكو (2013) حيث خرجت خاوية الوفاض، جددت ألعاب القوى المغربية العهد مع منصة التتويج بإحراز عبد العاطي إيكدير برونزية سباق 1500م ضمن النسخة 15 التي احتضنتها بكين من 22 إلى 30 غشت الماضي. فقد راهنت ألعاب القوى كثيرا في دورة بكين على إيكدير والعداءة الواعدة رباب العرافي فانتزع إيكدير الميدالة البرونزية وهو الذي كان يحلم بالذهب، فيما كان حظ العرافي عاثرا افاكتفت بالمركز الرابع في سباق 800. ومنح إيكدير المغرب برونزية سباق 1500م بعد منافسة شرسة مع الكيني أيسبيل كيبروب، الذي ظفر بلقبه العالمي الثالث على التوالي ومواطنه آليا مانانغوي والبطل الأولمبي الجزائري توفيق مخلوفي الذي اكتفى بالمركز الرابع. وكما في كل بطولة عالمية، كان إيكدير من ضمن أبرز المرشحين للصعود لمنصة التتويج، لكنه لم يوفق في الفوز بأي ميدالية في أربع مشاركات متوالية وكانت أفضل نتيجة حققها فيها المرتبة الخامسة في مونديال دايغو بكوريا الجنوبية عام 2011. وشكل مونديال بكين أكبر تحد لعبد العاطي إيكدير لرد الاعتبار لنفسه أولا، وهو الذي تتوفر فيه جميع مقومات البطل، وإنقاذ ماء وجه ألعاب القوى الوطنية وإعادتها لمنصة التتويج التي غابت عنها في ثلاث دورات متتالية خاصة وأن كل الآمال كانت تعقد على هذا العداء الذي بدأ نجمه يسطع في سنة 2004 عندما توج بطلا للعالم للشبان في كروسيطو (إيطاليا) وهي السنة التي أنهى فيها العداء الأسطورة هشام الكروج مسيرته الرياضية الحافلة بإحرازه ميداليتين ذهبيتين في سباقي 1500م و5000م في أولمبياد أثينا. وقد أثبت إيكدر، بما لا يدع مجالا للشك من خلال الطريقة التي خاض بها السباق النهائي ل1500م بمضمار ملعب عش الطائر ببكين، أنه استعاد كل مؤهلاته وأنه أصبح أكثر نضجا من ذي قبل ليطوي صفحة كبوات المونديالات الأربع الأخيرة ويفتح صفحة جديدة من الانجازات. فخلال سنة 2015 سجل عبد العاطي إيكيدر أفضل توقيت شخصي له في مسافة 1500م بزمن قدره 3د و28 ث و79 /100 يوم 17 يوليوز الماضي في ملتقى موناكو ضمن مسابقة العصبة الماسية، وهو ثالث أفضل توقيت عالمي للسنة خلف الكيني أسبيل كيبروب (3د و26 ث و 69 /100)، والبطل الأولمبي الجزائري توفيق مخلوفي (3د و 28 ث و75 / 100) . وبات إيكدير رابع عداء مغربي يحرز ميدالية في سباق 1500م في بطولة العالم في الهواء الطلق بعد سعيد عويطة (نحاسية في 1983) وهشام الكروج (فضية عام 1995 وأربع ذهبيات سنوات 1997 و1999 و2001 و2003) وعادل الكوش (فضية عام 2005). ومن إنجازات إيكدير تتويجه بطلا للعالم في 1500م داخل القاعة عام 2012 في اسطنبول ووصيفا لبطل العالم عام 2010 في الدوحة وفوزه بنحاسية السباق ذاته في مونديال سوبوت في بولوينا عام 2014، فضلا عن تتويجه بالميدالية النحاسية في دورة الألعاب الأولمبية في لندن 2012 وكانت الميدالية الوحيدة التي أحزها المغرب في تلك الدورة. ويتطلع عبد العاطي إيكدير بكل ثقة في النفس إلى تتويج مساره الرياضي بذهبية 1500م في دورة الألعاب الأولمبية الصيف المقبل في ريو دي جانيرو. وكانت نقطة الضوء الأخرى في المشاركة المغربية في المونديال الصيني المرتبة الرابعة لرباب العرافي في سباق 800 م الذي سجلت فيه أحسن رقم شخصي لها في دور نصف النهاية (1د و 58 ث و55 /100)، والتي كانت قاب قوسين أو أدنى من تجسيد حلم التتويج، لكن خانتها السرعة النهائية في الأمتار الأخيرة، علما بأن هذه العداءة الواعدة خاضت السباق النهائي ل 1500م واحتلت فيه المركز التاسع. ومن شأن إنجاز عبد العاطي في 1500م إيكدر ورباب العرافي في 800 م، وبلوغ تسعة عدائيبن مغاربة السباقات النهائية، أن يشكل حافزا قويا للجيل الصاعد من العدائين الواعدين والرفع من معنوياتهم في أفق مشاركة متميزة في دورة الألعاب الأولمبية في ريو دي جانيرو التي ستشكل ألعاب القوى بكل تأكيد قاطرتها. وأنهى المغرب مشاركته في المركز ال32 في سبورة الميداليات وال15 عالميا في الترتيب حسب النقط (20 نقطة)، والرابع على المستوى الإفريقي خلف كينيا، التي قلبت الطاولة على المنتخبات الكبرى خاصة الولاياتالمتحدة وجامايكا، لتقتعد لأول مرة في تاريخ مشاركتها، الصدارة عالميا، ثم إثيوبيا وجنوب إفريقيا. عربيا تألق العداؤون والعداءات المغاربة في الدورة ال19 للبطولة العربية للكبار، التي احتضنتها المنامة في أبريل الماضي، بحلولهم في المركز الثاني برصيد 20 ميدالية (8 ذهبيات و6 فضيات و6 برونزيات) خلف منتخب البلد المضيف الذي شارك بعناصر غالبيتها العظمى مجنسة. لكن المنتخب المغربي فقد لقبه بطلا للعرب الذي أحرزه في دورات عمان ودمشق والعين (الإمارات العربية) والدوحة. واحتل المنتخب الوطني للشبان المركز الثامن في بطولة إفريقيا في نسختها 12 التي أقيمت بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا بإحرازه خمس ميداليات منها ذهبية واحدة وثلاث فضيات ونحاسية واحدة . ومن النتائج التي كانت مبعث ارتياح إحراز البطل الواعد محسن خوا ذهبية مسابقة القفز الطولي بعدما تمكن من وثب سبعة أمتار و45 سنتمترا وهو المنتمي لفئة الفتيان والذي استطاع التغلب على عناصر تكبره سنا وخبرة . والملاحظ أن الميداليات المحصل عليها كلها في المسابقات التقنية وهو شيء يحدث لأول مرة. كما احتل المنتخب الوطني للفتيان المركز التاسع في بطولة إفريقيا الثانية التي أقيمت بجزر موريس، بحصوله على عشر ميداليات منها واحدة ذهبية وثلاث فضيات وست برونزيات. بيد أن منتخب الفتيان غاب هذه السنة عن منصة التتويج في النسخة التاسعة لبطولة العالم التي أقيمت في كالي بكولومبيا في يوليوز الماضي، علما بأنه كان أحرز ميدالية نحاسية في الدورة التي قبلها بدونيتسك (أوكرانيا) بواسطة غزلان سيبا في مسابقة القفز العلوي. ويبقى أفضل إنجاز في تاريخ المشاركة المغربي في بطولة العالم للفتيان ذلك الذي تحقق في دورة شيربروك (كندا) عام 2003 باحتلال المغرب المركز 17 بفضل ذهبية سهام الهلالي في سباق 3000م. وخلال سنة 2015 جرت بطولة العالم للعدو الريفي في غويانع بالصين وغاب المغرب مرة أخرى عن منصة التتويج، وهو الذي لم يعد يتوفر على أبطال من طينة خالد السكاح بطل العالم مرتين (1990 و1991) وصلاح حيسو وزهرة واعزيز وغيرهم والذين كانوا يزاحمون الكينيين والإثيوبيين على الألقاب. فمجد العدو الريفي المغربي كان مع عدائين كبارا في سباقي 5000 و10 آلاف متر وأحرزوا ألقابا عالمية في سباقات العدو الريفي وفي المضمار، فيما لوحظ في السنين الأخيرة الإقبال المتزايد لعدد من العدائين في السباقات على الطريق وعزوف عن المشاركة في سباقات العدو الريفي. وتجدر الإشارة إلى أن المغرب غاب في السنوات الأربع الأخيرة عن منصة التتويج في بطولة العالم للعدو الريفي على المستويين الفردي وحسب الفرق، علما بأن آخر تتويج له يعود إلى دورة مومباسا (كينيا) عام 2007 حيث كان قد فاز بميدالية فضية وأخرى برونزية في سباقي الكبار والكبيرات حسب الفرق. أما آخر عهد له مع منصة التتويج على الصعيد الفردي فيعود إلى دورة فوكوكا (اليابان) عام 2006 عندما أحرز بطل العالم السابق لفئة الشبان في 1500م ووصيف بطل العالم في السباق ذاته في هلسنكي 2005 عادل الكوش الميدالية البرونزية في سباق العدو القصير (4 كلم) الذي ألغي من برنامج الاتحاد الدولي لألعاب القوى. ويذكر أن رصيد المغرب في تاريخ مشاركاته في الدورات السابقة لبطولة العالم للعدو الريفي هو 33 ميدالية منها ثلاث ذهبيات و13 فضية و17 نحاسية. ونال الميداليات الذهبية الثلاث كل من خالد السكاح في دورتي إيكس ليبان (فرنسا) عام 1990 وأنفيرس (بلجيكا) عام 1991 والمنتخب الوطني النسوي للعدو القصير في دورة مراكش 1998? وكانت تقوده آنذاك زهرة واعزيز وصيفة بطلة العالم مرتين في هذه المسابقة. وكان المغرب قد أحرز لقبين في عدو الأمم (بطولة العالم حاليا) بواسطة عبد السلام الراضي في غلاسغو (اسكتلندا) عام 1960 والغازي الزعراوي (بن عسو) في دورة الرباط عام 1966 فضلا عن لقب في فئة الشبان كان قد أحرزه بوشتى بنعبد السلام في دورة شيفيلد (إنجلترا) عام 1961. ويدرك المسؤولون بالجامعة الملكية المغربية لألعاب القوى جسامة المسؤولية الملقاة على أم الألعاب لاسيما في دورة الألعاب الأولمبية المقبلة بريو دي جانيرو لأن رياضة ألعاب القوى ظلت تشكل على الدوام قاطرة الرياضة المغربية في الأولمبياد. فألعاب القوى ظلت تمثل عبر الحقب والأزمنة مصدر فخر واعتزاز المغاربة بل العرب والمسلمين والأفارقة بدليل أن المغرب كان حتى الأمس القريب إحدى القوى العظمى في ألعاب القوى بفضل ذلك الجيل الذهبي الذي قلما يجود الزمان بمثله. وفي هذا الصدد، يقول رئيس الجامعة السيد عبد السلام أحيزون إنه على الرغم من النتائج الإيجابية المحصل عليها فإن الشعب المغربي مازال ينتظر الأفضل وشغوف بتتويج العدائين المغاربة في المحافل الرياضية الدولية والقارية بأكبر عدد من الميداليات، مما يستوجب بدل المزيد من المجهودات. وأكد أحيزون أن هدف الإدارة التقنية الوطنية يتمثل في الاستعداد بشكل جيد لدورة ريو دي جانيرو، وأن الجامعة ستسخر كافة إمكاناتها المادية والبشرية حتى يكون إعداد الأبطال المغاربة للأولمبياد البرازيلي من مستوى عال.