تتبع المغاربة منذ 27 أكتوبر الماضي انتفاضة مغاربة مليلية المحتلة ضد سياسة التهميش والإقصاء والميز العنصري، التي تنهجها الحكومة المحلية للمدينة لمدة طويلة، حيث كانت انطلقت الانتفاضة من «غيتو» مليلية المحتلة بحي «لا كانادا» بعد تفشي شعور الإقصاء في حق المغاربة المتعمد من برنامج التشغيل المحلي لسنة 2011 المقبلة. لقد استغرب المجتمع الدولي لسياسة التهميش التي نهجتها إسبانيا وحكومتها المحلية المليلية برئاسة خوان خوسي إمبرودا وتحت أعين مراقبة مندوب الحكومة المركزية بمليلية ضد مغاربة المدينةالمحتلة، كسكان اصليين للمدينة معتبرة إياهم مواطنين من درجة ثانية، ضدا على المواثيق الدولية التي تقر بحقوق هامة للسكان الأصليين. إن مغاربة مليلية انتفضوا بعد أن بلغ السيل الزبى، حيث منذ عقود وهم يتجرعون مرارة التمييز العنصري الذي تقيمه الحكومات المحلية الإسبانية ضدهم، معانين من التهميش على مستوى التعليم، الذي من المستحيل أن يصل أبناء مغاربة مليلية إلى مستوى الشهادات العليا أو إلى الوظيفة العمومية أو إلى مناصب إدارية أخرى كالأمن و الجيش و غيرها، دون إغفال الحرمان من أدنى حقوق الجيل الأول التي جاءت بها الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية كالحق في الجنسية الحق في المرافق الصحية وفي السكن اللائق و التطبيب والحماية الاجتماعية وغيرها. إن مغاربتنا بمليلية المحتلة راحوا ضحية التهميش لعقود عديدة بسبب نهج سياسات محلية جائرة جراء تعاملها مرة مع الحزب الشعبي اليميني ومرة مع الحزب الاشتراكي، دون الانطلاق من سياسات محلية يسهم فيها ممثلو الأحزاب الوطنية وجمعيات المجتمع المدني لساكنة مليلية المحتلة، مما يدفعنا نحن المغاربة إلى مساءلة الحكومة الإسبانية عن سياسة التفرج على مسرحية التهميش والإقصاء في حق مغاربة المدينتين المحتلتين، مطالبين بضرورة التدخل من أجل فرض احترام الدستور الإسباني، الذي يقر العديد من الحقوق الدستورية بإسبانيا وخارج إسبانيا ، وخاصة مبدأ المساواة فيما بين الجميع. إن الاضطرابات التي وقعت في مليلية المحتلة سبق أن وقعت في مدينة سبتةالمحتلة أيضا جراء معاناة المغاربة بالمدينة، وخاصة بحي «برينسيبي» المهمش، حيث يشكل المغاربة فيه زهاء 40 بالمائة من سكان المدينة، ولا يتوفرون على أدنى الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، مما يفرض ضرورة تحرك الدولة المغربية من أجل دعم مغاربة هاتين المدينتين السليبتين، مراعاة للولاء السياسي الذي يولونه للمغرب وللسلطان، حيث أن هؤلاء المغاربة لا زالوا يهتفون باسم جلالة الملك محمد السادس في المناسبات الوطنية والدينية، ويتوقون إلى أن تتدخل الدولة المغربية من أجل تحسيس إسبانيا بشأن تحمل مسئولياتها الدستورية كدولة مركزية لها مجموعة من الصلاحيات تجاه مناطق الحكم الذاتي. إن اضطرابات مليلية المحتلة حفزت فينا كمغاربة شعور القومية والوطنية الحقة والشعور التاريخي تجاه ملف وحدتنا الترابية المنقوصة، حيث بات ضروريا بعد أزيد من نصف قرن من الاستقلال عن كل من فرنساوإسبانيا تحريك ملف استكمال الوحدة الترابية من يد هاتين الدولتين المستعمرتين،تجاه فرنسا أولا بشأن صحرائنا الشرقية، وتجاه إسبانيا ثانيا بشأن كل من أقاليمنا الجنوبية وسبتة ومليلية المحتلتين والجزر الجعفرية. من الصعب أن تبقى مدينتا مليلية وسبتة محتلتين إلى الأبد، حيث أن تردي أوضاع مغاربتنا بالمدينتين السليبتين يجعلنا مضطرين بشكل أو بآخر لتحريك ملف المطالبة بالمدينتين من يد الغاصب الإسباني، والذي طالما غضضنا الطرف عنه، من منطلق أن ظروف ملف الصحراء المغربية لا تسمح الآن بتحريكه مخافة افتقاد دعم إسبانيا لنا، التي لا نراها إلا دولة محايدة كغيرها من الدول الكبرى،علما أن بها أصواتا وقحة تتجرأ على دعم الانفصاليين بكل جرآة. لقد سبق أن أحدث المغرب عهد الملك الراحل الحسن الثاني خلية تفكير مشتركة بين المغرب وإسبانيا، من أجل حسم الوضعية القانونية النهائية لمدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، في أفق فك الاستعمار الجاثم على صدر هاتين المدينتين، اللتين يشهد التاريخ والجغرافيا على أنهما مغربيتان دون منازع، وإن التاريخ مهما طال سيحاسبنا على عدم تحريك ملف المدينتين مع جيراننا الإسبان أولا ومع المنتظم الدولي بالأمم المتحدة في مرحلة لاحقة فيما بعد، حيث أن إسبانيا ذاتها تحرك بكل جرأة ملف جبل طارق من حين لآخر مع انجلترا ،فما المانع بالنسبة إلينا أيضا بهذا الشأن؟ إن غالبية الأحزاب الوطنية وعلى رأسها حزب الاستقلال تؤمن أيما إيمان في أدبيات ومقررات مؤتمراتها الوطنية بمغربية مدينتي سبتة ومليلية، مما بات معه ضروريا بعد الأحداث المؤلمة المتوالية بمليلية منذ الصيف الماضي على إثر الاعتداءات الشنيعة لحرس الحدود الإسبان في حق المغاربة السياح لمليلية تصريف هذه المقررات في الوجهة الصحيحة، التي يكون من شأنها تذكير وتحسيس إسبانيا بمطالبنا الشرعية التاريخية العادلة تجاه مدينتينا المحتلتين، في أفق استردادهما في المستقبل القريب أو المتوسط، وقبل هذا وذاك يتعين التذكير قبل استرجاع المدينيتن أن بهما مغاربة يتعين العناية بهم من منطلق كونهم سكان أصليين تقر لهم المعاهدات الدولية وافر الحقوق.