لم نكن في حاجة إلى قراءة ما تضمنه الحوار، الذي أدلى به رئيس الجمهورية الجزائرية لأسبوعية ( لوبوان ) الفرنسية لمعرفة مضامينها و طبيعتها ، لأن الرئيس الجزائري يكرر نفس الكلام في العديد من المناسبات وفي مختلف وسائل الإعلام، وتبعا لذلك فإنه يبدو ويتضح أن المغرب تحول إلى هوس مزمن للمسؤول الأول في قصر المرادية ، وإلى عقدة نفسية مركبة للحاكمين الفعليين في الجزائر الشقيقة . ومع أن مثل هذه التصريحات لا تأثير لها في الواقع المعيش وفي طبيعة التطورات الحاصلة في المنطقة ، لأنها تحولت إلى أسطوانة محفورة تبعث على الضجر و حتى الغثيان ، فإنها مع ذلك تستوجب الإدلاء ببعض الملاحظات .
1- احتلت المؤسسة الملكية حيزا كبيرا في هذا الحوار، و اضطر الرئيس تبون إلى إقحامها في العديد من المرات . و كشف بذلك عن عداء مقيت تجاه هذه المؤسسة ، وهذا أسلوب اعتدناه في الخطابات الشعبوية وفي المزايدات السياسوية الرخيصة، لأن الأخلاق السياسية تفرض اعتماد الاحترام تجاه رؤساء الدول في مخاطبة باقي الرؤساء الآخرين ، فنادرًا ما يحدث ، إلا في حالات شخصيات شعبوية، ما يتطاول رئيس دولة على رئيس دولة آخر ، و الاستثناء لا يقاس عليه .
المؤسسة الملكية في المغرب لا تحتاج إلى شهادة حسن السيرة من الحاكمين في قصر المرادية، الذين لم يدخروا جهدا عبر التاريخ الحديث في التآمر على هذه المؤسسة ،و سخروا في سبيل ذلك إمكانيات مالية طائلة، و جهودا مضنية، لكن هذه المؤسسة ظلت عصية على أعدائها في الخارج، و في مقدمتهم حكام الجزائر، ولذلك لا يفاجئنا تبون بمواصلة تنفيذ هذه الإرادة الخبيثة .
2- الأكيد أن فطنة الرئيس تبون كانت غارقة في الغباء حينما حاول التفريق بين استهداف المؤسسة الملكية وعدم استهداف الشعب المغربي . و يتعلق الأمر بمنهجية رديئة تكشف عن منسوب البلادة ، لأن الحقيقة الثابتة أن حكام قصر المرادية لم يميزوا يوما في استهداف الشعب المغربي ، و أن عداءهم الحقيقي مع هذا الشعب ، و نحن لسنا في حاجة هنا إلى التذكير بالتاريخ الأسود لهؤلاء الحكام في هذا الصدد ، كان أبرزها طرد عشرات الآلاف من المواطنين المغاربة و تشتيت أسرهم ليلة عيد الأضحى المبارك .بل إن التطاول على المؤسسة الملكية يعتبر أحد أهم أبرز عناوين استهداف الشعب المغربي . مؤسسة يعتز بها الشعب المغربي و تعتبر أقوى ركائز وحدته الوطنية و نموه وتطوره ، على خلاف بلد جار تنتقي فيها المؤسسة العسكرية من يقوم بدور (الكومبارس) في الحكم .
ويكفي السيد تبون مراجعة التقرير الأخير للنموذج التنموي الجديد لبلادنا وهي تسير على نهج البناء والتطور والصعود، ليعرف المكانة الراسخة التي تتبوؤها المؤسسة الملكية في وعي المغاربة، والإجماع القوي في شخص جلالة الملك حفظه الله، باعتباره "الضامن للتوازن بين دولة قوية وعادلة ومجتمع قوي ودينامي. وهو يكرس القيادة الضرورية
لتحقيق الطموحات التاريخية الكبرى ولتتبعها وضمان استمراريتها".
3- يتحدث الرئيس تبون عن القانون الدولي ويدعو بلادنا إلى العودة إليه ، وطبعا الرئيس تبون يتحدث عن النزاع المفتعل في الصحراء المغربية. وهنا نتساءل ما الذي يقصده هذا الرئيس بحديثه عن القانون الدولي؟ فإذا كان يقصد بالقانون الدولي قرارات مجلس الأمن المتعلقة بهذا النزاع، فإنه من المفروض يعلم طبيعة ومضامين هذا القرارات والتي تتحدث في غالبيتها عن (تسوية سياسية دائمة و مقبولة من جميع الأطراف) وأن الجزائر رفضت بعناد الانخراط في هذا المسلسل الدولي، وعاكست جهود الأممالمتحدة ؟ أم أن الرئيس تبون يقصد بالقانون الدولي الإشراف على تزوير هوية شخص مبحوث عنه و تهريبه سرا من الجزائر إلى بلد أوروبي بوثائق مزورة لضمان إفلاته من المساءلة القضائية، و هو عمل تقوم بها العصابات الإجرامية المنظمة في العالم؟
لا ندري ما الذي يقصده تبون بالقانون الدولي، و الأكيد أن الرجل يكشف عن جهل عميق و خطير جدا بالقانون الدولي، وهذه عاهة ما بعدها عاهة . 4- يتحدث الرجل عن تنبيهه سابقا إلى (خطورة عودة البوليساريو إلى حمل السلاح) وإلى (الصدام الخطير الذي قد يغير الوضع ) و هذه مناورة من مناورات حكام الجزائر التي لم تعد تنطلي على أحد ، لأن الحقيقة أن مليشيات البوليساريو تحمل السلاح نيابة عن الجهة التي تمولها وترعاها وتزودها بالسلاح، و إن النزاع المفتعل في الصحراء المغربية هو تجسيد لاستهداف جنرالات الجزائر الشعب المغربي، و أن البوليساريو مجرد دمية طيعة في أياديهم .
5- لم ير تبون في قرار الرئيس الأمريكي السابق القاضي بالاعتراف بالسيادة المغربية على صحرائه غير محاولة ( لإعطاء أرض وشعب للملك) وهنا بالتحديد يكشف عن مستوى الوعي المتخلف بالعلاقات الدولية، ويؤكد مستوى العجز عن التحليل و الفهم، والافتقاد إلى القدرة على الإقناع. فالقرار الأمريكي قرار سيادي محض صادر عن مؤسسة دستورية عليا في الولاياتالمتحدة، و سلمت نسخة منه للأمم المتحدة، و نشر في الموقع الرسمي للإدارة الأمريكية، وهو ليس عطاء و لامنة، هو اعتراف بوضع قانوني و شرعي.و لا يليق أن يصدر مثل ذلك الكلام على رئيس دولة، ياحسرة !
لن نستفيض أكثر في التعليق عما خرج من فاه تبون من كلام يفتقد إلى أبسط شروط ومواصفات المنطق والسياق والأخلاق، و لكن مهم أن نذكر أن مثل هذه التصرفات هي التي تساهم في ارتفاع منسوب التقاطب و الخلاف وتزيد في حجم الأزمة، وهذا هو الهدف الحقيقي منها لتفويت الفرصة على الشعبين المغربي والجزائري بهدف تكريس التعاون والتكامل، وبالتالي تحقيق النمو والتطور، وتواصل التضييع الممنهج للفرص على شعوب المغرب الكبير .