الحديث عن تقييم مستوى تحقيق أهداف خطة التنمية المستدامة، التي وضعت منظمة الأممالمتحدة سنة 2030 سقفا لتحقيقها، توارى إلى الخلف، ولم يعد موضوعا يستحق اهتماما من طرف أي وسط من الأوساط الكثيرة التي تزعم انشغالها العميق بقضايا التنمية المستدامة والمساواة في العيش الكريم بين البشر جميعا. فقد سبق للدول الأعضاء في منظمة الأممالمتحدة أن اعتمدت هذه الخطة في بحر سنة 2015، وضمنتها سبعة عشر هدفا ب169 مؤشر. وقيل آنذاك إن هذه الخطة، تروم تحديد اتجاه السياسات العالمية والوطنية المعنية بالتنمية، وإلى تقديم خيارات وفرص جديدة لسد الفجوة بين حقوق الإنسان والتنمية. ولم تقتصر الخطة على مثل هذه التعابير الفضفاضة التي قد تفيد في كل شيء ما عدا فهم ما يراد منها وبها بالتحديد، بل انتقلت إلى المستوى الثاني من تحديد هذه الأهداف من قبيل القضاء على الفقر والجوع، وضمان الصحة الجيدة والرفاه للجميع، وتوفير التعليم الجيد والحياة النظيفة والنظافة الصحية، والعمل اللائق، والنمو الاقتصادي، ووجود مدن ومجتمعات محلية مستدامة، وسيادة السلام والعدالة والمؤسسات القوية والأمن الشخصي والوصول إلى العدالة والحريات الأساسية. وتم التسويق لهذه الخطة بما يضمن لها شروط الإثارة بالقول، بأنها حسب المفوضية السامية لحقوق الإنسان، "مترسخة في صميمها مبادئ المساواة وعدم التمييز، وملتزمة بشمل الجميع دون أي استثناء، وبالوصول أولا إلى المستبعدين والمقصيين، وبإيلاء انتباه خاص إلى المجموعات المهمشة". اليوم، وقد عمرت الخطة المذكورة أكثر من نصف عمرها الافتراضي الذي تم الالتزام بأنه سينتهي في سنة 2030، والتي لم تعد تفصلنا عنها إلا سنين قليلة تعد بعدد أصابع اليد، أضحى تقييم مسار التنفيذ مشروعا بل وملحا، والتساؤل في ضوء ذلك عما إذا كانت الأممالمتحدة، من خلال الدول الأعضاء فيها استطاعت وضع قاطرة هذه الخطة فوق سكتها السالكة، وعما إذا كانت هذه القاطرة أقلعت فعلا من محطتها الأولى وأنها بعد كل هذه المدة، اجتازت العديد من المحطات، وأن ملامح محطة نهاية سبرها بدأت تتجلى تدريجيا؟ الجواب على ركام الأسئلة المشروعة هذه، لن ننقله على لسان المتشائمين من عمل منظمة الأممالمتحدة ولا من معارضيها ولا حتى من المتخصصين الأكاديميين والخبراء، بل ننقله بأمانة عن الأممالمتحدة نفسها من خلال تقرير صدر عنها قبل ثلاثة أشهر من اليوم، أكدت فيه "أن أهداف التنمية المستدامة التي وضعت الأممالمتحدة سنة 2030 موعدا لتحقيقها، ما زالت بعيدة المنال"، و"أنها ما تزال بعيدة عن المسار الصحيح لضمان تحقيقها" والأكثر خطورة من كل ذلك، أن منظمة الأممالمتحدة تعترف في تقريرها حينما خلصت إلى الاعتراف بأن "الأهداف ال17 المتفق عليها، ليس من بينها أي هدف في طريقه إلى التحقق بحلول 2030، وأن معظم الأهداف، عرفت تقدما محدودا، أو تراجعا خلال السنوات الماضية". وهكذا، فإن العالم الذي كانت تنشده الدول الأعضاء في منظمة الأممالمتحدة، الذي قيل إنه سيكون مغايرا في أفق سنة 2030، وأن أهدافا استراتيجية كبرى ستتحقق، وستضمن القضاء على جميع مظاهر الهشاشة في العالم من فقر وجوع وانعدام خدمات الصحة والتعليم والشغل والسلم والاستقرار والحرمان من حقوق الإنسان، لم يعد موضوع انتباه هذه الدول من خلال المنتظم الأممي، والأدهى من ذلك، أن العالم الذي تم الالتزام بتغييره قبل حوالي عشر سنوات من اليوم هو أحسن وأفضل حالا من عالم اليوم، والمرجح أنه في حالة ما إذا تم استطلاع رأي شعوب العالم في هذا الصدد لاختارت العالم الذي وعدوها بتغييره قبل حوالي عشر سنوات خلت. والحقيقة، أن جميع القضايا التي استهدفت بخطة التنمية المستدامة المشؤومة زادت ترديا، وأن جميع الإشكاليات زادت استفحالاً وأن الأزمات زادت تراكما وتعقيدا. وأن العالم أضحى حاليا في حالة لا يقين تكاد تكون غير مسبوقة في تاريخ البشرية، وتلقي بظلال قاتمة جدا على مستقبلها، على المستوى الاقتصادي في نظام عالمي مختل تقبض فيه القوى العظمى برقاب الشعوب في غذائها ومائها وهوائها ودوائها، وعلى المستوى السياسي حيث زادت حدة النزاعات المسلحة وأضحت الإبادة الجماعية مباحة ومتاحة بتغطية كاملة من القوى العظمى، وصار التجويع سلاحا للتطويع والفقر أداة للتركيع. هكذا يتضح ويتأكد أن الطبع يغلب على التطبع للذين يروجون للأمان كمسكنات ظرفية للأوجاع والآلام المترتبة عما يقترفوه في حق شعوب العالم، ولذلك لن نستغرب إذا ما جاؤوا بوصفة مزيفة جديدة تعوض وصفة خطة التنمية المستدامة، للإلهاء وملء جزء من الفراغ وللمناورة عما يضمرونه من إساءات متعددة لكثير من شعوب العالم.