أشرف جلالة الملك محمد السادس ، يوم الأربعاء ، على تدشين مصلحة طب الإدمان بالمركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد بالدارالبيضاء ، كما وضع جلالته الحجر الأساس لبناء دار الطفل، رصدت لإنجازهما اعتمادات مالية بقيمة 5ر8 مليون درهم بتمويل من مؤسسة محمد الخامس للتضامن. وبعد إزاحة الستار عن اللوحة التذكارية وقطع الشريط الرمزي، قام جلالة الملك بجولة عبر مختلف مرافق مصلحة طب الادمان التي يندرج إحداثها في إطار السعي إلى التكفل الفردي بالمرضى ضحايا الإدمان، وتكوين الأطباء وعلماء النفس والفاعلين الجمعويين في مجال التكفل النفسي والطبي لضحايا الإدمان. كما تروم المصلحة، التي تبلغ طاقتها الاستشفائية 3285 ليلة في السنة و8000 كشفا طبيا في السنة، التحسيس بمخاطر تعاطي المخدرات والوقاية منها وتطوير البحث العلمي في مجال محاربة الإدمان. وتضم المصلحة، التي شيدت على مساحة تبلغ نحو ألف متر مربع، طابقا سفليا يشمل قاعة متعددة الاستعمالات، وثلاث قاعات للفحص والكشف، وثلاث قاعات للعلاج النفسي، وقاعة للتمريض، وإدارة، وقاعة للمساعدة الاجتماعية، وبهو للاستقبال. ويحتوي الطابق الأول على سبع غرف للاستشفاء ومقصف وقاعة للتمارين البدنية، فيما يحوي الطابق الثاني قاعة للألعاب والعلاج المهني، وأخرى للاجتماعات، وخزانة ، وثلاث مكاتب للأطباء، ومقصفا. وقد تم بناء هذا المصلحة من طرف مؤسسة محمد الخامس للتضامن بغلاف مالي بلغ 5ر5 مليون درهم، فيما سيتولى المركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد تزويدها بالموارد البشرية، على أن تتكفل جمعية النسيم بضمان تأمين عمليات مواكبة المرضى والأنشطة التحسيسية. وبالمناسبة ذاتها، قام جلالة الملك محمد السادس بوضع الحجر الأساس لبناء دار الطفل بهدف تمكين الأطفال الذين يتلقون علاجا طويل الأمد بالمركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد من فضاء لتطوير أنشطة الدعم الاجتماعي والتربوي الخاصة بهم. وستتوفر هذه الدار ، التي سيتم تشييدها على مساحة 800 مترا مربعا، منها 400 مترا مربعا مغطاة، على فضاء حميمي للتلاقي، وآخر للتواصل والعرض، وقاعة للعرض التلفزيوني، وورشة للفنون الجميلة، وقاعة متعددة الوسائط، وأخرى للموسيقى وثالثة للألعاب، إلى جانب مطبخ صغير، ومرافق إدارية. وتبلغ الكلفة الإجمالية لإنجاز مشروع بناء دار الطفل ثلاثة ملايين درهم بتمويل تام من مؤسسة محمد الخامس للتضامن، فيما سيعهد بشؤون تدبيرها لجمعية «نجوم» (جمعية آباء الأطفال المرضى). كما ترأس أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، مرفوقا بصاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد وصاحب السمو الأمير مولاي إسماعيل، عشية يوم الأربعاء بالقصر الملكي بالدارالبيضاء، درسا جديدا من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية. وألقى درس يوم الأربعاء بين يدي أمير المؤمنين الأستاذ سعيد بيهي رئيس المجلس العلمي المحلي لعمالة مقاطعات الحي الحسني تناول فيه موضوع «الإيضاح والبيان في أن حب الأوطان من الإيمان»، انطلاقا من قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم «اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد» أخرجه البخاري في الصحيح. واستهل الأستاذ بيهي درسه بمقدمة في فوائد الحديث الشريف باعتباره أصلا في إثباث أن حب الأوطان من الإيمان قبل أن يقسم الدرس إلى قسمين كبيرين يتمثلان في مشروعية الأوطان، وما يقتضيه حب الأوطان من حب المواطنة. وفي القسم الأول من الدرس ، أكد السيد بيهي أن مشروعية حب الأوطان تدل على الإباحة بل الاستحباب والوجوب وذلك من أجل رد الأوطان إلى حالة الصلاح الذي هو الأصل فيها، إذ أن أمن البلاد والسبل وكذا الطمأنينة يستتبعان الرخاء والتعمير والثروة والإقبال على ما ينفع. وشدد السيد بيهي على أنه لا يمكن تصور إنسانية الإنسان دون محبة الأوطان فالدليل الفطري ، الذي هو أوسع من النص ، من أعظم الأدلة ويتمثل في ما يشمل الفطرة الوجدانية التي يشارك فيها الإنسان العجماوات، والفطرة العقلية المتمثلة في البدهيات كاستحالة الجمع بين الضدين واستحالة انفصال اللازم عن ملزومه (دليل التلازم). وأكد أن العيش مع الآخر من أظهر الأمور التي تشهد لمبادهتها الفطرة العقلية لأن الإنسان ضعيف بنفسه قوي بغيره ومدني بطبعه، ومن هنا جاءت العائلة والخؤولة والعمومة والقبيلة وغيرها مشاركة من الإنسان لغيره معتبرا أنه إذا لم تنتظم هذه المشاركة في سياق متحضر آلت إلى الفوضى. كما أن دفع العدو وبذل الأموال والأنفس الغوالي يدل على مشروعية محبة الأوطان والمشاركة، التي عبر عنها العلامة عبد الرحمان بن خلدون ب (عما يستلزم اجتماع الناس بعضهم مع بعض ). وفي القسم الثاني من الدرس ، أشار الأستاذ بيهي إلى التقاء لفظة المواطنة، على غرار المساكنة، بالأوطان في الجذر اللغوي وفي المعنى الذي يحيل على العيش في وطن واحد مما يترتب عن ذلك من حقوق وواجبات. وأوضح أن المواطنة تقوم على أربعة عناصر يتمثل أولها في الانتماء وأساسه حب الوطن وفيه معنى النماء ويغذيه الولاء دون تعصب، ويتمثل ثانيها في الحقوق وأساسها حفظ الكليات الخمس المتمثلة في الدين والنفس والعقل والنسل والمال، وهي «حقوق لا منة فيها على البشر إلا لخالق البشر الذي منحها تفضلا». أما العنصر الثالث، حسب المحاضر، فيتمثل في الواجبات وأساسها التعبد لله تعالى، ويتمثل العنصر الرابع في المشاركة المجتمعية إذ تتعين المشاركة في كل إسهام يخدم الوطن، فيما يتمثل العنصر الخامس في القيم الناظمة للمواطنين والمسهلة لخدمة الأوطان وأساسها الإخلاص والصدق والتعاضد وهي «عنوان الإنسانية الأعظم المميزة عن الحيوان الأعجم». وفي هذا السياق، اعتبر الأستاذ بيهي أن محبة الأسرة فالقرابات البعيدة (القبيلة) فالشعب «دوائر تترتب تراتبا لا يعارض الأعلى منها الأدنى»، مشيرا إلى أن إحسان المواطنة جزء من الدين وأنه في ظل الاستبحار العمراني والتوسع السكاني صارت هناك معادلة بين المواطنة والأممية. وخلص السيد بيهي إلى أن الإسلام دين يضم تحت جناحيه من يدينون به فيما تتسع حضارته لغير من يدينون به ويعيشون في سياقه كما أنه يستوعب عطاءاتهم ومشاركاتهم من قبيل مساهمة النصارى واليهود في حضارة الأندلس .