تصدرت «ثورة الياسمين» في تونس عناوين الصحف الفرنسية التي اتفقت على الإشادة بها, لكنها أجمعت على انتقاد صمت باريس إزاءها, وعبرت عن تخوفها على مستقبل تونس بعد مغادرة رئيسها زين العابدين بن علي, منبهة إلى ما تنطوي عليه الحرية من «مخاطر». فتحت عنوان «بن علي يفر» ، قالت صحيفة« لي درنيير نوفيل دالزاس» إن «ثورة الياسمين» تمكنت بعد تضحيات جسام من الإطاحة ببن علي وإجباره على الفرار، ليكون بذلك أول زعيم عربي يترك الحكم تحت ضغط الشارع. وهو بعث على الارتياح حسب صحيفة« لومانيتي» الشيوعية، «لأن تونس كسرت القيود», ولأن «الدم الذي سال مجددا ممزوجا بالكلام المعسول أجج الغضب, فتبدل -حسب الصحيفة- خوف التونسيين من حاكمهم المستبد إلى أمن, وتبدل أمن بن علي وأركان نظامه إلى خوف». وقد دفع ذلك صحيفة« ليبراسيون» اليسارية إلى السخرية من «الخليفة المضحك لبورقيبة العظيم ، ورئيس شرطة أحد أشرس الأنظمة في المنطقة»، معتبرة أنه «لم يكن سوى رجل جبان، وعندما أبلغه الشعب بصرفه، غادر يجر ذيول الهزيمة». وفي المقابل مثل ذلك -حسب ما نقلت مجلة« لوبوني» عن الحزب الشيوعي- «انتصارا ثمينا تحقق بفضل شجاعة شباب وشعب تونس ... فانهار نظام بن علي تحت ضغط حركة شعبية تريد فرض احترام حقوقها وكرامتها, ليمثل ذلك درسا للسلطات الفرنسية على أعلى المستويات، بل عبرة لكل من اعتقدوا أن تلك الديكتاتورية كانت خالدة وراهنوا على دعمها حتى آخر لحظة». فنظام بن علي لم يكن -حسب صحيفة« ليبراسيون» اليسارية- إلا «نظاما زائفا وكل الذين دعموه باسم السياسة الواقعية أغبياء, وعليهم الآن أن يوضحوا لماذا سقط الذي كانوا يعدونه حصنا متينا ضد الإسلاميين مثل قصر من ورق». وقد اتهمت بعض وسائل الإعلام السلطات الفرنسية بالتواطؤ مع بن علي ومحاولة إنقاذه, وهذا ما عكسه قول صحيفة «لا ريبوبليك» التي تصدر في منطقة البريني، إن الثورة التونسية «حدثت بدون فرنسا، فرنسا الرئاسة وفرنسا الدبلوماسية, إذ عرضت وزيرة خارجيتها تقديم دعم خبرتها الأمنية إلى نظام بن علي». وأضافت أن تصريحات بعض المسؤولين الفرنسيين، ومن بينهم رئيس الحكومة، فرنسوا فيون، ووزيرة الخارجية ميشال إليو ماري، و»صمت» الرئيس نيكولا ساركوزي، سيكون لها وقع كبير على مجريات الأمور بل إنها تصل حد «العار». فالحرية لا يمكن لجمها, حسب صحيفة« لي درنيير نوفيل دالزاس», وقد اخترق الدروع الواقية لبن علي، وهو ما لم تعه فرنسا, فتمادت في عجزها عن التحدث بصراحة إلى «صديقها» في تونس..., وباريس بذلك تثبت أنه لم يخطر في خلدها حتى آخر لحظة احتمال هزيمة شريكها. وهكذا, تضيف الصحيفة، ظلت فرنسا تلتزم الصمت حيال سياسة الأرض المحروقة للزعيم التونسي, وهو صمت كانت له عواقب وخيمة. ووصل غضب الفرنسيين من رد حكومتهم على ما جرى في تونس حد مطالبة أحد زعماء الأحزاب الفرنسية وزيرة خارجية بلاده بالاستقالة, ونقلت صحيفة« لوموند» عن زعيم الحزب الجديد لمناهضة الرأسمالية، أوليفيي بيزانسونو، مطالبته للوزيرة بالاعتذار عن عرضها مساعدة بن علي أو بالاستقالة من منصبها. وفي سياق متصل, أعربت صحيفة« لوفيغارو» اليمينية عن تخوفها من «العملية الانتقالية السياسية الحساسة» بعد رحيل بن علي. وقالت إن «إعادة الهدوء إلى الشوارع وجدل الساحة السياسية في بلد كان الرأي العام فيه مقموعا، يحتاج إلى برودة أعصاب». وأشارت الصحيفة إلى ذكرى سقوط شاه إيران، وتحدثت عن سابقة «يفترض أن تثير أكبر قدر من الحذر». وبدورها حذرت« لي درنيير نوفيل دالزاس» من «مخاطر الحرية» قائلة إن رؤية الناس يتخلصون من دكتاتور هي لحظة مؤثرة, غير أن كل ما يتبع ذلك يبعث على القلق. وأضافت الصحيفة في افتتاحيتها أن المتأمل في خطاب بن علي لا بد أن يدرك أن الساعات التي ستلي ذلك ستكون حاسمة, كما أنه لا بد أن يستنتج أن الرئيس التونسي المخلوع كان يتحدث في الوقت بدل الضائع ، وأن الأمور قد خرجت عن نطاق سيطرته, لكن لم يتصور أحد أن الأمور ستنتهي بالسرعة التي انتهت بها.