اتسمت الندوة الوطنية حول «الهوية والمواطنة» التي نظمتها مؤسسة أبوبكر القادري للفكر والثقافة مؤخرا بالمكتبة الوطنية، بالعمق الفكري، وهي بذلك ساهمت في فك الإشكالات المرتبطة بالهوية والمواطنة ووضعت حجر الأساس لبناء مابدأه الفقيه والمجاهد أبوبكر القادري من خدمات جليلة لوطنه حيث بقي رغم حصول المغرب على الاستقلال متواجدا على الساحتين السياسية والفكرية. وهو من الشخصيات التي ساهمت في صنع التاريخ ومن المؤسسين الرواد للفكر الاستقلالي بالمغرب وأحد أهم ركائز الحركة الوطنية. عبر رئيس مؤسسة أبو بكر القادري للفكر والثقافة الأستاذ خالد القادري في كلمته بداية الحفل الفكري، أن هذه المؤسسة تأسست لربط الماضي بالحاضر وبالمستقبل، وإبراز نضالات الرجل الذي تحمل إسمه طيلة سبعة عقود على جميع الأصعدة والواجهات وتعريف الأجيال الصاعدة بنضالات الرواد ومن بينهم الأستاذ أبوبكر القادري وإطلاعها على الذاكرة الجماعية للمملكة وتحسيسها بضرورة الحفاظ عليها، وكذا التشبث بالهوية الوطنية، إذ ستعمل على استشراف المستقبل عبر الدرس والبحث، وذلك من خلال الخزانة التي وهبها المجاهد أبوبكر القادري للمؤسسة وما سيتم تجميعه من وثائق وأرشيفات، وماتعتزم تنظيمه من ندوات ولقاءات وتظاهرات ومعارض مختلفة، مشددا على انفتاح المؤسسة على جميع الاقتراحات التي تتوافق ومراميها. وقد ميز هذه الندوة الوطنية حضور العديد من الشخصيات في عالم السياسة والدبلوماسية إلى جانب الأستاذ أبو بكر القادري السيد عبد الواحد الراضي وإسماعيل العلوي ونزار بركة وامحمد بوسته، كما أطر الندوة الأساتذة: إبراهيم بوطالب وأحمد بوكوس وعبد السلام الشدادي، وقام بتسيير الجلسة الأستاذ أحمد اليابوري والذي اعتبر أن الندوة ستساهم في طرح الإشكالات المرتبطة بالهوية والمواطنة وتحليلها. مشيرا إلى التهديد الذي تمثله العولمة في تكسير القيم الثقافية والفنية للمكونات اللغوية والفكرية والأخلاقية للهويات الوطنية، وأيضا إبراز اهتمام السلف بالهوية الصحيحة وقيم ا لمواطنة السليمة ودعوته إلى حوار الهويات المتساكنة رغبة في إقامة مجتمع تملكه قواعد المواطنة ومبادئ الوطنية، وما يقتضي ذلك من معرفة الآخر، والإعتراف به في إطار التعدد الخصب والإختلاف البناء. وفي هذا الصدد، ذكر المؤرخ ابراهيم بوطالب في مداخلته، أن الهوية ترتكز على أربعة أسس هي الوطن الذي هو المغرب المبني على الانفتاح والشعب الذي بني على الاختلاف من أجل الإئتلاف، والأرض المرتبطة بالشعب، حيث صرح، جرى له ماجرى، لكن لدينا قاسم مشترك، وهو التاريخ، وهذا التاريخ فيه لمعات، وفيه من الإيجابي أكثر من السلبي، وإلا كنا قد ضعنا، لكننا لم نضع، إذن تاريخنا إيجابي على علة المشاكل التي كانت فيه، مع العلم قضيت طوال حياتي الدراسية أعلم الطلبة أن التاريخ ليس محكمة، التاريخ واقع ونحن لانحاكم الموتى، لكن علينا أن نفهم لماذا تحرك الناس في هذا الاتجاه وليس في الاتجاه الآخر، فتاريخنا مبني على الأمجاد وعلينا أن نعتز بهذا التاريخ، من تجلياته أنه نقل عن دولة عندها 12 قرنا، وبعض الدول الكبرى في أوربا المتقدمة لاتتجاوز أربعة قرون، بينما دولة المغرب قائمة لمدة 12 قرنا، ولكن فيها الجهاز المخزني الذي نتعامل معه بالكثير من الاستخفاف، هل عرفتم لماذا، لأننا لم نعرف المخزن، أقول إن المخزن هو الركيزة الأساسية التي يقوم عليها البنيان. والعنصر الرابع مرتبط بالمصير، حيث يقول إذا كان لدينا مصير فهناك مستقبل ونحن مسؤولون على بناء هذا المستقبل، لأننا حين غفلنا عن مسؤولية الوطن قدم الاستعمار، وبالتالي قام بمقامنا واهتم به عنا هذا هو التاريخ أنا لا أدافع عن الإستعمار، الإستعمار كان معطى جاء الغير ليعلمنا أو يجعلنا على الطريق وأن يفتح عيوننا على المستقبل، وقد حصل تطور كبير بفعل الصدمة، التي أفاقتنا من السبات، والكل يعلم أن مولاي الحسن الأول كان قد أوفد مجموعة من الطلبة ليتعلموا بأوربا، وعندما رجعوا اتهموا بالكفر، ولايصلحوا لشيء. أما المواطنة فهي سلوك، ومن هنا يأتي حب الوطن، فأطرح السؤال، ما معنى حب الوطن، ما معنى أن تحب شيئا، نطرح السؤال ولانريد أن نجيب عنه لأن كل واحد يحب بطريقته المهم هو أن يحب وأن يكون الوطن في قلبه. بعد السلوك تأتي العقيدة، والمواطنة مسؤولية، والعقيدة من الوجهة الدينية مرتبطة بالعروة الوثقى، والاسلام يفرض علينا واجبات وحقوق، وأصل الدين في رأيي بكل تواضع هو فعل الخير، ويمكن أن ننظر إلى التعاقد الاجتماعي (جاك روسو) هو بناء للتاريخ والمصير، فنحن متعاقدون، مع العلم أننا لم نكتب أي عقد بيننا، وهذا هو السر، هي عقيدة ضمنية تلزم كل واحد فينا بالعمل بها دون أن يشعر بها. العنصر الثالث في السلوك، هو تربية النشء، والمواطنة تقتضي أن نكون مستعدين دائما لهذا الأمر، لأنها جدلية مستمرة بين الماضي / التاريخ والمصير، فبناء المستقبل طيلة الوقت مناط بالنشء. وآخر شيء في المواطنة هي قضية المسؤولية، والوعي بكل لحظة، لأنها لحظة متميزة، وكل اللحظات متميزة، ولقد كتب لنا أن نعيش مع مجموعة من الإخوان هنا، وهي فترة مهمة من تاريخ المغرب، وأيضا هي فترة مشجعة على المستقبل. أما قضية المحافظة والروح الثورية وحب التغيير، أو المحافظة والانفتاح على التغيير، ينظر إلى المحافظين نظرة احتقار، وهذا رأي خاطئ فالمحافظ لايمكن أن يكون إلا وهناك شيء يحافظ عليه وهذا الشيء الذي تحافظ عليه يهمني أنا، وهي الهوية والمواطنة، أي السلوك. بينما اعتبر أحمد بوكوس أن الحديث عن الهوية والمواطنة يستلزم الكثير من الاشتغال في المفاهيم، وخاصة وأن توظيف هذين المفهومين يأخذ تكوينات تتغير والسياق العام، وأن الهوية كانت في العهد القريب من المسائل التي تطرح على المجتمعات النامية وكأن طرحها من قديم الإنغماس في التوحد والتقوقع في الخصوصية، وقد كان هذا الحكم القيمي يصدر عن جهات تنادي جهرا في الانفتاح على العالم وعلى القيم الكونية، وتعبر مظهرا على ضرورة فتح الأسواق خدمة لمصالح الدول المصنعة، كما يصدر الطرح نفسه على النخب لتتبنى المشروع الإيديولوجي الوطني العربي، وللوطن العربي الصرف أو للأمة الاسلامية فقط، أو للأنسنة الكونية التي تأخذها العولمة زاحفة. إن معالجة إشكالية الهوية والمواطنة تستوجب طبيعة العلاقة بين المفهومين، ويتعلق الأمر بعلاقة تلازم، تجعل من الهوية والمواطنة قطبين متلازمين، بمعنى إن كان قطب الهوية وقطب المواطنة تربطهما علاقة ترابط، تجعل من التثبيت في الهوية شرطا للمواطنة السابقة والعكس بالعكس، كما ان إرساء الهوية يماثل تملك ثقافة المواطنة بصفته قيمة من قيم الحداثة، والمقاربة التي قد تكون ناجعة في الربط الجدلي بين الهوية والمواطنة تكون في إطار المشروع الحداثي الديمقراطي الذي يروم إلى تحقيق إرساء ديمومة تعاقدية بين مجتمع منظم ودولة المؤسسات في خدمة الوطن (إشارة إلى مداخلة بوطالب) ومقاولة مواطنة كذلك، ومواطنا بوعي وبحقوقه، لكن بمسؤولية، فالحاجة إلى رسم أهداف ميثاق وطني للمواطنة تأسس على التقاسم للقيم الوطنية والكونية، في هذا المنحى، فانفتاح الوطن على العولمة لاينبغي أن يترتب عنه إقصاء الثقافة المحلية والجهوية، كما للمحلية وللجهوية لايجب أن تقصي البعد الوطني والكوني، وفي اعتقادي أن الهوية والمواطنة يجب أن تجد النخبة المثقفة أجوبة ملائمة لها تتمحور حول الاشكاليات التالية: 1 إن المغرب الحديث بلد في طور الإنتقال على جميع المستويات، وهي انتقالات تتسم بسرعة وتيرة وبالنزوع إلى تصاعد بمقدار جيل بشري، ولكل ذلك تأثير راهن مستقبلي على الهوية الفردية لكل مغربي ومغربية كما على الهوية الوطنية الجماعية. 2 إن الهوية ذات صلة وثيقة بالمجال الجغرافي وبالتاريخ، وقد فصل فيه الأستاذ بوطالب، وهو ما يعرف اليوم بالتنوع البيولوجي والثقافي وبالتمازج وذلك في ارتباط المفهوم بالجهوية الموسعة حيث نجد تعدد أنواع الفضاءات الطبيعية وأنماط احتلال تلك الفضاءات خلال الحقب المتعاقبة. 3 التاريخ وارتباطه بالشعوب التي عاشت في المغرب منذ فجر الوجود، وارتباطه بالحضارة المغربية، على عكس الهوية الوراثية، فإن الهوية الوطنية بمثابة بناء متواصل ودائم. 4 إن الهوية المغربية مطبوعة بالتنوع ، وهي متشكلة تاريخيا من المكونات الامازيغية والاسلامية العربية والافريقية إلى حد ما اليهودية كذلك، ومن ثمة، المغربي يعيش في بوثقة متعددة اللسان إذ بجانب اللغات الوطنية أي العربية والأمازيغية تتواجد لغات أجنبية في المغرب بحكم التاريخ، أو لضرورة انفتاحه على العالم الحديث. 5 إن القيم التي يتعين تحسيس الاجيال بها هي القيم المتقاسمة على الصعيد الدولي والوطني كذلك، تلك القيم التي تشد المواطنين إلى مجموعة ملزمة إياه بالانخراط في رؤية لمستقبلهم قائمة على التضامن والاحترام المتبادل وكذا على السلوك الأخلاقي والوعي بالحفاظ على البيئة والتحلي باستعمال السلطة ومعاملة الآخرين على قدر المساواة. وفي هذا الصدد يقول بوكوس: أود أن أتناول موضوع التعددية اللغوية الثقافية في علاقتها بالمواطنة وبالوحدة الوطنية عبر محطات: 1 الاطار المرجعي المؤسس لإشكالية المواطنة والتعددية 2 استمرار هذه التعددية اللغوية الثقافية. 3 التوظيف المعقلن للتعددية، كرافعة لصيرورة التنمية البشرية 4 التعددية المندرجة كمبدأ مهيكل لمجتمع ديمقراطي حداثي وهنا يقر بكون المغرب ولأول مرة يتبنى السياسة الرسمية للدولة مقاربة منفتحة، قوامها الاعتراف بالتعددية واللغوية والنهوض بها في إطار استراتيجية تروم تنمية العنصر البشري ثقافيا، وكذا تنمية الموارد الاقتصادية في إطار سياسة التدبير الجهوي على أساس عدالة ناجعة، وهذا الاهتمام بقطب التعددية لايغفل التركيز على قطب الوحدة، إذ ظل المغرب عبر عقود متميزا بالتحام سكانه. وبناء وحدة وطنه ومقاومته لكل غزو أجنبي ولكل محاولات التفرقة، فيما تطرق الأستاذ أحمد الشدادي إلى مسألة الهوية والمواطنة. باعتبارها مسألة شاسعة ولها أبعاد مختلفة ويمكن معالجتها من زوايا متعددة أدبية وسيكولوجية وسوسيولوجية وأنتروبولوجية وتاريخية، وقد أعفاياني (بوطالب وبوكوس) من معالجة البعدين التاريخي والواقع الماضي القريب أو الحاضر، كما أظن أن المسألة هي مسألة مصيرية، لماذا، لأن الهوية هي ضرورة، ولكل فترة من الفترات الزمنية التي يعيشها شعب من الشعوب لإيجاد صورة جديدة للهوية من جهة والمواطنة من جهة أخرى وخصوصا في الظروف التي نواجهها اليوم. يضيف، بالنسبة لي، أنا أريد أن أعرض هنا، أن المشكل المطروح هو مشكل عملي ويعالج بالنقاش، لأنه المشكل أساسا هو توافق مجموعة من الأطراف التي تكون الهوية والمواطنة، وما سآتي به في الحقيقة فقط هو بعض الخطوط العامة للإشكالية الراهنة، أنا لا أتكلم عن الدور التاريخي ولا الواقع الحاضر بصفة دقيقة ولكن فقط عن ماهو إشكالي اليوم. مسألة الهوية، والمواطنة مطروحة بصفة عامة على الصعيد العالمي بارتباطه بالمعطيات الجديدة في ميادين الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا والسياسية العالمية، لتعطي إلى هذا الموضوع »الهوية والمواطنة« صبغة جديدة وملحة. فيما على الصعيد المحلي، بارتباطه مع المرحلة الثقافية التي يعيشها مع بعض بلدان من المغرب، وهنا تطرح مسألة التغيرات الاجتماعية والسياسية والإقتصادية والثقافية. ويضيف أنه لا يمكن بناء وتطوير الهوية في العصر الحديث إلا على أساس المواطنة، ولا يمكن بناء المواطنة إلا في إطار هوية معينة، وهذا قانون عالمي موجود في جميع الحالات وفي كل الأماكن. نظريا وعلى المستوى التحليلي، لا يمكن فصل التفكير في الهوية أو التفكير في المواطنة والعكس صحيح، وعربيا لا يمكن الانطلاق من هوية صادقة الوجود، ويرتبط التفكير في المواطنة على معرفة لهذا الموجود كعنصر أساسي للتأسيس. الإشكال المطروح الآن بصفة خاصة هو كيف يمكن للمواطنين انطلاقا من ماضيهم وواقعهم الحالي، تحديث المواطنة، وأن يحققوا بناء مجتمع متوازن وعادل، وبهذا يكون تحديث الهوية ملتئم مع المصالح الخاصة والعامة المشتركة، ونستطيع في الوقت ذاته مواكبة الحداثة في جميع أبعادها بهذا المعنى يطرح الشدادي مجموعة من الأسئلة للنبش في صيرورة هذين المفهومين في إطار التحولات التي يشهدها العالم حاليا، وهي جذرية وجديدة ومهمة بتحقيق مجتمع معرفي، وكذا من خلال التغيرات التي حصلت بالمغرب في خمسينيات القرن الماضي ووصلت أوجها في العقد الأخير. وتبقى مؤسسة أبو بكر القادري منارة للفكر، تروم إلى نشر المعرفة وضخ دماء جديدة من أجل بناء مغرب معرفي، وهذا ما فتئ المجاهد أبو بكر القادري يركز على تشبثه بالقلم بحيث أثرى المكتبة المغربية بمجموعة من المؤلفات منها »في السبيل مجتمع إسلامي« »في سبيل وعي إسلامي« »التعليم.. المهمة الأولى في الاسلام« »دفاعا عن المرأة المسلمة« في سبيل وحدة إسلامية« »المغرب والقضية الفلسطينية«، كما أن له كتابات في مسألة أدب الرحلات وهي رهن إشارة المهتمين.