هل يكون الركود والتأسف على الوضع هو عنوان المرحلة إن لم تنجح الدولة في كبح التضخم وإنقاذ السيولة؟ عرفت سنة 2022 تدخلات للدولة لفائدة 61 ألف مقاولة، بهدف تفادي إفلاسها، وذلك بتمويلات تفوق 47 مليار درهم، لتخفيف تداعيات الجائحة على النشاط النسيج المقاولاتي بالمغرب. وحسب تقرير لمكتب "أنفوريسك"، سجل المغرب أكثر من 12 ألف حالة إفلاس بين الشركات برسم سنة 2022، بزيادة نسبتها 17,4 في المائة مقارنة بعام 2021، حيث سجلت أغلبية الحالات وسط المقاولات الصغيرة جدا (التي توظف أقل من 5 أشخاص وتحقق رقم معاملات أقل من 3 ملايين درهم) بنسبة 99.2 في المائة، بينما تمثل المقاولات الصغرى والمتوسطة نسبة 0,7 في المائة. في هذا السياق تأسفت نادية فتاح العلوي، وزيرة الاقتصاد والمالية، خلال جوابها عن سؤال شفوي بمجلس المستشارين، قبل أيام، عن هذا الوضع الذي حددته فيما يناهز خُمس المقاولات المحدثة حديثا، حيث تكبدت الشركات المتوسطة والصغيرة بالمغرب أكبر نسبة إفلاس خلال العام الماضي، لكن هل يكون التأسف هو عنوان المرحلة القادمة إن عجزت الدولة عن وقف زحف الركود وامتصاص التضخم أمام أزمة السيولة وارتفاع المواد الطاقية. وعزت المسؤولة الحكومية إفلاس هذه المقاولات إلى مشكل السيولة، مفيدة أن 50 في المائة من المقاولات المغربية التي تتعرض للإفلاس تعاني من نقص السيولة، مؤكدة أن آجال قانون الأداء سيساعد في حل مشكل السيولة. وقالت فتاح العلوي، إن "من أهم التحديات التي تعاني منها المقاولات هو التمويل، وبالتالي الحكومة لها حلول عبر مؤسسة "تمويلكم"، من شأنها مساعدة المقاولات الصغيرة على ولوج التمويلات بأسعار مناسبة وبحلول تلائم وضعيتها المالية". إضافة إلى أزمة السيولة كسبب مباشر كما اشارت إلى ذلك السيدة الوزيرة، فإن المراقبين أرجحوا الإفلاس المتواصل للمقاولات الصغرى والمتوسطة إلى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وما تلا ذلك من ارتفاع في أسعار المواد الأولية وقفزات التضخم غير المسبوقة والتي بلغت مستويات قياسية. في ذات السياق أرجع تقرير "أنفوريسك"، ارتفاع نسبة إفلاس الشركات في المغرب بشكل جزئي إلى ضعف اللجوء إلى الإجراءات الوقائية التي تنص عليها المنظومة القانونية للشركات والتجارة، حيث تمثل حصة تدابير الحماية ضمن حالات الإفلاس 0,25 في المائة، وحصة التسوية القضائية 0,06 في المائة، بينما تمثل حصة التصفية القضائية، والحل، والشطب، والتوقف، ضمن حالات الإفلاس 99,69 في المائة. وتم تسجيل 41 في المائة من حالات الإفلاس وسط الشركات في المحور الدارالبيضاء-الرباط-طنجة، وهو المحور الذي يضم أكبر عدد من الشركات، وتشتغل 33 في المائة من المقاولات المفلسة في قطاع التجارة، و21 في المائة في قطاع العقار، و15 في المائة في البناء والأشغال العمومية. تعليقاً على هذه الأرقام، قال عبد الله الفركي، رئيس الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة، إن النسيج المقاولاتي، المكون بالأساس من الشركات الصغيرة والمقاولين الذاتيين، أمضى سنة صعبة بسبب استمرار تداعيات أزمة كورونا، لتنضاف إليها آثار التضخم وارتفاع أسعار مختلف المواد منذ بداية العام الماضي. وأوضح ذات المصدر أن نسبة الإفلاس قد تكون أكبر من الأرقام المعلنة، كما لا تزال هناك نسبة كبيرة مهددة بالإفلاس في ظل عدم تدخل الحكومة لتخفيف الآثار السلبية للوضعية الاقتصادية الناتجة عن حرب أوكرانيا وتسببها في تضخم مرتفع، ناهيك عن موسم الجفاف الذي أثر على الطلب المحلي والجائحة الصحية التي خلفت تداعيات كان أشدها ارتفاع أسعار المواد الأولية ومواد الطاقة. وهو ما يصفه الخبراء الاقتصاديين المغاربة بالأزمة الثلاثية (الحرب الاكرانية، غلاء المواد الطاقية، الجفاف). المتحدث رجح أن تزداد معاناة المقاولات الصغيرة جداً والصغرى والمتوسط خلال العام الجاري في ظل استمرار الظرفية غير المواتية، ناهيك عن رفع سعر الفائدة الرئيسي من طرف بنك المغرب إلى 2.5 في المائة، مشيراً إلى أن هذا القرار "سيحد من تمويل هذه من المقاولات، وبالتالي ضياع فرص إنقاذها من الإفلاس". وذكر رئيس الكونفدرالية أن المقاولات الصغيرة ستواجه مقتضيات جديدة تقضي برفع الضريبة بموجب قانون مالية 2023، وهو ما سيزيد من حدة الإفلاس أو اللجوء إلى العمل في القطاع غير المهيكل، ناهيك عن استمرار عدد من المشاكل المتمثلة في صعوبة الولوج إلى الصفقات العمومية والعقار وطول آجال الأداء. وضع عام يلخصه لنا الخبير الاقتصادي عمر الكتاني، في تصريح سابق ل"العلم"، حيث قال: "إن المغرب يلجأ دائما إلى حلول جاهزة وسهلة، إن لم نقل عنها ترقيعية، للخروج من أزماته الاقتصادية، أولهما رفع الضرائب وثانيهما رفع المديونية الخارجية، حيث ينتج عن الحل الأول ارتفاع نسبة التضخم الداخلي، وعن الثاني ارتفاع نسبة التضخم الخارجي، وبالتالي فإن إضافة هذه المعطيات إلى الأزمة الثلاثية التي يمكن حصرها في الجفاف والجائحة والحرب الاكرانية، إلى بعض القرارات الجاهزة التي تساهم في خلق اقتصاد هش، فالمغرب حتما سيكون اقتصاده فريسة للتضخم المزدوج..". وأوضح أنه إضافة إلى الإجراءات التي اتخذتها الحكومة اللحد من آثار الازمة الثلاثية وانقاد النسيج المقاولاتي من آثار التضخم والركود، لجأ البنك المركزي لمجموعة من القرارات مؤخرا لإنقاذ الاقتصاد الوطني من السقوط في ركود حتمي، والذي يشكل أقوى الأسباب المباشرة لإفلاس الشركات الكبرى قبل الصغرى، واستهدفت هذه الإجراءات فك مشكل التضخم عن طريق رفع سعر الفائدة المركزية مرتين على التوالي وأيضا فك أزمة السيولة عبر شراء سندات الخزينة من الأبناك. وأوضح مصدرنا أن بنك المغرب كان مضطرا لاتخاذ هكذا قرارات، لأنه في وضعية لا يحسد عنها ،" فهو بين المطرقة والسندل"، أي محاربة التضخم من جهة والخوف من السقوط في الركود الاقتصادي من جهة أخرى، وإغلاق آلاف الشركات موضحا أن الظرفية الاقتصادية جعلته بين خيارين أحلاهما مر،" إذا ترك سعر الفائدة منخفضة من أجل تشجيع الاستثمار فحتما سيرفع من نسبة التضخم وإن رفع الفائدة سيسقط في الركود وسيعصف ببعض القطاعات الحيوية وهم ذلك جرا من التداعيات التي سأثر سلبا على الطبقة المتوسطة والهشة وما لذلك من تداعيات سوسيو-اقتصادية لا حصر لها.". ختاما دعا دكتور الاقتصاد عمر الكتاني الدولة إلى نهج تدابير موازية تقلص من تداعيات الأزمة الثلاثية وغلاء المواد الطاقية وتحد من مظاهر الركود الاقتصادي التي ستميز سنة 2023 الجارية، وأنه حان الوقت لنهج سياسة التقشف ومحاربة اقتصاد الريع.