حظيت شخصية المرأة في الأدب دائمًا باهتمام خاص فقد تم تصوير النساء على صفحات الأعمال الادبية سواء كأفراد مستقلين، يحتلون مكانة خاصة في المجتمع، ويؤثرون على مجرى الأحداث، او كشخصيات ثانوية، تساعد في الكشف عن سمات شخصية البطل الرئيسية، وجوانبها الإيجابية أو السلبية. وعلى مر العصورشهد الادب الروسي التغني بجمال وسحر المرأة من قبل الشعراء الروس العظماء امثال ، الكسندر بوشكين , فيت ,توجيف ,اخماتوفا ,تسفيتايفا وغيرهم الكثير , كما تم إظهارخصائص الصورة الأنثوية وعمقها في النصوص النثرية ل بوشكين ,ليرمونتوف، دوستويفسكي , تولستوي, كما تم تصوير سيكولوجية الصورة الأنثوية وعمقها في مسرحيات استروفسكي ,غريبايدوف. شهدت الصورة الأنثوية تغييرات بسبب الوقت نفسه في الاعمال الادبية خلال عصور مختلفة , فقد شكلت فترة نهاية القرن العشرين و بداية القرن الحادي والعشرين حقبة انتقالية ونقطة تحول في وعي المجتمع والكتاب الروس، حيث كان هناك إعادة تفكيربمكانة روسيا في العالم الحديث، ومكانة الإنسان في المجتمع، وخصائص العقلية الروسية، وتأثير التقدم على الفرد. في مقالنا هذا نهدف تسليط الضوء على نتاجات وابداعات الكاتبة الروسية الكبيرة – ليودميلا أوليتسكايا,والتي شكلت نقطة تحول مهمة ,ففي اعمالها تصور الحداثة والحياة الإنسانية العادية في ظروف معيشية حقيقية بالنسبة لنا جميعًا. نُشرت قصص الكاتبة اوليتسكايا في بداية الثمانينيات في باريس ثم نُشرت في داخل روسيا , ففي نهاية الثمانينات نشرت مجلة "اغنيوك" أعمالاً شكلت فيما بعد مجموعة "الأقارب الفقراء" 1999 . ومع ذلك، فإن الشعبية الحقيقية ل لودميلا اوليتسكايا نالتها بعد قصة «سونشكا» (1992) ورواية )ميديا وأولادها( 1996 التي رشحت ضمن قائمة الاعمال المرشحة لجائزة البوكروفي في عام 1996، حصلت قصة "سونيشكا" على جائزة ميديشي الفرنسية لأفضل ترجمة لكتاب. كانت ليودميلا أوليتسكايا، الكاتبة الروسية، تحضى بتقديرعالي في عدة دول عن أعمالها,ففي عام 1997، فازت بجائزة "موسكو – بيني" الدولية، وفي عام 1999، حصلت على جائزة جوزيبي أتسبري الإيطالية, روايتها "كازوس كوكوتسكي" حصلت على جائزة سميرنوف-بوكر في عام 2001، وأخرج يوري غريموف مسلسلًا تلفزيونيًا مكونًا من اثنتا عشرة حلقة استنادًا إلى تلك الرواية,و في عام 2006، اعتبرت أعمال أوليتسكايا أفضل الكتب الأجنبية في الصين. بدأ الاهتمام الكبير بأعمال ليودميلا أوليتسكايا في التسعينيات، حيث قام عدد من النقاد الأدبيين، مثل ن. ييغوروفا، س. تيمينا، ت. روفينسكايا، ت. بروخوروفا، م. كارابيتيان، وغيرهم، بدراسة جوانب مختلفة من أعمالها، بدءًا من تحليل شخصياتها وحتى تفسير عناوين أعمالها. ومع ذلك، على الرغم من وجود دراسات واسعة حول أعمالها، يظل تحليل صورة المرأة في أعمال أوليتسكايا مهملًا، على الرغم من أن أعمالها تعكس خصوصيات شخصيات نسائية في الأدب الكلاسيكي وواقع الحياة في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين، والتي تتجلى في صور متعددة ومتناقضة للكاتبة. تمت ترجمة كتب أوليتسكايا إلى أكثر من 25 لغة، ووصف النقاد الأدبيين أعمالها بأنها "سرد للتفاصيل الدقيقة للطبيعة البشرية وتفاصيل الحياة اليومية بدقة فائقة".[1. ص3[ تميزت الشخصيات التي صاغتها ليودميلا أوليتسكايا بالتصوير غير النمطي ، وفي الوقت نفسه، تظهر العديد منها الصلة النصية بالعصور القديمة والكلاسيكية,فعلى سبيل المثال، تعكس شخصية (ميديا ) للكاتبة ليودميلا أوليتسيكايا بعض جوانب شخصيات ميديا القديمة كجيسيود، وبيندار، وأفريبيدس، وأبولونيوس رودوس، وغيرهم الكثير. فهي تحافظ على بعض سمات العصور القديمة في شخصيتها، وفي الوقت نفسه، تُجدِّد صورتها. أما شخصية "سونيتشكا" التي صاغتها، فتُعيدنا إلى شخصيات مماثلة من أعمال ف. م. دوستويفسكي، ول. ن. تولستوي وكتّاب آخرين من كتّاب الأدب الروسي الكلاسيكي,حيث يربط النقاد الأدبيون ليودميلا أوليتسكايا بالطبيعية الجديدة إلى جانب كتاب آخرين مثل ل. بتروشيفسكايا وم. بالي وإ. بوليانسكايا. تصوِّر الكاتبة الجانب المظلم للحياة (مثل الإدمان على الكحول، وحياة الشوارع، والإجهاض وغيرها) وترتبط بالأساطير,و يكشف أسلوبها الكتابي "السرد النسائي الجديد" عن جوانب مظلمة داخل الحياة اليومية: في العلاقات العاطفية، وفي الحياة الأسرية,حيث تقترب روايتها "كازوس كوكوتسكي" بشكل جزئي من الطبيعية، حيث "تُدخل ليودميلا أوليتسكايا الكثير من الوصف الطبيعي الجريء – كالعمليات الجراحية الباطنية، والنتائج الناجمة عن الإجهاضات الجنائية، والتفاصيل التشريحية، والرؤية المروعة للرحم المستأصل4]. .ص345[ أعمال ليودميلا أوليتسكايا تتجه نحو سرد الحياة، حيث توضح أن العواطف مثل الحب والشغف والولادة لا يمكن فصلها عن الألم والمعاناة, الحياة هي عالم يثير اهتمام العلماء والفلاسفة، ويظهر الطفل كمخلوق حي يخرج من الفراغ الأسود – كما توضح الكاتبة بشكل شاعري وفي الوقت نفسه مثير للاشمئزاز ظهور مخلوق حي في هذا العالم. تشير الباحثة الأمريكية هيلينا غوشيلا إلى أن "السرد النسائي الجديد" يكسر الصور التقليدية في الثقافة الروسية حول الحياء والوفاء والتضحية النسائية، مُبرزة الجوانب الجسدية لحياة المرأة. 4] ص346[ . تضع العديد من شخصيات ليودميلا أوليتسكايا تلبية الاحتياجات الفيزيولوجية في المقدمة، وليس الاحتياجات الروحية,و هذا ما يتجلى في شخصيات مثل تانيا، ابنة سونيتشكا، وتونيا، ابنة الأم المتبناة إيلينا. يجب الإشارة إلى أن الشخصيات الرئيسية في أعمال أوليتسكايا: سونيتشكا، إيلينا، ميديا – تتمتع بحياة روحية، وهي أعلى من الآخرين, بعد عدم إيجاد نفسها في هذه الحياة، تفقد إيلينا عقلها، وميديا لم تعد تتزوج بعد وفاة زوجها، وسونيتشكا، بعد خيانة زوجها، تتجه "إلى عالم الكتب". وجدت ليودميلا أوليتسكايا مكانها في الأدب الروسي المعاصر، وخلقت مجموعة كاملة من شخصيات النساء في زمننا. تطورت صورة المرأة في الأدب بشكل كبير: زاد التعقيد النفسي، وأصبح العالم الداخلي أكثر تعددًا… عند النظر إلى خصائص شخصيات النساء في أعمال ل. أ. أوليتسكايا، باستخدام شخصية سونيتشكا في القصة التي تحمل نفس الاسم، وجدنا تأثير شخصيات النساء في الأدب الكلاسيكي مثل ل. ن. تولستوي وف. م. دوستويفسكي وغيرهم. سونيتشكا – شخصية استثنائية، تختلف بشكل كبير عن صور النساء في الأدب الكلاسيكي: "كانت أنفها بالفعل كبيروواسع وبنفس الوقت، سونيتشكا، الطويلة والعريضة الكتفين، ذات القدمين الجافة والأرداف الرقيقة المتراجعة، لديها فقط صفة واحدة – ثدي كبير، نما مبكرًا وكان وكأنه غير ملتصق بجسدها النحيف. كانت سونيتشكا تجمع كتفيها وتقلص، ترتدي معاطف واسعة، تشعر بالإحراج من ثروتها البائسة من الأمام والشقاء الكئيب من الخلف" – إنها بعيدة كل البعد عن مثال الجمال الأنثوي. نحن عادة ما نتوقع أن نرى بطلة رئيسية جذابة، ذكية، تعرف ما تريد من الحياة، تمتلك حدسًا أنثويًا قويًا, أما سونيتشكا، فهي ليست كذلك فهي منذ الطفولة غارقة في عالمها الخاص، عالم الكتب وشخصياتها الخيالية, هذا النمط غالبًا ما يشار إليه بأنه "جوارب زرقاء"، من الخارج، هي فأرة رمادية غير مميزة, هذه الشخصية لها ملامح من سيرتها الذاتية, فالكاتبة نفسها كانت منذ طفولتها مغمورة بالكتب، تكتشف الكتّاب بنفسها، تقرأ أعمالهم وتحفظ أجزاءها الأكثر إثارة. كانت تستشهد بقصص و. هنري، وكانت تعشق أعمال ب. باثسترناك. تعود بداية القصة إلى عقد الثلاثينات من القرن الماضي. القصة عادية في الوقت الحاضر. سونيتشكا تعيش منذ الطفولة في عالم الكتب، ولكن مع تقدمها في العمر، تواجه الواقع القاسي . عائلة سونيتشكا أصبحت الأمر الأول بالنسبة لها، محجوبًا اهتمامها السابق بالكتب. حياتها تغيرت: أصبحت الأحداث العادية مثل اصطياد الفأر أو فنجان الشاي أهم بكثير من المشاعر الرومانسية، والأحداث الأدبية البعيدة وحتى الأحداث الأدبية البارزة. الراحة الأسرية، ورعاية الأحباء، والأطفال – هذا ما أصبح أكثر قيمة بالنسبة لها. تواصلت في ذلك تقاليد النساء اللواتي رأين الأسرة الأهم على الإطلاق. كانت دائمًا تحلم بأن تكون لديها عائلة كبيرة، لكن ابنتها وزوجها خذلوها، كل منهم يعيش حياته. ومع ذلك، حتى من خلال ألم الخيانة، تفرح بسعادة زوجها مع الفتاة الشابة، رؤيةً لكيفية إلهامها له وإضافة فرحًا جديدًا إلى حياته. بعد وفاة زوجها، تحاول سونيتشكا دعم ياسيو، من خلال تنظيم جنازته ومعرض للوحاته. صونيا مارميلادوفا في رواية "الجريمة والعقاب" ل ف. م. دوستويفسكي تجسد الصبر والغفران المسيحيين, إنها طيبة ولطيفة وتغفر دائمًا, تحمل عبء الخطايا لتنقذ أسرتها وتعيلها, إنها حافظة لأفكار الإنجيل وهي مضحية، تعيش من أجل الآخرين، لا تدين المحيطين بها، وتقبل العالم كما هو. صونيا تتبع روديون أينما ذهب، تُضيء حياته بالنور وتساعده في العثور على الله في نفسه, لديها معنى للحياة:وهو الحب. بطلة رواية "الحرب واالسلام" ل ل. تولستوي، صونيا، ابنة أخ الكونت السابق روستوف، نشأت في عائلة عمها, فتاة متحفظة وصامتة وعاقلة وحذرة، وتعيش أيضًا من أجل الآخرين. صونيا جميلة روحيًا وأخلاقيًا نقية, الكاتبة تتعامل بمحبة مع بطلتها، وربما تم اختيار هذا الاسم للبطلة ليس من قبيل الصدفة. منذ بداية الرواية، نتعرف على فتاة صغيرة تُدعى صونيا، ويبقى الاسم بلا تغيير طوال القصة، دون أن يعقَّد باللقب أو الأب، على عكس زوج صونيا، روبرت فيكتوروفيتش. يُظهر ذلك عدم نضج شخصية البطلة وبساطتها, و تبقى صونيا طيبة ولطيفة كما هي، ولا تغضب عندما يتركها زوجها. نرى أن ل. أوليتسكا اختارت الاسم بدقة لبطلتها، حيث يعكس عالمها الداخلي، ونلاحظ أيضًا أن طبيعة البطلة الرئيسية تظهر بشكل أكثراكتمالًا بفضل الصلات النصية مع أعمال الكتاب الكلاسيكيين.. سمة أخرى مميزة لصونيا هي التسامح الشامل. تتجلى في الحق في حب البشرية وفي قدرتها على عدم الكراهية تجاه الشعوب الأخرى بسبب خصوصياتهم الوطنية. عند دراسة شخصية "سونيا"، نرى كيف تصوّرت لودميلا أوليتسكايا صورة المرأة المعاصرة أمام القارئ – امتلكت عالماً داخلياً غنياً، ومع ذلك غالباً كانت عمياء في الحب؛ تظهر توجهها القوي نحو المنزل والأسرة في كل شيء, فهي تتجه في كل شيء إلى الطرف المتطرف، سواء في القراءة أو حياتها الأسرية. "ميديا مينديز"، التي كانت في السابق "سينوبلي"، هي آخر "إغريقية أصيلة في العائلة، "ميديا" ليس لديها أطفال، وقد قضت حياتها في الاعتناء بأطفال الآخرين. تحمل "ميديا" هذا الاسم منذ الولادة، ويمكن رؤية سمات الإلهة اليونانية في شخصيتها، حيث تمتلك قدرة غريبة وفكرها يُعتبر ميثولوجيًا. في الرواية، توجد العديد من الرموز، بدءًا من اسم البطلة,الصورة الأولى التي تأتي إلى الذهن عند قراءة الرواية هي ميديا، التي كانت حبيبة البحّار ياسون الذي ساعدها في سرقة "مجد الذهب" والهرب. بعد أن تركها ياسون، كانت على ميديا أن تنتقم منه بقسوة، فقتلت منافسته. ولكن ميديا في رواية أوليتسكايا هي شخصية مختلفة تمامًا,بعد وفاة زوجها، لم ترد ان تتزوج مرة أخرى بل احتقضت بذكراه: "خلال العشر سنوات الأولى، كانت ترتدي الأسود فقط ، ثم انتقلت إلى نقاط بيضاء أو بقع صغيرة من نفس الأسود" [13، ص 5]. لماذا تم اختيار اسم الرواية "ميديا وأطفالها" على الرغم من أن ميديا لم تكن لديها أطفال؟ في الواقع، لم تكن لديها أطفال خاصة بها، لكنها أصبحت أمًا للعديد من الأقارب الذين ربتهم منذ الصغر. "حوالي ثلاثين ابناً غير قدرت على البقاء في المنزل " [3، ص 6]، لذلك دائمًا كانت هناك الضيافة في منزل "ميديا". كانت المركز الأساسي للعائلة التي يتجه إليها العديد من الأشقاء والأخوات وأطفالهم وأحفادهم. منزلها هو رمز للسعادة الأسرية، حيث يجد الجميع الراحة. يمكن مقارنتها بسفينة نوح الصغيرة الت كانت ميديا تتميز بقدرتها على ملاحظة أدق التغييرات في الحياة اليومية والعالم من حولها، وتشتهر بقدرتها السحرية والأشخاص من حولها يشتبهون في قدراتها السحرية, بالنسبة لسكان القرم، كانت (ميديا مندس) جزءًا من المشهد المحلي، حيث كانت تذهب إلى العمل وتقوم بالأعمال اليومية، ولم يمكن لأحد أن يتصور القرم بدون ميديا، وكذلك عائلتها لم تتخيل جذورها بدونها. وفي مقال ل س. ي. فوروبيفا حول الشخصية الرئيسية ميديا في رواية ل. أوليتسكا "ميديا وأطفالها"، تقول أن "صورة الشخصية الرئيسية ميديا سينوبلي تسبق الحدث السردي، وتدخل فيه تدريجيا"، حيث تتكون صورة ميديا من سمات العالم المحيط بها: الألوان، الرموز البصرية، الإحداثيات الفضائية والزمانية، وشكل الأشياء المادية، والأصوات والروائح, حيث يتخيل القارئ صورة ميديا فقط عند مقارنتها بالبيئة المحيطة بها وسلوكها. على عكس أساطيرها الأسطورية، ترتبط ميديا بعمق بالأرض. تتذكر أين يمكن العثور على النباتات الطبية، وتكون جامعة للأعشاب والفطر والنباتات. هذا يظهر فرادة شخصيتها ولكن عادية حياتها اليومية والعملية. ميديا، إلى حد ما، فخورة وطموحة، ولديها القدرة على قيادة الناس, كانت تعد رأس العائلة وتزوجت صديقتها إلينا من فودور، وجميع أفراد العائلة يتوجهون إليها للحصول على النصائح والمساعدة, في الرواية، يتحدث الأبطال عن شجاعة ميديا، والكاتب يلاحظ أبعادها الرجولية في حجم حذائها ويديها الكبيرة وطولها. هي "أم"، لكنها أم لعائلتها الكبيرة بعد وفاة والدتها حيث اضطرت لرعاية أخوتها وأخواتها. عندما يكبرون ويتناثرون، تشتاق لهم. تزوجت ميديا فقط بسبب الشعور الأمومي والرغبة في حماية خطيبها المستقبلي. يتم تشبيهه منزل ميديا بالمعبد حيث يأتي الأقارب للتبجيل، وكل واحد منهم يعتبر من الضروري أن يحضر هدايا معه، لذا يظل تدفق الأقارب الى منزل ميديا مستمرًا,( تعجبت ميديا من كون منزلها الذي يتعرض لأشعة الشمس والرياح البحرية جذب هذا التنوع العرقي من الأشخاص – من ليتوانيا وجورجيا وسيبيريا وآسيا الوسطى )[3، ص 48]. خلال الشتاء البارد، يصبح منزلها مليئًا بالناس، ويبدأ هذا المنزل في أن يشبه منزل طفولتها الذي كان يضج دائمًا بالأطفال. ومن الجدير بالذكر أن منزل ميديا لن يبقى خاليًا بعد وفاتها؛ حيث سيواصل الابن المفضل جورج مع زوجته نورا مهمة عمته. عائلة ميديا كبيرة ، والأقارب يربطون مصيرهم بأشخاص من جنسيات مختلفة,كانت ميديا متزوجة من يهودي، وكانت شقيقتها أنيلا متزوجة من جورجي، وتزوج إخوتها من سيدات أرمنيات وفرنسيات ولاتفيات… يتركون مواطنهم بسهولة. هذه التقليد استمر في الأجيال التالية: على سبيل المثال، تزوجت ابنة فيودور وإيلينا – ناتاشا – رجلًا كوريًا، وسيكون الإيطالي زوجًا ثالثًا ل نيكي وستنتقل للعيش في رافينا, أفراد العائلة لا يخافون مغادرة موطنهم، ولكن مع مغادرتهم، لا ينقطع ارتباطهم بالعائلة,يعلمون أنهم يمكنهم دائمًا العودة إلى البيت، الذي يبرز فوق كل شيء في العالم المحيط. لا يفقدون هويتهم الفردية على الرغم من دخولهم في ثقافة أخرى . في منزل ميديا، هناك قواعد خاصة بهم ونظامهم الخاص. المنزل مفتوح للجميع، لكن الجميع يجب أن يخضع للقوانين العامة. هذه التقاليد البطريركية تحافظ على جو منزلي كمعبد عائلي. الدولة ليس لها دور رئيسي في ذلك,عائلة سينوبلي تعيش وفقًا لقوانينها الداخلية، مفضلة الابتعاد عن الشؤون الحكومية. ميديا من قلب ل. أوليتسكا هي انطوائية، صامتة، لا أحد يعرف ما يدور في نفسها,لا تبدأ في المحادثات أبدًا، بل تراقب بعناية من حولها وتستخلص النتائج، وإذا سألها أحدهم عن النصيحة، فسوف تقدمها. هناك شخص واحد فقط يمكنها الحديث إليه ويمكنها مشاركة كل شيء معه، صديقتها إيلينا'بعد أن علمت ميديا بخيانة زوجها (بعد وفاته تمامًا)، قررت أن تخبر كل شيء لصديقتها، حتى دعتها إلى زيارتها,لكن تدريجياً، تتلاشى رغبتها فيمشاركة اسرارها ، حيث ترى أن الخيانة تسود ليس فقط في عائلتها صورة ميديا تعبر عن موضوع العائلة في الرواية وتعكس فكرة الكاتبة "العائلة – هي الأساس، لكن البداية العائلية كانت دائمًا تُطحن، وكانت الفكرة المفروضة هي أن العام يتفوق على الشخصي. وروايتي "ميديا" – وهي كتاب مكرس للجيل الأكبر – هي بمثابة صرخة بمعنى ما حول العائلة"، تقول ل. أوليتسكا [3، ص 4]. ونرى أن العائلة تحتل المكانة الأولى في الرواية، مع قيمها وتقاليدها وعلاقاتها. وميديا هي حافظة لهذا المحور الأسري، رمز عصرنا. صورة ميديا معقدة ومتعددة الأوجه, فقد أظهرت ل. أوليتسكا في الرواية طبيعتها الشاملة المعقدة, وكانت تؤدي دورًا يعتاد أن يُخصص له في ثقافة المرأة – هي تجسيد التقاليد العائلية. إنها تجسد القيم الأخلاقية العالية وتساعد في الحفاظ على القيم الأخلاقية والثقافية للمجتمع. بشكل عام، على صفحات رواية ل. أوليتسكا جسدت صورة جامدة تجمع بين صفات نساء من مختلف العصور, لذا يمكننا القول بثقة أن صورة ميديا هي صورة خارجة عن الزمن، إنها صورة جامعة، تعكس الطابع النسائي والأمومي. استنادًا إلى الدراسة التي أجريناها، نصل إلى استنتاج أن ل. أوليتسكا، في إنشاء نظام الشخصيات الخاص بها، تعتمد على تقاليد الأدب السابق: الأدب القديم، والكلاسيكية، والواقعية، والطبيعية، وما بعد الحداثة. الصور النسائية في النثر ل. أوليتسكا ذات محتوى، فهي تمتلك هياكل نفسية معقدة، وبعض الصور النسائية في الروايات والقصص جزئيًا تمثلها بصفة شبه سيرة ذاتية، لكنها تحمل طابع جامع, يهيمن في أعمال لودميلا يفغينيفنا موضوع العائلة، وموضوع المنزل و تخضع كتابتها لشخصياتها (الرئيسية والثانوية) لاختبار الحب. بالنسبة لبعض الأبطال، يكون الحب ذو طابع متأمل، يخلق السعادة والسكينة, والبطلات يخلقن مأوى عائليًا ويدعمنه, اما بالنسبة للآخرين، يكون الحب في الغالب طبيعيًا، ويُنظر إليه على أنه عملية فسيولوجية. بصفة عامة، نرى أن ل. أوليتسكا قد خلقت على صفحات أعمالها نظامًا كاملاً من الشخصيات النسائية. يعيشن، يناضلن من أجل السعادة الشخصية، ويخلقن الأسرة. بشكل عام، يمكننا النظر إلى إبداع لودميلا يفغينيفنا كبحث عن السعادة النسائية، والكفاح من أجلها وعند قراءة أعمالها، ندرك أن السعادة لا يمكن العثور عليها، أنها موجودة هنا والآن، أنها لا تدوم طويلاً، لذا يجب أن نقدر كل لحظة نقضيها مع الأحباء، وأن نستمتع بكل لحظة في الحياة. النهايات المأساوية لأعمالها تظهر لنا أنه يجب أن نسعى ليس للسعادة، وليس لحلم وهمي، بل لنفهم أن هذه اللحظة لن تتكرر، وأنه يجب علينا الاستمتاع بكل دقيقة في الحياة التي عشناها.
عزام احمد.جمعة استاذ اللغه والادب الروسي/جامعة بغداد المراجع: 1.ايغوروفا .أ.م. نثر لودميلا اوليتسكايا للفترة من 1980-2000 (الاشكاليات والشعرية).فولغراد 2007-180 صفحة. 2.إرموشينا، ج. ل .أوليتسكايا رحلة إلى الجانب السابع من العالم / . — 2000. – رقم 12. – ص 201-203. 3. لودميلا اوليتسكايا –ميديا وابنائها .موسكو,2001-320 صفحة 4.ليدرمان .ن.ل. الادب الروسي المعاصر:1905-90 .موسكو ,2003-الجزء2-350 صفحة.