"الكوميديا الجارحة " اعتقد أنها ابلغ من عبارة "الكوميديا السوداء" ، ذلك ما سعى إليه المخرج التونسي وليد الطايع في معالجته الدرامية لأول عمل روائي سينمائي مطول له ، والذي عرض عبر شاشة التواصل الاجتماعي للمهرجان المغاربي بوجدة دورة 2020 . ف"الكوميديا الجارحة " هي أربع حالات ..أربع أماكن ..أربع شخصيات( رئيسة/محورية ) تنبني عليها صور وقائع ماسي الإنسان "العالم الثالثي" والتونسي النموذج الفيلمي . الأحداث تجري يوم 22 مايو 2004 تاريخ انعقاد واحدة من " القمم العربية " بتونس في وقت يزحف المجتمع بأرجل معطوبة ، فحمادي الكهربائي(جمال مداني) المكلف بإصلاح عطب الإنارة بعمارة يجد نفس أمام تشابك لخيوط الكهرباء يصعب إصلاحها بل تصلح لإزالتها وإزالة العمارة ككل لأنها لا تصلح لشئ . الشخصية الثانية أو الفضاء الثاني هو عمار(عيسى الحراث) شخص بمعنويات منهارة يلتجئ للمستشفى لمعاناته بمرض القلب ، يجد كل الأبواب مملوءة بطالبي خدمة مصالح الصحة ببنيات لا تتحمل طلبات مواطنيها حتى الحالات المستعجلة لا مكان لها في مستشفى مجرد بناية بلا خدمات . الفضاء الثالث الذي اقترحه هو مجموعة متناقضة منشطتها "صالحة " فهي سيدة ترفع إيقاع دار المأتم لتجعل الكل يتباكى على الميت وهي تعدد خصال الميت وبعد التأكد أن الإيقاع قد ارتفع تذهب إلى حفل لتزرع الفرح والبسمة بين الشخصيات ، إنها (ريم الحمروني) تلعب دورا مركبا تماهة –المشخصة- في دورها هي النموذج للشخصية المكافحة التي تنتزع الدرهم بعنف فهي تبيع كل شئ المواعيد في مؤسسات الدولة وتبيع الخمور وتبيع الحشيش منشطة الأفراح والمأتم إنها "صالحة" لمجتمع مهزوز ، مجتمع جريح ،مجتمع فاسد عموديا وأفقيا كل شئ فاسد ..منهار..الحالة الاخرى التي اقترحها المخرج لتشريح بؤرة المجتمعات "الثقافة" حيث يقام ورش بناء ببوابة مسرح نادية ، فصاحبة المسرح (نادية سايج) كل احتجاجاتها واعتراضاتها أمام المسؤولين لإيقاف الورش مصيرها الأبواب الصماء . إذن حسب أحداث الشريط نحن أمام وضع غير صحي وضع معطوب ..هذا الوضع أحداثه تجري في تقابل مع خلفيتين تاريخي : الأولى من انجازات ثاني رئيس في تاريخ تونس الذي أطاحت به " ثورة الياسمين " ففي كل وضع( تستحيل) فيه تسوية مشكل مواطن تكون الصورة بحجم داخل إطار المشهد الفيلمية وهذه "الملحاحية لابراز الصورة " إشارة تأكيدية على أن كل "الكوارث المجتمعية " هي من إبداعات صاحب الصورة ، ولكن هل انتهت ماسي المواطن المتحدث عنه في الشريط مع ربيع الياسمين ؟؟ الخلفية الثانية وهي " القمة العربية " التي انعقدت في تونس ، القمة التي لا فائدة من عقدها في نظر الشعوب العربية ، كما شخصيات الشريط لا يهمها الحدث بأي شئ باعتباره حدث لن يغير من وضعها أي شيء ، فلماذا تنعقد القمم العربية في ظل وضع منهار ..سقيم ..ذلك هو السؤال "المستنكر" من طرف مخرج الشريط؟؟ لينهي المخرج شريطه باعتقال شخصياته بعدما وجدوا انفسهم"مناضلين رغم عنهم " ، مناضلين يصارعون ضد التفاوتات الطبقية ، مناضلين لتخليص الشعب من مؤسسات حكم فاسد ، مناضلين من فصائل مكونات مجتمع ناشئ . مجتمع لم يتخلص من خصاص البسيط وهو الضروري للمواطن . مجتمع تكبله التعقيدات الإدارية المبالغ فيها لكبح جماح مكونات المجتمع دون تمكينه من الضوء ليحارب الخوف من المجهول ، دون تمكينه من المسرح وخلافه لمحاربة الجهل والجهلاء الذين يعرقلون حركية التفكير المعقلن . مجتمع يعاني من أجهزة متعبة كأطبائها ، وكافة أجهزتها الإدارية . انه كوميديا تتهكم من وعلى الواقع العربي المتردي . الشريط ، الذي عرض في الدورة التاسعة (عبر وسائط التوصل الاجتماعي ) للمهرجان المغاربي للفيلم ، المنظمة من طرف جمعية سيني مغرب بوجدة ، وبه حصل المخرج على جائزة لجنة التحكيم و المخرج وليد الطايع. اخرج أشرطة قصيرة : " مدام بهجة "، وشريط " برستيج " وشريط " العيشة " . الأشرطة الثلاثة القصيرة عرضت بعدد من المهرجانات داخل تونس وبالمغرب وأوربا ونالت جوائز واستحقاقات .