كان الناس ولا يزالون يفتخرون بانتمائهم لبلدانهم وبمواقع أوطانهم وبما تتميز به من جمال الطبيعة واعتدال المناخ وعطاء في الأرض وسخاء وكرم ورفاه وحضارة...، كما يفتخرون بعزة النفس والإباء والشجاعة والذكاء وحسن المعاشرة والتعايش السلمي مع الآخرين... اليوم، يتنافس الناس على مكانتهم بين الأمم ويعملون ما بوسعهم لإعلاء رايات أوطانهم في جميع المجالات، إنهم يتسابقون على احتلال المراتب الأولى في سلم المنجزات على جميع الأصعدة، كما يتبارون لتحقيق الانتصارات في كل الميادين الحيوية كمظهر من مظاهر النماء والتقدم والريادة، حتى أن أسعد اللحظات التي أصبح يحلم بها كل مواطني العالم وأروعها هي تلك التي يرفع فيها علم الوطن في المحافل الدولية وخلال التظاهرات والمباريات الرياضية وخصوصا أثناء تردد النشيد الوطني الذي يصاحب رفع الأعلام الوطنية في خشوع وإجلال... وهذا الشعور الذي ينبعث في هذه اللحظات المؤثرة هو الذي يذكي الروح الوطنية ويغذي حب الوطن والمواطنة، وكذلك الشأن كلما ذكر اسم الوطن على إنجاز كبير أو اختراع بديع أو اكتشاف جديد أو سبق علمي ومعرفي نادر أو ابتكار رائع ونافع يعود بالخير العميم على كل الناس... ومن صلب هذه التنافسية العلمية الشريفة أيضا ينبعث من حب الناس وتشبثهم بأوطانهم وبأنفسهم وذويهم. ولهذا دأب الناس منذ القدم على السعي وراء التحدي والتنافس والتباري. إذا كان الناس يفتخرون اليوم بتخليد أسماء أوطانهم ومواطنيهم في الكتب العالمية الخاصة بالاكتشاف والاختراعات والمنجزات والأرقام القياسية في كل المجالات العلمية والرياضية، فما بال القوم الذين يذكر بلدهم بالاسم في كتاب الله عز وجل ليظل راسخا إلى الأبد؟ لقد سمي البلد الذي نعيش في أرضه اليوم بالمغرب منذ فجر التاريخ.. لأن الشمس من التي تشرق من وراء جبال الهيمالايا حيث بلاد الصين - (وكانت ولا تزال تسمى بلاد مشرق الشمس) تغرب غروبها الأوّل عندنا في المغرب الأقصى وراء بحر الظلمات أي المحيط الأطلسي (وكانت ولا تزال تسمى بلد مغرب الشمس) وأثناء غروبها الأوّل هذا تتراءى للعين المجردة وكأنها تنطفئ في عين حمئة بركانية مخلفة طيفا من الألوان القزحية من وردي وأحمر ورمادي وأبيض وأزرق وأصفر، مما يضفي على هذا الغروب الأول جمالا أخاذا منقطع النظير...! لقد ذكر المغرب الأقصى في القرآن الكريم منذ خمسة عشر قرنا عدة مرات وفي كثير من السور بل وكلما ذكر اسم «رب المشرق والمغرب» غير أن ذكره جاء بجلاء ووضوح في سورة الكهف من الآية 84 الى الآية 88 وسبب نزول هذه الآيات أنها جاءت جوابا عن سؤال من بعض يهود بني إسرائيل الذين كانوا يحاربون الإسلام منذ ظهوره ويحاولون إعجاز خاتم الأنبياء والرسل محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، بأسئلتهم الحرجة مثلا: «... ويسألونك عن الروح...» «... ويسألونك عن الساعة أيان مرساها...» كما سألوه عن صحة دين الإسلام.. «... ويَسْتنْبئونك أحقُّ هُوَ...» (... قل أي وربي إنه لحقُّ...) وعن سؤالهم عن ذي القرنين ظنوا أن هذا النبي الأمي وقومه الأميين لن يعرفوا شيئا عن هذا التاريخ المغمور والمدوَّن في كُتبهم. لكنَّ الوحي نزل وجاء الجواب كالصاعقة ليولُّوا خائبين منهزمين ومدبرين. «ويسألونك عن ذي القرنين، قل سأتلو عليكم منه ذكرا. إنَّا مكنَّا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا، فأتبع سببا، حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما، قلنا ياذا القرنين إما أن تعذب و إما أن تتخذ فيهم حُسنا، قال أمّا من ظلم فسوف نعذبه، ثم يُردُّ إلى ربه، فيعذبه عذابا نُكرا، وأما من آمن وعمل صالحًا فله جزاءً الحسنى) إن هذا التاريخ الذي يقُص نُبذة عن المغرب الأقصى وسكانه الأوائل كان مغمورا قبل مجيء الإسلام بآلاف السنين، وهو يُظهر لنا أن المغرب كان يسكنه قوم منقسمون إلى فئتين: فئة كافرة سائدة وظالمة، وفئة مؤمنة ضعيفة ومظلومة. كانت الفئة الأولى تعيش على حساب الفئة الثانية بقانون القوة والسيف وبما اصطلح عليه بقانون الغاب أو قانون طاليون «La loi de Talion» وكانت الفئة الثانية المستضعفة والمظلومة تعمل وتكدح لصالح الفئة الأولى الحاكمة بالظلم ولا تستفيد من مجهودها وعملها إلا القليل، وكلما طالبت بحقوقها كانت تُواجه بالعنف وبالقمع وبالتقتيل والاستحياء والسلب والنهب، فكان الحُكْمُ دولة بين الأقوياء والأغنياء على حساب المحكومين الكادحين الضعفاء...! إلا أن جاء هذا الملك ذو القرنين فأنصف المظلومين ونكّل بالظالمين وأعاد الأمور إلى نِصابها ليستقر الوضع إلى حين، ثم استمر في فتوحاته ليَعْبر كل الطريق الفاصلة بين مغرب الشمس ومشرقها ويجوب مهد الحضارات الإنسانية. لكن بعض المؤرخين الغربيين والمستشرقين حاولوا إخفاء هذا التاريخ لكي لا يتطابق مع ما جاء به القرآن الكريم، كما حرّفوا كثيرا من الحقائق: منها البيت الحرام (الكعبة الشريفة) التي بناها سيدنا آدم كأول بيت وضع للناس وهو يرمزُ إلى أصل العُمران والسكن البشري فوق الأرض، لقد هُدم هذا البيت مرَّتين منذ بنائه ورفع قواعده سيدنا إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل واتخذه مقاما له ولأهله من زوجته الثانية هاجر ليظل شامخا وسط الأرض حتى الآن وهو يحظى بأكبر موسم ديني مليوني يقام في كل سنة كخامس فرض من فرائض الإسلام، ممَّا يغيظ الكثير من أرباب الشركات العملاقة المتعددة الجنسية التي ترى فيه مصدرا هائلا للأموال التي لا تستفيد منها كُليا...!؟ لقد أنكر المؤرخون الغربيون هذه الحقيقة واستيقنوها في أنفسهم كما اختلفوا في تاريخ الملك الصالح ذي القرنين الذي جاب أرض الحضارات الإنسانية من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق. فِمنهم من قال إنه الإسكندر المقدوني تلميذ الحكيم أرسطو الذي جاء من بلاد الإغريق عبر البحر الأبيض المتوسط ليصل إلى بلاد المغرب الأقصى ومنها انطلق في رحلته الطويلة إلى غاية بلاد المشرق الأقصى، وهو من شيَّد مدينة الأسكندرية في مصر. ومنهم من نفى هذه الأطروحة وقال إن ذا القرنين هذا كان قبل الأسكندر المقدوني بآلاف السنين وأن معالم تاريخية غابرة لا يعرفها أحد. ومهما كان الأمر ومهما اختلف في أصل وفصل ذي القرنين فإنه حقيقة لا غبار عليها أجمع الجميع على وجوده وأقروا بفتوحاته التي بدأت من مغرب الشمس أي المغرب الأقصى إلى مشرق الشمس أي الشرق الأقصى. وبهذا يكون المغرب قد ذكر في القرآن الكريم.