في مثل هذا اليوم من سنة 2007 ، استقبل جلالة الملك محمد السادس الأستاذ عباس الفاسي الأمين العام لحزب الاستقلال وعينه وزيرا أولا ، بعدما تصدر حزب الاستقلال نتائج الانتخابات التشريعية في اقتراع 7 شتنبر 2007 . وقد كانت لحظة التعيين لحظة سياسية قوية وفارقة في الحياة السياسية بالمغرب ، حين قرر جلالة الملك تطبيق المنهجية الديمقراطية ، وإعطاء الانتخابات مدلولها وعمقها الديمقراطي. ونتذكر جميعا الترحيب الدولي الواسع الذي لقيته هذه المبادرة الديمقراطية التي تجسد الانتصار للتعبير الحر للشعب المغربي، وترسخ التقاليد الديمقراطية المرعية في جميع الأنظمة الديمقراطية العريقة. وبالإضافة إلى هذا ، فإن اختيار الأستاذ عباس الفاسي جاء كذلك - حسب بلاغ الديوان الملكي آنذاك - لما عرف عن الرجل من خصال الغيرة الوطنية، والإخلاص لمقدسات الأمة، وثوابتها الوطنية، وحنكة رجل الدولة، المتشبع بروح المسؤولية في مختلف المهام والوظائف السامية، التي تقلدها، وبالتزامه السياسي الصادق. اليوم تكون قد مرت على هذا الحدث أربع سنوات كاملة ، ويحق لنا أن نقرأ هذه الفترة في تاريخ أمتنا ، قراءة موضوعية منصفة بعيدا عن الشعبوية والغوغائية ، بكل ما تحقق من إنجازات ومكاسب هامة للشعب المغربي، مستحضرين كذلك مختلف الإكراهات لأن الطريق لم تكن مفروشة بالورود ولم تكن هناك عصا سحرية لحل جميع المشاكل دفعة واحدة. ولكن تشبع الأستاذ عباس الفاسي بالإرادة والجرأة السياسية في التعامل مع قضايا الشعب وانتظاراته ، بتوجيهات وبدعم من جلالة الملك جعل المغرب يواجه التحديات الداخلية والخارجية بواقعية سياسية كبيرة مما جعل منه بلدا نموذجيا في الانتقال الديمقراطي وفي تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية المنشودة. وإذا كانت المنهجية الديمقراطية قد طبقت في تعيين الوزير الأول ، فإن نفس هذه المنهجية تم اعتمادها في صياغة البرنامج الحكومي الذي تمت صياغته بروح التوافق مع مختلف الأحزاب السياسية المشكلة للحكومة ، حيث تم تنزيل مضامين البرامج الانتخابية لهذه الأحزاب في البرنامج الانتخابي تجسيدا للوعود التي منحتها هذه الأحزاب للمواطنين إبان الحملة الانتخابية. إن قضاء الأستاذ عباس الفاسي أربع سنوات في قيادة الحكومة ، لم تكن سهلة بالنظر إلى بعض الإكراهات المرتبطة بالأحزاب المشكلة لها ، فهي لم تكن حكومة أغلبية مطلقة ، ومع ذلك ، فقد استطاع الوزير الأول أن يتجاوز جميع الصعاب ، وأن يحافظ على تماسك الأغلبية الحكومية وعلى انسجام مكونات الحكومة ، التي اشتغلت بروح التضامن والتعاون البناء . وقبل أن نعرض لبعض المؤشرات السوسيو اقتصادية ، لا بد من الوقوف على الدينامية التي اشتغل بها الوزير الأول في علاقات المغرب بمحيطه الإقليمي والدولي، فبتكليف من جلالة الملك ، مثل الأستاذ عباس الفاسي جلالته في عدة محافل دولية كالأمم المتحدة ، ولقاءات دولية على مستوى رؤساء الدول ، في إفريقيا وأوربا والعالم العربي وأمريكا، وآسيا ،كما مثل المغرب في عدة منتديات ومنظمات إقليمية ودولية . وقد كان لهذا التكليف مكاسب دبلوماسية هامة ، ولحظات قوية روجت لصورة إيجابية للمغرب كبلد يعرف تحولات ديمقراطية لافتة. وخلال هذه الفترة تميزت الدبلوماسية المغربية بنشاط ملحوظ على مستوى الدفاع عن وحدتنا الترابية ، حيث سحبت العديد من الدول اعترافها بجمهورية الوهم ، بعدما اطلعت على الحقائق الثابتة والحجج الدامغة . وقد كان لتقديم المغرب لمقترح الحكم الذاتي صدى عالمي رحبت به الدول الكبرى واعتبرته مقترحا واقعيا وجديا وقابلا للتطبيق. ولا بد أن نستحضر في هذا السياق الوضع المتقدم الذي حصل عليه المغرب في علاقته بالاتحاد الأوربي ، واجتماع القمة الأولى الذي انعقد بغرناطة في مارس 2010 بين المغرب والاتحاد والذي كان لقاء ناجحا على جميع المستويات. خلال الأربع سنوات الماضية ، استطاع المغرب أن يخرج من حالة سياسة التعامل اللحظي والاقتصار على رد الفعل في التدبير العمومي ، إلى صياغة رؤية مندمجة ومتكاملة لمغرب المستقبل، وتمهد للجهوية المتقدمة ببلادنا ، وذلك من خلال إطلاق استراتيجيات ومخططات كبرى مضمونة التمويل وقابلة للتنفيذ الفوري ، وهكذا شرعت بلادنا بالفعل في تثبيت نموذجها ومشروعها الاقتصادي والتنموي الواعد ، ويكفي أن نستحضر هنا ، مخطط المغرب الأخضر والاستراتيجية الطاقية ، لتقليص تبعية بلادنا للخارج والعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي، و مخطط المغرب الرقمي للتكنولوجيات الجديدة و الميثاق الوطني للانبثاق الصناعي، وإستراتيجية الصيد البحري (أليوتيس) والاستراتيجة الوطنية للماء، وإستراتيجية سياحية جديدة في أفق 2020 ، و رؤية 2015 للصناعة التقليدية.. لا بد أن نستحضر أن التحولات الدولية والظرفية الاقتصادية العالمية خلال الأربع سنوات الماضية حيث تميزت بثلاث أزمات، أزمة الغذاء ، وأزمة البترول والأزمة المالية والاقتصادية،هذا بالإضافة إلى أن بلادنا عرفت أزمة الفياضانات المتكررة ، وقد تعاملت الحكومة مع هذه الأزمات بتدبير استباقي وبيقظة سياسية كبيرة، أثارت إعجاب الدول الكبرى والمؤسسات والمنتديات الاقتصادية العالمية، حيث كان المغرب أمام عدة سيناريوهات لمواجهة هذه الأزمات ، لكن الوزير الأول اختار بحنكته السياسية أن يجعل السياسات العمومية في خدمة المواطن وأن يساند المواطنين ويدعم قدرتهم الشرائية ويحسن مدخولهم ويضمن لهم الشغل والعيش الكريم ، عوض أن ينساق وراء الحسابات الموازناتية الصرفة كما كان يريد البعض آنذاك. وعلى الرغم من ذلك استطاع المغرب أن يحقق خلال الأربع سنوات نسب نمو محترمة أي 5 في المائة كمعدل ، في الوقت الذي سجلت فيه نسب النمو نسب سالبة في بعض الدول ، وعرفت أخرى تهديدا حقيقيا بالإفلاس . فعلى مستوى الشغل ، ففي الوقت الذي كان يسرح العمال والموظفين في دول كبرى ككندا وبريطانيا ، كان المغرب يزيد من معدلات التشغيل ، حيث استطاعت بلادنا أن تخفض البطالة من 9.8 سنة 2007 إلى 9.1 سنة 2010 ( في إسبانيا ارتفعت نسبة البطالة إلى 20 في المائة )، وانخفاض معدل البطالة لدى حاملي الشهادات العليا والمتوسطة من 19 في المائة إلى 16.7 في المائة ، حيث قامت الحكومة خلال الأربع سنوات بخلق 71.000 منصب شغل في الوظيفة العمومية أي بمعدل 17.000 منصب في السنة في الوقت الذي لم يكن يتجاوز فيه معدل المناصب المحدثة خلال الولاية الحكومية السابقة 7000 منصب . كما قامت الحكومة بتوظيف 40.000 من حاملي الشهادات منهم 8961 منصب لفائدة مجموعات الشباب حاملي الشهادات العليا العاطلين (دكتوراه، ماستر) في إطار كوطا حددتها الحكومة في10%، بينما لم يكن يخصص لهذه الفئة طيلة الولاية الحكومية السابقة سوى 1000 منصب ، وقد استفاد من هذه العملية حوالي 82 مجموعة من حاملي الشهادات العليا. وأمام تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية على النسيج الاقتصادي الوطني عمدت الحكومة إلى الرفع من حجم الاستثمار العمومي من 82 مليار درهم سنة 2007 إلى 167,3 مليار درهم سنة 2011، مما ساهم في إحداث 190.000 فرصة شغل في قطاعات البناء والأشغال العمومية خلال الثلاث سنوات الأخيرة. كما حافظت الحكومة على 100.000 فرصة عمل كان سيسرح أصحابها لولا تدخل الحكومة في إطار لجنة اليقظة الاستراتيجية التي يرأسها الوزير الأول. وعلى مستوى مساندة القدرة الشرائية للمواطنين، وأمام الارتفاعات المهولة للمواد البترولية والغذائية في الأسواق العالمية ، عبأت الحكومة خلال الأربع سنوات ما مجموعه 108 مليار درهم لدعم المواد الأساسية من خلال صندوق المقاصة ، وهو ما مكن من على سبيل التوضيح من دعم غاز البوطان بحوالي 80 درهم للقنينة من فئة 12 كيلوغرام ليبقى سعر البيع مستقرا في فقط 40 درهم للقنينة، ودعم ثمن الكازوال ب 4,40 دراهم للتر الواحد، بينما الثمن الحقيقي هو 11,55 للتر والمواطن يقتنيه ب 7,15 درهم للتر الواحد، ودعم ثمن السكر ب5 دراهم للكيلو، بينما الثمن الحقيقي هو 11 دراهم للكيلوغرام. ونتيجة لهذه السياسة الاجتماعية استقر معدل التضخم ببلادنا في 1 في المائة سنة 2010 في حين وصلت معدلات التضخم إلى مستويات قياسية في العديد من الدول الأخرى . لقد فتحت هذه الحكومة عهدا جديدا من الحوار الجدي والمسؤول مع المركزيات النقابية ، ومع الكنفدرالية العامة للمقاولات بالمغرب، توج بمأسسة الحوار الاجتماعي وبانتظامية انعقاد دوراته .وخلال الأربع سنوات تحققت العديد من المكاسب لفائدة الطبقة الشغيلة والموظفين والفلاحين بفضل الروح الوطنية التي اشتغل بها جميع أطراف الحوار الاجتماعي ، وهكذا خصصت الحكومة ما مجموعه 32,2 مليار درهم، وهو ما يتجاوز مجموع ما تم تخصيصه للحوار الاجتماعي خلال العشر سنوات الماضية ب 30%. لقد اختارت حكومة عباس الفاسي أن تكون إلى جانب الطبقة الوسطى والعمال والفلاحين خلال الأربع سنوات الماضية ، حيث رفعت من أجور جميع الموظفين بما لا يقل عن 900 درهم كما رفعت الحد الأدنى للأجر في الوظيفة العمومية من 1600 إلى 2800 درهم، ورفعت متوسط الأجر في الوظيفة العمومية من 5500 درهم إلى 7200 درهم وقامت بإعفاء 95% من المتقاعدين من الضريبة على الدخل، كما قامت بمضاعفة الحد الأدنى للتقاعد من 500 درهم الى 1000 درهم وبالنسبة للعمال رفعت الحد الأدنى للأجر في القطاع الخاص ب 25% أي من 1936,74 درهم إلى 2337,84 درهم ، كما تم إعفاء 500.000 ملزم من الضريبة على الدخل، وتمت الزيادة في الحد الأدنى للأجر الفلاحي وإقرار التعويضات العائلية لأول مرة بالنسبة للعمال الفلاحين. كما ساندت الفلاحين إبان الفياضانات التي عرفتها بلادنا في الثلاث سنوات الماضية وخصصت دعما ماديا لهم لشراء الماشية والعلف واقتناء المساكن... لقد اختارت الحكومة التي يرأسها الأستاذ عباس الفاسي أن تقف إلى جانب الفقراء والمحتاجين ، حيث شرعت في استهدافهم منذ سنة 2008 وذلك عبر تقديم الدعم المالي المباشر لهذه الأسر والمشروط بتعليم أبنائها في إطار رؤية تستهدف إصلاح نظام المقاصة وتوجيه الدعم لمن يستحقه ، وهكذا استفاد سنة 2011 في إطار برنامج «تيسير»، حوالي من 363.000 أسرة معوزة في العالم القروي موزعة على 11 جهة، حيث استفادت منه 609.000 تلميذة وتلميذ . وفي نفس السياق أعطى الأستاذ عباس الفاسي انطلاقة برنامج راميد للمساعدة الطبية في جهة تادلة أزيلال ، وهو برنامج يقدم الدعم المادي للفقراء والمعوزين قصد الاستشفاء والعلاج المجاني حيث وصل عدد المستفيدين إلى 206.000 مستفيد ، ومن المنتظر أن يتم تعميم هذه التجربة الرائدة على جميع جهات المملكة. لقد اختار الوزير الأول اعتماد سياسة التقشف وترشيد النفقات العمومية في هذه الظرفية الاقتصادية العالمية الصعبة ، حيث أمر بتقليص النفقات ما بين 15 و 20 %، و ترشيد الإنفاق العام من خلال اعتماد حكامة مالية على مستوى نمط عيش الإدارة و تخفيض النفقات المرتبطة بحظيرة سيارات الدولة ، وعقلنة وترشيد المشتريات العمومية وكراء البنايات، وتقليص خدمات المواصلات اللاسلكية، وذلك عبر اللجوء إلى الخدمات البديلة والتكنولوجيات الحديثة، وتخفيض نفقات الإيواء والفندقة والإطعام ومصاريف الاستقبال ، وعقلنة تنظيم المؤتمرات والتظاهرات والمهام بالخارج والاقتصار على المشاركة في المهام الضرورية والأساسية ، وتقليص عدد المنتدبين للقيام بمختلف المأموريات، وعدم برمجة بنايات ومساكن إدارية جديدة ،و ترشيد النفقات المتعلقة بالدراسات . وخلال الأربع سنوات الماضية استطاعت الحكومة أن تستكمل المؤسسات الدستورية ، وأن تقوم بتفعيل مقتضياته ، حيث قامت بإنشاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي ، وتفعيل مجلس المنافسة الذي ظل جامدا لمدة تفوق 13 سنة . كما فتحت الحكومة خلال هذه الفترة ورش تخليق الحياة العامة ومحاربة الفساد ، حيث أصدرت قانون التصريح بالممتلكات تفعيلا لمبدأ من أين لك هذا ، وأصدرت المراسيم التطبيقية له ، وقدم أكثر من 100 ألف مسؤول عن تدبير الشأن العام تصريحاتهم للمجلس الأعلى للحسابات الذي يقوم بمتابعتها والتدقيق في تطور هذه الممتلكات. كما أحدثت الحكومة الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة وتم دسترتها فيما بعد وتتمتع بصلاحيات مهمة تشمل محاربة الرشوة وإرساء أسس المنظومة الوطنية للنزاهة، وبالموازاة مع ذلك أصدرت الحكومة قانون حماية الضحايا والشهود والخبراء والمبلغين في ما يخص جريمة الرشوة والاختلاس واستغلال النفوذ وغيرها. وفي هذا الإطار رفعت الحكومة من وتيرة محاربة الرشوة ، حيث ارتفع عدد المتابعين في قضايا الرشوة والفساد إلى 29.340 شخص خلال الأربع سنوات الأخيرة، أي بمعدل سنوي يتجاوز 7000، في حين لم يتجاوز عدد المتابعين سنة 2006 حوالي 3000 شخص. لقد مرت أربع سنوات على تعيين عباس الفاسي وزير أولا ، ورئيسا للحكومة حاليا ، ومن الأحداث الكبرى التي تؤرخ لها هذه الفترة الخطاب الملكي ل9 مارس الذي أعلن فيه عن إصلاحات دستورية كبرى شكلت ثورة جديدة للملك والشعب ،وتوجت بتصويت الشعب المغربي على دستور جديد لبلادنا . كما عرفت هذه الفترة اعتماد بلادنا للجهوية المتقدمة كخيار سياسي وتنموي واعد، والإعداد لتشكيل المؤسسات الدستورية والسياسية الجديدة . ولا شك أن الإصلاحات السياسية والدستورية التي اعتمدتها بلادنا ستسرع من وتيرة الانتقال الديمقراطي في هذه المرحلة الدقيقة في حياة المغرب ، وجعلت من الخيار الديمقراطي أحد ثوابت النظام الدستوري ، وارتقت بالأدوار التي يلعبها المواطن كفاعل أساسي في تشكيل المؤسسات السياسية والدستورية ، وفي قيامه بالمراقبة والحساب. وقامت الحكومة بالتفاعل الإيجابي مع كل هذه المتغيرات ، وعبأت جميع إمكانياتها لإنجاح هذا المشروع الديمقراطي الكبير ، ولا زالت منكبة على تنفيذ وأجرأة مقتضياته. ويتضح مما سبق أن الأربع سنوات الماضية كانت فترة فاصلة و مؤسسة لمستقبل مغرب قوي بمؤسساته السياسية ، وبمناعة اقتصاده الوطني وبطاقاته البشرية الخلاقة، وبرؤية سديدة ومتبصرة للنهوض بأوضاع الشعب وتحقيق كرامة المواطن، وقد استطاعت جميع القوى الغيورة على هذا الوطن المشاركة في هذا البناء في نكران للذات وبإخلاص وتفان لهذا الوطن.