يبدو لي أن الحافلة تسير ببطء. مرّت ساعتان ولم نصل بعد. آلام العادة الشهرية سكاكين تمزق بطني. أشعر بغثيان و رغبة في القيء لكن معدتي تلوك الفراغ. سأصل، سأرتمي في حضن جدتي، ستسعفني بأعشابها ذات المذاق المرّ لكنها فعالة ضدّ الألم. سأنام ملء جفني. أطرق الباب طرقا خفيفا . لا جواب. أطرق بقوة. لا حركة بالداخل. المساء يرخي بظلاله عليّ، على البيت و على الزقاق المهجور. الألم في بطني و معدتي يشتدّ. أسند ظهري إلى الباب الموصد، أقعى على الأرض و أبكي. يمر شريط من الصور أمام عيني. صور غير مترابطة. صور مشروخة كقطع زجاج. وجوه. أشياء. حيوانات. أشلاء. جثث. مقابر. نساء ينتحبن. جنود يجهزون على الحمير بوابل من رشاشاتهم. ملكة جمال العالم قبل و بعد عمليات التجميل. شيخ يحرّم استعمال ورق التواليت. نساء يتم جلدهن في الشارع. الآن أرى جيدا. أميزّ وجها بشارب خفيف. يلبس نظارة طبية و يبتسم. آه! هناك وجهان آخران. الأول على اليمين. الثاني على اليسار. يصرخان في وجه بعضهما. رذاذ البصاق يتطاير من فميهما. يعكسه ضوء الإنارة القوية فيبدو كمطر خفيف. الوجه في الوسط تتسع ابتسامته كلما ازداد تدفق الرذاذ عبر الضوء البنفسجي. وجه مألوف. متى و أين رأيته؟ هل أعرفه معرفة شخصية؟ لماذا بطني تؤلمني بهذا الشكل و لماذا لا أستطيع أن أتذكر أين رأيت الوجه؟ شاشة تلفزة. اسم البرنامج مكتوب بخط عريض. بالمقلوب. من اليسار إلى اليمين. لا أستطيع قراءته. لا أتذكر اسم البرنامج و لا القناة رغم أني أتذكّر أنها أسالت مدادا كثيرا. مداد فقط؟ هل في برنامج تلفزي؟ كل الإتجاهات التي يأخذها دماغي معاكسة لما أريد. يا إلهي! أين ذهبت جدتي و متى ستعود؟ فجأة أقوم واقفة، أدور حول نفسي كخذروف. أضرب على جبهتي بكفي. كم أصدق ما تنبأت لي به معلمتي في الصف الثالث! كم أنا بليدة! لم تكن غفوة و لم أكن أحلم. في محطة الإستراحة حين وقفت الحافلة التي أتيت فيها رأيت جدتي . ألم تكن في الأخرى التي سارت في الاتجاه المعاكس؟