خص الخطاب الملكي السامي بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب قطاع التربية والتعليم باهتمام خاص، واتسمت فقرات الخطاب القوية بجرأة وصراحة نفذت إلى عمق اختلالات المنظومة التربوية. فقد دعا جلالة الملك بالحاح إلى وقفة تأمل ومحاسبة الذات لإعادة النظر في سياسة التعليم، مؤكدا أن هذا القطاع يجب أن يظل بمنأى عن الصراعات السياسية الضيقة، لأن الأمر يتعلق بورش يهم تربية وتنشئة أبنائنا، موضحا أن الأزمة التي يعيشها القطاع هي التي دفعت بالعديد من المواطنين بمن فيهم ذوي الدخول المتوسطة إلى توجيه أبنائهم إلى مدارس البعثات الأجنبية والتعليم الخصوصي، مما يتعين معه إعادة الاعتبار إلى التعليم العمومي الذي أعطى جلالته المثال بأن برامجه هي التي كانت مطبقة عندما كان تلميذا في المعهد المولوي فطالبا بكلية الحقوق بالرباط. ومن أجل النهوض بالقطاع أمر جلالته بتفعيل عمل المجلس الأعلى للتعليم وعين مستشار جلالته عمر عزيمان رئيسا منتدبا له. لقد أقر الخطاب الملكي بأن قطاع التعليم يواجه عدة صعوبات بسبب اعتماد بعض البرامج والمناهج التعليمية التي لا تتلاءم مع متطلبات سوق الشغل، فضلا عن الاختلالات الناجمة عن تغيير لغة التدريس في المواد العلمية من العربية في المستوى الابتدائي والثانوي إلى بعض اللغات الأجنبية في التخصصات التقنية والتعليم العالي، ودعا جلالته إلى تأهيل التلميذ أو الطالب على المستوى اللغوي، لتسهيل متابعته للتكوين الذي يتلقاه. وفي استحضار للانشغالات السياسية بالبلاد شدد جلالة الملك محمد السادس على النأي بالتعليم عن الصراعات السياسية المحضة. وذكر بأهمية الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي تم اعتماده في إطار مقاربة وطنية تشاركية واسعة، مشيرا إلى أن الحكومات السابقة عملت على تفعيل مقتضياته، وخص بالذكر حكومة الأستاذ عباس الفاسي التي سخرت الإمكانات والوسائل الضرورية للبرنامج الاستعجالي. ودعا جلالته الحكومة الحالية إلى استثمار التراكمات الإيجابية في قطاع التربية والتكوين باعتباره ورشا مصيريا يمتد لعدة عقود، معتبرا أنه من غير المعقول أن تأتي أي حكومة جديدة بمخطط جديد، خلال كل خمس سنوات، متجاهلة البرامج السابقة علما أنها لن تستطيع تنفيذ مخططها بأكمله نظرا لقصر مدة انتدابها. لقد دق جلالة الملك ناقوس الخطر مع تباشير التعديل الحكومي المقبل، ووضع خارطة طريق وأرضية واضحة لعمل الفريق الحكومي الجديد في مجال التعليم، حتى لا يكون من جديد موضوعا للمراجعة، فالتعليم كباقي الأوراش الكبرى عملية مستمرة على المدى الطويل، وليست موضوعا آنيا يخص كل مرحلة حكومية جديدة.