أسدل صبيحة يوم الأحد 6 دجنبر 2015 الستار على فعاليات "المعرض الوطني الثاني للإبداع والكتاب" بالمركز الثقافي ابن خلدون (طنجة)، الذي نظمه "الراصد الوطني للنشر والقراءة" ما بين 1 و6 دجنبر 2015، بدعم من وزارة الثقافة. وقد افتتح المعرض بكلمة الكاتب الوطني رشيد شباري، أشار فيها إلى مميزات هذه الدورة حيث تم فيها الاستغناء عن الناشرين والموزعين وإتاحة الفرصة للمبدعين لعرض أعمالهم مباشرة، إضافة إلى إعلانه عن انطلاق مجلة "الصقيلة" في عددها الأول. ثم تناول الكلمة المندوب الإقليمي العربي المصباحي الذي نوه بمجهودات "الراصد الوطني للنشر والقراءة" المتمثلة في دعم المبدعين والمبدعات والتحفيز على القراءة والسهر على تكوين الأقلام الناشئة وتوجيهها وتأطيرها في اتجاه صقل مواهبهم وتطوير إبداعاتهم، قبل أن يعلن الأستاذ أسامة الصغير (منشط الحفل) عن تتويج الفائزين بجائزة "رونق" الإبداعية، بحضور الأساتذة: المصطفى كليتي، علي الوكيلي، عبد الكريم الفزني (ممثلو لجان القراءة)، الذين نوهوا في كلمة بالمناسبة بمبادرة "الراصد الوطني للنشر والقراءة" الهادفة إلى اكتشاف الطاقات المبدعة، وفي جو ثقافي تسلم الزَجَالَيْن التجاني الدبدوبي (سلا) ولحسن حاجي (أزرو)، تذكار "رونق المغرب" وكتاب "بصمات" الذي يضم النصوص الفائزة بالجائزة، في حين تعذر الحضور على الزجال العربي الشوين (الجديدة) والقصاصين رشيد مليح (الدارالبيضاء)، محمد جميل الهمامي (تونس) وحسن جبير مروح (العراق)، كما شهد حفل الافتتاح تكريم القاص رشيد شباري، اعترافا بمساهمته الفعالة في "الراصد الوطني للنشر والقراءة". واحتفاء بالكتاب والإبداع المغربي، شهد المركز الثقافي ابن خلدون مساء يوم الأربعاء 2 دجنبر 2015، حفل تقديم وتوقيع "حكايات ريف الأندلس" للكاتب أحمد بنميمون، وقد ساهمت الناقدة نادية الأزمي بورقة تقديمية عنونتها ب "حكايات ريف الأندلس سخرية بطعم الحنظل" تحدثت فيها عن حكايات المجموعة التي تثور ضد الظلم وتنتصر للقيم الإنسانية السامية أو تحارب المستعمر وتبث الروح الوطنية أو تحتفي بالموت كوجه آخر للحياة، حيث يستشعر القارئ غريزة البقاء مبثوثة بين ثنايا المجموعة. وشهد الحفل نفسه تقديم كتاب "قطاف: مقاربات نقدية في السرد المغربي" (من منشورات رونق) حيث ساهم القاص رشيد شباري بورقة أشار فيها إلى المعايير التي وضعتها لجنة القراءة من أجل تحديد المقاربات النقدية التي تضمنها هذا الكتاب بالنظر إلى خضوعها للقراءات المنهجية المعتمدة في تحليل النصوص الأدبية، بمختلف اتجاهاتها. وفي مساء يوم الخميس 3 دجنبر 2015، استضاف المركز الثقافي ابن خلدون ثلة من المبدعين لمواكبة حفل تقديم وتوقيع مسرحية "امرأة تتقن إعداد القهوة" للكاتب أحمد السبياع، وفي ورقة تقديمية حولها تحدث الكاتب المسرحي الزبير بن بوشتى عن كتابة الصورة في المسرح، مشيرا إلى أن هذه المسرحية عبارة عن مشهد واحد بدون تقطيع وهو رهان صعب جدا، خاصة وأن الكتابة المسرحية لا يمكنها التخلي عن تقطيع النص إلى مشاهد وفصول وإضاءات، مؤكدا على أن المسرح أخطر سلاح للتواصل مع العامة عندما ينفلت من دفتي الكتاب، لأن المسرح يشاهد ويقرأ في أي مكان. وفي الحفل نفسه تم تقديم مسرحية "الدكتاتور" للكاتب مصطفى لعريش، حيث ساهم الناقد سعيد أصيل بورقة سلط الضوء فيها على دلالة العنوان وفضاءات المسرحية المتداخلة مع بعضها، مساهمة في خلق صراع مستمر بين شخوص المسرحية، مشيرا إلى حضور الحوار (المونولوج) بشكل مكثف ما يعكس صراعا داخليا لبعض الشخصيات. وتجسيدا لشعار المعرض: "الكتاب مسؤوليتنا جميعا"، شهد المركز الثقافي ابن خلدون، مساء يوم الجمعة 5 دجنبر 2015، ندوة: "مؤشرات القراءة بالمغرب وسبل تنميتها"، وقد ساهم الأستاذ إبراهيم الشعبي (المندوب الجهوي لوزارة الاتصال)، بورقة تحدث فيها عن الواقع المقلق والمخيف (الإرهاب) الناتج عن الأمية والتخلف المعرفي والعقائدي، مشير إلى تراجع منسوب القراءة على مستوى الصحف اليومية رغم استمرارية دعم الدولة لها، مؤكدا على أن تنمية القراءة بالمغرب يحتاج إلى إرادة سياسية قوية لتخلق قارئا وناشرا لنصل إلى مجتمع القراءة والمعرفة، مقترحا استعداده لدعم إنجاز دراسة لمعرفة منسوب القراءة على المستوى الجهوي. وفي السياق نفسه، تساءل الأستاذ العربي المصباحي (المندوب الإقليمي لوزارة الثقافة)، عن الوضعية التي تحتلها الثقافة في سياسة الدولة المغربية، والتصور الثقافي والمجالي المغربي لرفع وتنمية القراءة والنشر داخل الوطن؟ مشيرا إلى الواقع الكارثي لمؤشرات القراءة في المغرب، حيث ربط أزمة الكتاب بالأزمة الثقافية، مقترحا وضع مقاربة تشاركية لكافة الأطراف المعنية. وتحدث الأستاذ رشيد شباري (الكاتب الوطني لرونق المغرب) عن صعوبة تحديد مؤشرات القراءة ما دامت تغيب عنا منهجية رصينة تستطيع تحديد نسبة القراءة بشكل أقرب إلى الواقع، ما يجعلنا نعتمد فقط على بعض المؤشرات التي يمكن بواسطتها معالجة هذه الإشكالية، التي يمكن اختزالها في المحاور التالية: 1 نسبة مبيعات الكتب، 2 الاستمارات، 3 أنماط السلوك الاجتماعي، ليخلص في الأخير إلى أن رهان الرفع من مستوى القراءة يستدعي تدخل كل الأطراف ذات الصلة كالتعليم والأسرة والثقافة والإعلام والمجتمع المدني. واستمرت فعاليات المعرض مساء يوم السبت 5 دجنبر 2015، بندوة: "فضاءات الإبداع: المقهى نموذجا من خلال كتاب: "مبدعون في ضيافة المقهى" للكاتبة فاطمة الزهراء المرابط"، ساهم فيها القاص عبد السلام الجباري، بقراءة في أسئلة الحوار الذي أجري معه حول علاقته بالمقهى وحضورها في نصوصه الإبداعية، مشيرا إلى العلاقة الحميمية بين المبدع والمقهى في غياب مؤسسات وفضاءات جادة، حيث تظل المقهى هي الفضاء البديل للكاتب والمثقف المغربي، مستحضرا بعض المبدعين الذين ارتبطت أسماؤهم بهذا الفضاء ومدى حضوره في منتوجهم الأدبي. وقد تحدث القاص حسن اليملاحي عن أهمية الكتاب باعتباره رصيد معرفي يقرب القارئ من مواقف الكاتب وطقوسه الإبداعية وعلاقته بالمقهى، مشيرا إلى أن عنوان الكتاب يعبر عن وعي الكاتبة بالعلاقة الحميمية التي تجمع المبدع بالمقهى، الوعي الذي دفعها لإخراج هذا الكتاب الذي يشمل تجارب متنوعة، تشكل قيمة معرفية في صيغة سؤال/جواب وهي عملية تواصلية للوصول إلى الحقيقة من خلال الفئة المختارة. وقدم الشاعر أحمد فرج الروماني عدة أفكار وتصورات حول سؤال الكتابة بالمقهى، مؤكدا على أنه شاعر يمارس غواية الكتابة أينما كان وأن الشعر لا يحتاج إلى فضاء محدد لممارسته فكل الفضاءات متشابهة بالنسبة له، مستشهدا بسارتر وسيمون وهما يمارسان الكتابة بالمقهى والبيت، واختتم ورقته بالحديث عن علاقته الحميمية بالمقهى. وحول تجربة كتاب: "مبدعون في المقهى" تحدثت الكاتبة فاطمة الزهراء المرابط عن خلفية إجراء هذه الحوارات التي تهدف إلى دراسة فضاء المقهى اجتماعيا وثقافيا، والكشف عن أسباب تراجع دوره خاصة وأنه اضطلع بأدوار ريادية خلال نهاية القرن العشرين، مساهما في تطور الحراك الثقافي والسياسي والفكري والفني، وذلك من خلال محاورة ثلة من المبدعين للكشف عن عوالم الكاتب الخاصة وعلاقته بفضاء المقهى. وفي صبيحة يوم الأحد 6 دجنبر 2015، نظم "الراصد الوطني للنشر والقراءة" حفل تقديم وتوقيع مذكرات "سنوات الرمل" للكاتب حماد البدوي، حيث تناولها الباحث عبد القادر محمدي في ورقته انطلاقا من محكي الواقع مرورا بمحكي الخطاب حيث سردت عبره أحداث هذه المذكرات المثيرة والشائقة، منذ لحظة هروب المناضل حماد البدوي طالب البيولوجيا والمناضل في صفوف الحركة الطلابية المغربية وصولا إلى مخيمات لحمادة مرورا بالجزائر، حيث عرفت هذه الرحلة الاضطرارية مشاهد وأحداث وأشخاص قدمها الكاتب في شكل بطاقة أنثروبولوجية حافلة بوصف ذي بناء معرفي وجمالي، وخلصت القراءة إلى مجموعة من الاستنتاجات تتعالق مع السياسي والأدبي. وحول الكتاب نفسه، اعتبر الباحث عبد الإله استيتو مذكرات "سنوات الرمل" جنس أدبي ينتمي السيرة الذاتية من خلال ما يرصده لنا على طول خمسة وثلاثين مذكرة تاريخ وتجربة لشاب طالب تعرض للنفي القصري، مذكرات تمت صياغتها بأسلوب أدبي رائع خصائصه الوصف الدقيق للأماكن والشخصيات التي كان يصادفها لحظة الهروب، التي امتزج فيها الواقعي بالعجائبي، مستخدما أسلوب التناص المباشر وغير المباشر في عملية واعية بالكتابة تقوم بامتصاص وتحويل نصوص متداخلة، ليخلص في الأخير إلى أن المذكرات إضافة نوعية لأرشيف الذاكرة الجماعية بشكل مكتوب ومدون ينضاف إلى خزانة التجربة التي ظلت لسنوات طويلة شفاهية تتداولها الأجيال. واختتمت فعاليات "المعرض الوطني الثاني للإبداع والكتاب" الذي تميز بعرض عدة إصدارات أدبية وفكرية واجتماعية وحقوقية واقتصادية، بكلمة الكاتب الوطني رشيد شباري أعلن فيها عن المشاريع المقبلة للراصد الوطني للنشر والقراءة لموسم 2016، مؤكدا على الاستمرارية في تنفيذ برامجه رغم الصعوبات والاكراهات التي تحد من فعالياته.