1 مرحلة تعلم الحروف والكتابة، وتأخذ هذه المرحلة وقتا طويلا /2 مرحلة الحفظ والإملاء والمراجعة، في هذه المرحلة يتدرج الطفل في عملية الاستظهار، وكلما كانت ذاكرته قوية، كان عدد الآيات التي يحفظها كل يوم أكثر إلى أن يبلغ ثمن الربع من كل حزب، فيبدأ بقصار السور تصاعديا حتى يصل الى نهاية سورة البقرة. وفي هذه الفترة يكثر من مراجعة وتكرار ما حفظه واستظهاره في الصباح والمساء. كما تكثر العناية به كلما قطع مرحلة في الحفظ من لدن الوالدين والأهل والأقارب فيمدون له يد المساعدة مثل الهدايا وعبارات التشجيع، وإذا أتم السلكة الأولى يحتفى به وبشيخه في حفل يحضره الحفاظ والشيوخ والشرفاء والعلماء. بعد ذلك تأتي المرحلة الثانية، وهي مرحلة التأكد من الاستيعاب والاستظهار هنا يكتب من حفظه ربعا في اليوم، بعد عرضه على الشيخ، في هذه المرحلة أيضا يكثر سهره مع كلام الله في المراجعة بعد الغروب وقبل صلاة الصبح بحيث كلما كثرت السور المحفوظة إلا وازدادت مراجعته وتعهده لها كي لاتنسى. كما يتأكد شيخه من حفظه من خلال إملائه على من هم دونه من المبتدئين على اختلاف مستوياتهم والأجزاء التي يكتبونها في الألواح، كما يجيب على أسئلتهم في الرسم من ثبت وحذف وللمنافسة دور كبير في استظهار القرآن الكريم بين الأقران شيوخا وتلاميذ حيث كانوا يسابقون الزمن بذاكرتهم: من يستظهر القرآن أولا وينال الإجازة، في حفل يحضره حفاظ القرآن والشرفاء والعلماء فيختبرون الطالب في الحفظ والرسم، ويقام لهذه الغاية حفل رسمي يطلق عليه (عرس القرآن) يتنافس في إقامة وليمته المحسنون إيمانا منهم بعظمة الحدث، وحبا في القرآن الكريم وفي ثوابه وحسناته، كما يقام خلال هذا الحفل تكريم الشيخ الفقيه الذي سهر على تحفيظ كلام الله لهذا الطفل منذ البداية استظهارا ورسما. فيقدم والد الطفل المحتفى به للشيخ كسوة (وثورا أو عجلا) في جو يعبق بالمحبة والإيمان وبشعور متزايد بأنه تحققت له في حياته أغلى أمنية في ولده، حيث أصبح حافظا لكلام الله (ستين حزبا) قيمة لايعادلها شيء في الوجود من ماديات الدنيا من الذهب والفضة والخيل المسومة. ماذا سيفعل هذا الطفل بعد هذا العمر الذي قضاه في حفظ كلام الله وبعد هذه الإجازة وبعد هذا التتويج؟ هناك اتجاهان لا ثالث لهما في اختياراته، إما أن يسلك طريقا يلتمس فيه علما، وهذا الطريق يبدأ بحفظ المتون مثل: متن الشيخ خليل، وابن عاشر، والأجرومية. ووجهته تكون صوب المدارس العلمية الموجودة بدكالة وسنشير إلى بعضها، ثم يتجه إلى ابن يوسف بمراكش أو إلى القرويين. وإما أن يدرس القراءات السبع فيعرف قراءة البدور السبعة ورواتهم وقراءاتهم ووجوه القراءات من خلال «الدرر اللوامع» لابن بري أو «حرز الأماني» للشاطبي رحمه الله وغيرهما. وبعد ذلك يستجيب للحديث النبوي «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» فينخرط في سلك شيوخ الإقراء فيتخذ من بيته أو كتاب في القرية أو الدوار مكانا يعلم فيه أبناء المسلمين القرآن حفظا ورسما وتلقينا مقابل أجر سنوي يتفق عليه دون احتساب النفقة ومتطلبات الحياة. وتكون العناية بالكتاب أو «الجامع» وبالفقيه محل تنافس بين المحسنين كل حسب إيمانه، بل أكثر من ذلك أن السكان يعينون قطعة أرضية يستثمرها الفقيه يحرثها أهل الدوار في يوم واحد، ويجمعون محصولها في يوم واحد كذلك، ويطلق عليها عملية «التويزة» وهذه الظاهرة انقرضت. وهذا الاتجاه كان هو السائد، ومنه انبثقت الزوايا والمدارس العلمية، ومن المدارس العلمية المشهورة في دكالة: «مدرسة الزاوية التونسية بالعونات» لصاحبها السيد محمد بن مبارك التونسي الذي اشتغل هو وأبناؤه بالتدريس، وكان ديدنهم هو التعليم ونسخ الكتب وإطعام الطلبة الوافدين للتعليم وبسبب النسخ للكتب المستعارة صارت لهم خزانة عظيمة يضرب بها المثل في أواسط المغرب جلها بخطوط أيديهم، أقتصر على ذكر بعض المخطوطات الموجودة الآن بالزاوية التونسية وقد نسختها السيدة فاطمة بنت التونسي المذكور: 1/ الجامع الصغير مع المحافظة على رموز الرواة بالمداد الملون، وذلك سنة 1149 ه شرح الجامع الصغير في سفرين المسمى بالتيسير على التفسير لعبد الرؤوف المناوي سنة 1151 ه. ميارة على التحفة كتاب موطأ الإمام وغيره، ويوجد بهذه الزاوية إلى الآن ما يزيد على أربعين مخطوطاً وقد خلفت هذه الزاوية صيتا عظيما، وذكرا عاليا، ولازالت بها دار المولى سليمان العلوي الذي كان يسكنها أبناؤه أثناء دراستهم فيها إلى الآن، وهي عبارة عن أطلال وللإشارة فالمدارس العتيقة الموجودة الآن بإقليم دكالة كثيرة لم يبق منها إلى الآن إلا أربعة؛ تشرف على تسييرها وزارة الأوقاف ولكن هل حفظ القرآن كما أشرت إليه بالأسلوب والمنهج والإيمان القوي كما شاهدته في الخمسينيات والستينيات لازال موجودا؟ وما هو المنهج الذي يجب أن نجدد به الاهتمام بالقرآن استظهارا ورسما، ومكانة في نفوس المغاربة في ضوء تطور وسائل التلقين الحديثة؟ في نظري المتواضع يجب إعادة النظر في مناهج الدراسة والتعليم بالنسبة للقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، وذلك ضمن رؤية شمولية للمقررات الدراسية، وخصوصا في مؤسسة التعليم الأصيل، ويجب الاهتمام بمادة التربية الإسلامية، والرفع من قيمتها في الاختبارات المدرسية، وإعطاؤها معاملا مماثلا للمواد الأساسية كذلك يجب الاهتمام بمكانة القرآن والسنة في نفوس المعلمين والمتعلمين ومكافأة المتفوقين وخصوصا في حفظ القرآن الكريم ورسمه وعلومه. وبإمكانها ذلك عبر قنوات الاتصال ووسائل الإعلام، لأن المغرب محفوظ ومحاط بالقرآن الكريم الذي هو أساس استقراره، وبقائه محافظا على هويته الأصيلة، وتماسكه الحضاري، وخصائصه المتميزة منذ المولى إدريس الأول إلى الآن، وما ذلك على همة المغاربة المخلصين لدينهم ووطنهم بعزيز.