قبل أن تدق الحرب، الروسية الأوكرانية، طبولها وترفع أعلامها، كتبت مقالا سميته "نظرة جديدة في الأزمة الروسية الأوكرانية" ونشرته في صحيفة "المغربية المستقلة"، كشفت فيه عن أحد الأسباب الخفية الدافعة إلى اندلاع هذه الحرب، ولعله يكون أهمها، وكان هذا السبب هو قوات الفاغنز التي توسعت في مناطق النفوذ الغربي، وأطلت على المحيط الأطلسي، فكان لابد للغرب والولاياتالمتحدة من الضغط على روسيا الإتحادية بتهديدها بضم أوكرانيا إلى النيتو، وقد أقمت الشواهد ودفعت بالبرهان على صحة ما ذهبت إليه من تحليل ورأيته من رأي، وكل ذلك إنطلاقا من السياق التاريخي والحديث للصراع الروسي الغربي، وسأنقل لك شيئا من كلامي في ذلك المقال، حتى أربطه لك بزيارة ماكرون للجزائر، ولك العودة إلى ذلك المقال إن شئت. فبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وقيام نظام جديد، ثنائي القطب، الأول تتزعمه الولاياتالمتحدةالأمريكية و الثاني يقوده الإتحاد السوفياتي، بدأت الحرب الباردة بينهما، وقد كان لهذه الحرب وهذا الصراع ثلاثة ميادين، فأما أولهم فهو حرب الجواسيس والأجهزة الاستخبراتية، وأما الميدان الثاني فجرت فيه أحصنة السباق نحو التسلح، وأما الميدان الثالث فتجلى في التوسع، والذي يهمنا هنا هو الميدان الثالث. فقد سعت كل دولة من دولتي هذه الحرب الباردة، إلى كسب دول أخرى، تعزز بها حزبها وتخوض معها حربها، خاصة إذا كانت تلك الدول تقع في موقع إستراتيجي قريب من الدولة العدو، وذلك لأجل تنصيب المنصات الصاروخية لاستهداف الدولة العدو، في حالة ما دقت الحرب طبولها، وكان هذا الميدان هو أهم ميادين الصراع، وفيه استعملت الصناعة الإعلامية والسينمائية الأمريكية، فأصبحت شعوب كثيرة، تأبى على حكوماتها الإنظام إلى المعسكر الشرقي، لما تأثرت به من نمط العيش الأمريكي، والذي كان يصل إليها عن طريق الأفلام. فخسر الإتحاد السوفياتي كثيرا من مواليه، وتقلص حجم نفوذه مع توالي الأيام وتعاقب الليل والنهار، وبقي على هذا الحال إلى أن انهار، ومن هنا جاء ما يروج على لسان العامة وغيرهم، من أن الحرب الباردة كسبت بالسينما، ولو أن السوفيات انتبهوا لهذه الصناعة، وعملوا بها، لكانت الحرب الباردة عرفت نهاية أخرى، غير النهاية التي أعرفها وتعرفها. ولعلك تسألني ما علاقة كل هذا الذي حدثك به بدور الفاغنر في هذه الأزمة؟؟ فأقول لك: إن ولاءات الدول بعضها لبعض، هو أمر غير دائم بحال من الأحوال، لما هو مستحكم فيها من تغير المصالح، وقد شهد السوفيات هذا عيانا، وذاقوا من مرارته كثيرا، وخسروا العديد من مواليهم وحلفائهم حتى في غياب مصالح حقيقية، بل فقط لما توهمه ألئك الحلفاء من نمط عيش صوره لهم النظام السنمائي الهوليودي، ولهذا وبدل أن تلجأ روسيا إلى إقامة تحالفات، غير ثابتة بل ومتقلبة، تمكنها من التوسع ومحاصرة أعدائها، فإنها لجأت إلى التوسع عن طريق إنشاء هذه الشركة الشبه عسكرية، ونحن نرى عيانا ما تقوم به من أنشطة توسعية، حتى أنها أصحبت تقف على شواطيء المحيط الأطلسي، المقابل لشواطيء الولاياتالمتحدة، في منطقة لها دورها الاستراتيجي في العالم. غير أن الضغط الغربي على الروس بورقة أوكرانيا، بضمها إلى النيتو إذا لم يقف التوسع الروسي عن طريق الفاغنر، لم يكن مجديا، ولم يقدم لهم شيئا، وقد أيقن الغرب فشل توسعه شرقا بضم أوكرانيا، ولم يبق لهم إلا مزاحمة قوات الفاغنر في دول الساحل والصحراء، وقد كان هذا من الأهداف الخفية التي لم يعلن عنها في زيارة ماكرون للجزائر، وليس ما يروج له من رغبة فرنسا في ضمان الأمن الطاقي والغذائي. كما أن السياق الذي جاءت فيه هذه الزيارة، يتزامن مع التطور الواضح في العلاقات بين المملكة المغربية وروسيا الإتحادية، وتعيين روسيا لسفير مفوض فوق العادة لدى المملكة المغربية، مما سيزيد من الوجود الروسي في المنطقة ويزاحم الوجود الغربي الممثل غالبا في فرنسا، فكان حقيقا وجديرا بفرنسا أن تحاول العودة إلى المنطقة وأقرب الطرق إلى ذلك هو طريق الجزائر، حسب قراءتها ونظرتها. * كاتب مغربي، باحث في العقائد، والمدارس الفكرية، والإستشراق.