لقد أصبح من المؤكد أن الحكومة تتعاطى مع الأزمة في قطاع التربية الوطنية بعقلية مرتبكة، فاستمرار تعطل المدراس لما يزيد من شهرين، بسبب مطالب مشروعة للأساتذة، كان على الحكومة ووزارتها في القطاع المبادرة بالتفاعل الايجابي معها في الأسبوع الأول، وهذا ما لم يتم للأسف مما يدل على افتقاد هذه الحكومة للرؤية الاستباقية، وعجزها عن التواصل البناء المطمئن للجميع، والمعبر عن رغبة أكيدة في إصلاح النظام الأساسي الذي هو السبب الرئيس في الأزمة، والمصاغ بذهنية يبدو أنها لا تفهم شيئا عن واقع التعليم بالمغرب، أو لها قراءة خاطئة للمشهد التعليمي، وظنت أنه يمكن تمرير أي شيء تريده ولن ينتبه له أحد. والحاصل من كل هذا أن الجميع أصبح في أزمة، الحكومة، والشغيلة التعليمية، والنقابات، والأسر، وملايين التلاميذ. وعوض أن تبين الحكومة عن كفاءتها في معالجة الأزمة، مازال بعض المستشارين في الدواوين يهمسون لها بأساليب ربما جربت في الماضي ونفعت، لكن الوضع الآن والسياق الدولي والوطني ضاغط على الجميع، وسلامة وطننا في عالم يغلي يجب أن تكون أولوية الجميع، لكن الحكومة بحواراتها المغشوشة تؤجل الحل. لذلك يجب أن يتم طي صفحة تداعيات الحوار المغشوش، وأن تلتقي التنسيقيات الكبرى تنسيقية هيئة التدريس وتنسيقية الثانوي التأهيلي، وتنسيقية الأساتذة وأطر الدعم المتعاقدين، وباقي القوى المناضلة. وتكون على قلب رجل واحد، فقد تأكد منذ البداية أنه لا يمكن لأي تنسيقية بمفردها أن تحقق شيئا، فغياب التنسيق الجدي على قواعد الاحترام والاعتراف المتبادل في النضال، سيكون مقدمة للفشل في تدبير لحظة الحوار وهذا ما وقع مرحليا، ويمكن تجاوزه إذا صحت النوايا. فالآن بعد امتصاص الصدمة على الجميع أن يجنح للوحدة النضالية من أجل فرض تسوية للأزمة، بمنطق تفاوض مع الحكومة يقوم على مبدأ رابح-رابح. وبالمقابل على الحكومة أن تنهي ألاعيبها ورهانها على الزمن، وعلى التشتيت، وعلى محاولات تأليب الرأي العام ضد الأساتذة. وعقلية الإستجابة الجزئية وبالتنقيط للمطالب. كما أن على الأساتذة الاتفاق في إطار تنسيقياتهم على ملف مطلبي واقعي، على أرضية الوظيفة العمومية وادماج المتعاقدين وتسوية وضعيتهم القانونية والمادية، والإستجابة للملفات الفئوية في حدود معقولة وواقعية، وإصلاح الوضع المهني والتحفيز على العطاء، وتحقيق المطالب الاقتصادية بزيادة معقولة وازنة في الأجور تلائم الظرفية، والإستجابة للمطالب الاجتماعية باصلاح المؤسسات الاجتماعية وتيسير ولوج الأساتذة للسكن والصحة، والمطالب والحقوق النقابية بالاعتراف بالحق النقابي، واعطاء نفس جديد للعمل النقابي بعيدا عن الأساليب البيرقراطية والريع، فالجميع رأى كيف أن هدم المؤسسات النقابية كمؤسسات وساطة، وتركها رهينة بيد زمرة من المنتفعين والمتقاعدين، كان سببا في فقدان الثقة وفي إفراغ العمل النقابي من مضمونه ووظيفته. ولذلك لا يلام الموكل على موقفه إذا أساء الوكيل استعمال الوكالة، وخرج بها عن نطاقها المشروع. إن استمرار الأزمة والإهمال الذي تواجه به الحكومة ووزارتها في التعليم الوضع ينطوي على مخاطر، فاليوم الحكومة أمام نساء ورجال التعليم، وربما غذا تكون أمام قطاعات أخرى وتتسع دائرة الاحتجاجات. ومن غير المعقول استمرار الحكومة في التمنع من محاورة التنسيقيات، فالتنسيقيات افراز موضوعي لسنوات من استهداف العمل النقابي الحر، ومن محاصرة المناضلين، ومن ترسيخ أقدام المستفيدين من الريع النقابي. ثم إن مناضلي التنسيقيات هم مواطنون في هذه الدولة، ومن دافعي الضرائب، ولا حق لأحد في أن يزايد على وطنيتهم واخلاصهم لوطنهم وأمتهم المغربية، ولهم أبناء يدرسون في التعليم العمومي، ومن ضمن 9 مليون تلميذ قد لا أجانب الصواب إذا قلت أن ما يزيد عن مليون ونصف منهم من أبناء رجال التعليم أو إخوانهم أو من ذوي قرباهم، وهم في هذا يشاركون عموم المواطنين هذا الهم، فهؤلاء المنضوون تحت التنسيقيات لم يأتوا من الفضاء، ولم تنبتهم الأرض فجأة، وبالتالي إذا كان الحل يقتضي محاورتهم عبر ممثليهم، فإن أي تأخر من الحكومة، يعد تغذية للأزمة. فهل تستدرك الحكومة وتعمل على بناء اتفاق شامل وتاريخي لا يقصي أحد تشارك فيه الشغيلة عبر ممثليها في التنسيقيات والنقابات، هدفه الاستجابة للمطالب العادلة والمشروعة، وفي نفس الوقت وضع المدرسة العمومية على سكة الإصلاح بروح وطنية، بعيدا عن ضغوط المؤسسات المقرضة وحسابات الباحثين عن تحويل التعليم إلى سلعة وفرص استثمارية؟ لم نفقد ولن نفقد الأمل، بإمكان الحكومة أخذ زمان المبادرة لايجاد الحلول. حفظ الله وطننا المغرب الحبيب وغلب صوت الحكمة لدى جميع الأطراف