هذه هي التفسيرات الممكنة لدحض ما قد يروج من ادعاءات شغل مسؤولو بنك المغرب أنفسهم كثيرا بالارتفاع الإيجابي الهام و الكبير الذي سجلته معدلات تحويلات المغاربة القاطنين في الخارج من العملة الصعبة نحو بلادهم المغرب ، و علم أن هذا الانشغال وصل حد إقدام بنك المغرب على اقتناء 900 مليون دولار من فائض العملة الصعبة لدى البنوك و تكوين لجنة من الخبراء من بنك المغرب لدراسة هذه الظاهرة و فهم أسبابها و تفسير هذا التحول الكبير في حجم العائدات المالية لمغاربة العالم .
و كان بنك المغرب قد أكد قبل أيام قليلة من اليوم أنه يتوقع أن تحقق تحويلات المغاربة القاطنين في الخارج مبلغا قياسيا قدره 87 مليار درهم خلال السنة الجارية ، مسجلة بذلك ارتفاعا غير مسبوق تصل نسبته إلى 27,7 بالمائة متجاوزة بفارق كبير نسبة الارتفاع التي تحققت في السنة الفارطة و التي لم تتجاوز آنذاك أقل من 5 بالمائة بقليل .
ويؤشر انشغال بنك المغرب بهذا الارتفاع على وجود منطقة ظل فيما حدث ، و يسعى مسؤولو أكبر إدارة شرطة مالية مصرفية في بلادنا إلى تسليط الأضواء الكاشفة عنها ، و أيضا لإبعاد جميع الشبهات التي قد يحاول البعض إلصاقها بالظاهرة ، خصوصا أعداء المغرب الذين قد يردون الأمر إلى موارد مالية غير مشروعة .و يرى الخبراء الماليون أن التفسير الذي سيصل اليه بنك المغرب في هذا الصدد لن يخرج على ثلاثة أو أربعة احتمالات: أولا :أن الظروف الصعبة التي عاشتها العديد من الأسر المغربية بسبب تداعيات وباء كورونا دفعت عشرات الآلاف من المغاربة المقيمين في الخارج إلى تكثيف الدعم المالي لعائلاتهم لمساعدتها على تجاوز الظروف الصعبة ، و الأمر بذلك يندرج في إطار التضامن العائلي الذي يشهد به الجميع للمغاربة .
ثانيا: أن النمو المضطرد الذي يعرفه الاقتصاد المغربي خلال السنوات القليلة الماضية بفضل أوراش الإصلاح الاقتصادي و الاجتماعي التي قادها جلالة الملك محمد السادس شجع مغاربة العالم على تنمية استثماراتهم داخل المغرب ، و هذا معطى قد تؤكده الإحصائيات الرسمية المتعلقة بالاستثمار في بلادنا المتوفرة لدى الجهات المختصة .
ثالثا : ليس مستبعدا أن يكون مغاربة العالم توجسوا من الظروف الاقتصادية الصعبة التي تجتازها دول القارة العجوز بسبب تداعيات جائحة كورونا التي كلفت الاقتصاديات الأوروبية خسائر مالية كبيرة و ضخمة ، و قد يكون مستوى التوجس وصل حد الخوف من فرض ضرائب على الادخار في البنوك الأوروبية ، و هذا ما قد يكون دفع كثيرا من مغاربة العالم إلى نقل جزء من أموالهم إلى المغرب ، خصوصا و أن بنك المغرب يتوقع أن تظل هذه التحويلات مستقرة خلال السنة القادمة و يتوقع أن يصل مجموعها إلى 82 مليار درهم .
رابعا : قد يكون السبب هو كل ما سبق ، بحيث تكون هذه العوامل مجتمعة وراء الارتفاع الكبير في التحويلات المالية لمغاربة العالم ، كما قد يكون السبب الرئيسي و الوحيد هو الارتباط المتين لمغاربة العالم بوطنهم المغرب ، حيث ليس جديدا القول بأن تحويلاتهم المالية كانت ، و لا تزال ، تعتبر أهم مورد و مصدر للعملة الصعبة للاقتصاد المغربي ، و هم بذلك يعتبرون الأكثر تأثيرا على التوازنات المالية في الاقتصاد الوطني .