بعد العرض الأول – الذي احتضنته قاعة باحنيني التابعة لوزارة الثقافة المغربية بالعاصمة الرباط – سيشهد فضاء فيلا الفنون بالرباط يوم 24 من ابريل الجاري عرضا ثانيا من مسرحية “الناس يموتون لكن لا يسقطون” هذه الترتيلة الموجعة التي خطها الشاعر الكاتب والفنان التشكيلي والأستاذ الجامعي لشعبتي الاستيتيقا المقارنة وتاريخ الفن يوسف وهبون ، التي صدرت كأضمومة ورقية مرفوقة بلوحات ومنحوتات الروائي والفنان التشكيلي ماحي بينبين عن دار مرسم للنشر هذا الديوان الشعري الذي هو كناية عن قصيدة طويلة بثمان مقاطع نقلها المخرج المسرحي أمين بودريقة من الورق إلى الركح بكل تفاصيلها المعلنة والمضمرة ،وجعل من الشاعر المدون البواح راويا حكاءا فاعلا ومنغمسا في الشروخ التي خلفها يراعه وهو يصف إنسانية دمرها الفراغ وخربها اليأس ليتحول ضمير أنت الذي يخاطب به الشاعر آخره إلى نحن حيث ننوء جميعنا تحت نير القهر مكبلين بحبائل ونحن نحاول جاهدا الخلاص إبداعات ماحي بينبين ومنحوتاته حضرت ليست فقط كلوحات انعكاسية على خلفية الديكور والتي منحها السينوغراف عبد الحي السغروشني حركية بطيئة بمؤثرات تقنية تعكس أعطاب الذات الجماعية المشروخة التي تزحف بوهن نفسي ،لكن الأعمق هو حضورها على الركح حية مجسدة من خلال أجساد بشرية أبدعت في كوريغرافيتها ببراعة كل من الممثلتين زينب الناجم وهاجر الشركي والكوريغرافي يوسف سلمان هذا العرض الشعري الذي لم يغفل العناصر الرئيسية التي أتت بها الصور المجازية سواء المكتوبة أو المرسومة ليتأثث الفضاء بكثير من الإشارات والايحاءات كأننا نشاهد عالمنا الداخلي مشرعا على الخارج، وكما يقول الشاعر وهبون في احدى المشاهد التي نترجمها من اللغة الفرنسية التي كانت صوت الكاتب الممثل في المسرحية : في مكان ما في الجزء السفلي من الثقب الأسود تخيل الإنسان يتشنج ويكافح أنت تتخيله يوزع القبضات في الفراغ كنت أراه يتقيأ مع الغضب للاقتران في صلب القلق. في الكثافة السوداء للعالم الإنسان ليس سوى فأر مجنون داخل حقيبة مرتحلة “. هذه الصورة ترجمت على الخشبة بدقة بالغة ،حيث كانت ثلاثة حقائب على شكل لحود تتخبط فيها أجساد المشخصين وهي تحاول الانعتاق للخروج من تلك العتمة الجوانية إلى نور أرحب ، فالحقيبة اللحد والحبال ترمز لقفص وجودي الذي نُدس فيه جميعنا وكل من يرغب ان ينفلت من عقاله لا تتوانى أيادي خلفية لتمسك به وتسحبه نحو القاع حيث ترتع الانسانية …. الشاعرالراوي بسط واقعنا السوداوي كما هو لكن لم يفقد الأمل فانه يمكن ان ننجو بتقديمه للحب كبديل حقيقي وصادق لكل هته الفوضى الروحية والتصحر القيمي، لما لا إذ أحببنا بعضنا ودعمنا بعضنا لننهض حتى نموت وقوفا. إنهاء العرض المسرحي الشعري الكوريغرافي بحوض الماء كمفردة موظفة بذكاء حيث انطوت على المعنى والمعنى المعاكس/ كانت العقدة والحل في آن ، فكما غرقت الإنسانية في الماء الحوض يمكن أن تستعمله للتطهر من خبائثها من مآسيها من انتكاساتها ،هذا ما يستشف وبوضوح من مونولوغات كل من الممثلتين زينب وهاجر اللتان استنبطتا نصيهما باللغة الدارجة من روح القصيدة المكتوبة بالفرنسية بذلك يكون هذا العمل المعنون ب”الناس يموتون ولكن لا يسقطون” بمثابة ورش خلاق لم يسقط في كلاسيكية العروض المسرحية ،حيث منح المخرج أمين بودريقة المساحة للممثلين ليفصحوا ويشاركوا بمشاهدهم من وحي ما استلهموه من الكتاب والرسومات والمنحوتات فيكون بذلك فعل التلقي قد تحقق فعليا في عملية إعادة قراءة العمل الإبداعي الفني .