رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مجلس الأمن.. بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    جرسيف .. نجاح كبير للنسخة الرابعة للألعاب الوطنية للمجندين    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    زاكورة تحتضن الدورة الثامنة لملتقى درعة للمسرح    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك        بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    روسيا تمنع دخول شحنة طماطم مغربية بسبب "أمراض فيروسية خطيرة"    نادي المغرب التطواني يقيل المدرب عزيز العامري من مهامه    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    دشنه أخنوش قبل سنة.. أكبر مرآب للسيارات في أكادير كلف 9 ملايير سنتيم لا يشتغل ومتروك للإهمال    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    "التقدم والاشتراكية": الحكومة تسعى لترسيخ التطبيع مع تضارب المصالح والفضاء الانتخابي خاضع لسلطة المال    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تثمينا لروح اتفاق الصخيرات الذي رعته المملكة قبل تسع سنوات    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    قضايا المغرب الكبير وأفريقيا: المغرب بين البناء والتقدم.. والجزائر حبيسة سياسات عدائية عقيمة    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    دورية جزائرية تدخل الأراضي الموريتانية دون إشعار السلطات ومنقبون ينددون    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025        مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حيوانات تنام بأعين مفتوحة .. إليك تفسير العلم وما يشبه ذلك لدى البشر
نشر في العمق المغربي يوم 09 - 08 - 2022

في تصورنا للنوم من الصعب تخيل كائنات تنام بأعين مفتوحة، حيث تعتبر العيون المغلقة جزءا أساسيا في ذلك التصور. لكن الطبيعة تزخر بكائنات حية من مختلف الأنواع تنام بأعين مفتوحة.
وفيما يستحيل نوم البشر بدون إغلاق جفونهم، تثار أسئلة علمية حول الأسباب التي تجعل لبعض الكائنات الحية قدرة استثنائية للنوم بأعين مفتوحة.
والأمر لا يتعلق بالأجفان، بل بسلوك الدماغ، واكتشف العلماء أن الحيوانات التي تنام بأعين مفتوحة لها قدرة النوم بنصف أدمغتها فقط.
فكيف يفسر العلم ذلك؟ وما هي أنواع الحيوانات التي تعتمد النوم نصف الدماغي؟ وهل لدى البشر ما يشبه ذلك النوم؟
نظام النوم والحاجة إلى الأمن
هناك ساعة في الدماغ متزامنة مع الإشارات البيئية تولِّد تغيرات بيولوجية تختلف على مدار دورة مدتها 24 ساعة تسمى "الإيقاعات اليومية". وبهذه الطريقة، يتكرر دوران الأرض في ديناميكيات الدوائر العصبية الخاصة بنا.
وتُعد دورة النوم والاستيقاظ هذه إيقاعًا يوميًّا نموذجيًّا. فالاستيقاظ يتسم بالأنشطة الحسية والحركة، وخلال النوم تفقد الحواس اتصالها بما يحيط بها وتهدأ الحركة.
وهذا الفقد الدوري للوعي يظهر في تسجيلات جهاز تخطيط كهربية الدماغ ببصمات واضحة؛ فالنوم العميق يتكون من تذبذبات بطيئة ذات سعة عالية، أما اليقظة -على العكس- فتتمثل في تذبذبات سريعة منخفضة السعة.
وتثار أسئلة محيرة من مثل لماذا قد يُوقِف حيوانٌ أنشطتَه الحسية والحركية الأساسية لساعات متتالية، تاركًا نفسه هدفًا سهلًا للحيوانات المفترسة؟ وهذا التساؤل يصبح أكثر إثارةً للحيرة في الثدييات المائية، التي تحتاج إلى تنظيم تنفسها خارج الماء، ودرجة حرارة جسمها في أثناء النوم.
من المثير للاهتمام أن بعض الحيوانات حلت هذه المشكلة من خلال تطوير القدرة على النوم بأحد نصفي الدماغ بينما تبقى مستيقظةً بالنصف الآخر، وهو سلوك يُعرف باسم النوم نصف الدماغي الأحادي بطيء الموجة. وبعضها يستخدم هذا النوع من النوم في ظل ظروف معينة بينما ينام بنصفي الدماغ إذا دعت الضرورة لذلك.
وتدخل الثدييات المائية وبعض أنواع الطيور -وربما الزواحف- في حالة النصف نائم/نصف يقظ، وأحيانًا تُبقي إحدى العينين مفتوحة خلال تلك الفترات. ومؤخرًا اكتشف الباحثون نوعًا يشبه النوم نصف الدماغي الأحادي عند البشر.
ويمثل النوم النصفي هذا فرصةً مذهلةً لدراسة علم النوم عن كثب. فبينما يكون إجراء الدراسات على النصف النائم، يمكن اعتبار النصف الآخر غير النائم عنصرَ الضبط المطلوب في التجارب.
إن القدرة على العيش في ظل نقصٍ نسبيٍّ في النوم كما تفعل الدلافين وبعض أنواع الطيور، تعطينا بعض الأفكار لعلاج اضطرابات النوم عند البشر، والتي غالبًا ما تؤثر على أحد نصفي الدماغ أكثر من النصف الآخر.
النوم نصف الدماغي الأحادي
بدأت دراسة النوم نصف الدماغي الأحادي في عام 1964، عندما قال الباحث المثير للجدل جون سي. ليلي إن الدلافين بإمكانها النوم باستخدام جانب واحد من الدماغ، بعد أن لاحظ أنها تغلق عينًا واحدة في أثناء استراحتها اليومية.
افترض جون ليلي أن الدلافين خلال نومها لا يزال بإمكانها مشاهدة ما حولها والاستماع لما يحيط بها. وسيستغرق الأمر المزيد من التجارب لمعرفة ماذا كان يحدث في أدمغة الحوتيات.
والحوتيات -التي تشمل الحيتان والدلافين وخنازير البحر- لا تزال هدفًا للدراسات حول النوم نصف الدماغي الأحادي. فهذه الحيوانات تحتفظ بسِمَتيْن فسيولوجيتين من حياة أسلافها على اليابسة: الرئتين لتنفس الهواء، وآليات للحفاظ على درجة حرارة أجسامها شبه ثابتة في المياه (التنظيم الحراري). ويبدو أن النوم بنصف الدماغ فقط أتاح لها الاحتفاظ بهاتين السِّمتين في البيئة المائية.
وفي الآونة الأخيرة، بدأ ليف موكاميتوف -من معهد "إيه. إن. سيفيرتسوف" لعلم البيئة والتطور في الأكاديمية الروسية للعلوم- وزملاؤه النظر بعمق أكثر من جون ليلي فيما كان يحدث في أدمغة الحوتيات.
درس موكاميتوف وزملاؤه النوم دراسةً مكثفة في الدلافين قارورية الأنف. وفي تسجيلات جهاز تخطيط كهربية الدماغ وجد الباحثون باستمرار أن أحد نصفي الدماغ كان في حالة نوم الموجة البطيئة، بينما كان النصف الآخر يقظًا. ونادرًا ما رصدوا نومًا في نصفي الدماغ معًا (وهو ما يسمى نوم الموجة البطيئة بنصفي الدماغ)، ولم يسجلوا أي علامات واضحة لنوم حركة العين السريعة المرتبط بالأحلام.
وخلال نوم نصف الدماغ الأحادي بطيء الموجة، يتحكم نصف الدماغ اليقظ من دماغ الدولفين في السباحة والطفو للسطح من أجل التنفس. وكما تكهن جون ليلي من خلال الملاحظة، فإن عين الحيوان المفتوحة، والمرتبطة بنصف الدماغ الآخر المستيقظ، تتيح للدلافين الانتباه للحيوانات المفترسة والسباحة بانسجام مع رفاقها بينما يحظى النصف الآخر من الدماغ بالراحة.
وفي 1999، لاحظ بي. دون جولي، من قسم العلوم البيولوجية في جامعة هومبولت –تمامًا كما لاحظ جويدو جنونى من متحف جنوا للأحياء المائية في إيطاليا وزملاؤه في 2001- أن الدلافين عندما تسبح في مجموعات، كانت العين المفتوحة لأحد أعضاء المجموعة تبقى على اتصال بصري مع الأعضاء الآخرين. وإذا قام أحد الشركاء بالانتقال إلى الجانب الآخر كان نمط العين ينعكس.
تواجه الدلافين كذلك تحدي درجة حرارة الماء البارد، التي تعرِّضها لفقدان كبير في حرارة أجسادها. ويساعدها الإبقاء على أحد نصفي الدماغ مستيقظًا خلال الراحة على الحفاظ على دفء أجسادها من خلال تحريك زعانفها وذيولها بشكل مستمر للسباحة والصعود بالقرب من السطح خلال نومها، وهي الملحوظات التي أشار إليها برانيشري بيلاي وبول آر. مانجر، عندما كانا يعملان في جامعة ويتواترسراند في جوهانسبرج.
في الحوتيات وفي حيوانات أخرى، نعلم أن دورة النوم والاستيقاظ العامة تحكمها التفاعلات بين العديد من هياكل الدماغ، بما في ذلك جذع الدماغ ومنطقة الوطاء وقاعدة الدماغ الأمامي. بيد أن ما ينظم النوم نصف الدماغي الأحادي بالتحديد لا يزال لغزًا، بالرغم من أن لدينا بعض الأدلة التي قد تساعد في حل هذا اللغز.
في عام 2012، وضع "ديفيد جيه. كيدزيورا" وزملاؤه في جامعة سيدني نموذجًا رياضيًّا للنوم نصف الدماغي الأحادي بطيء الموجة، كان الهدف منه تمثيل عادات النوم عند الدلافين. وفيه كانت البِنَى الفرعية داخل منطقة الوطاء في كل نصف من الدماغ –النواة الجبهية الجانبية أمام البصرية- تتبادل الرسائل للتحكم عندما ينام كل نصف من نصفي الدماغ.
ويبدو أن الإشارات التثبيطية المنقولة بين نصفي الدماغ تتيح النوم لجانب واحد بينما يبقى الآخر مستيقظًا. وتشارك في ذلك أيضًا بِنَى الدماغ العميقة، مثل المقرن الخلفي في جذع الدماغ، (ويكون المقرن الخلفي كبيرًا للغاية في الدلافين، وهو ما يثير تساؤلات حول دوره في التحكم في النوم).
ويمنح نموذج جامعة سيدني علماء الأعصاب طريقةً لاستكشاف الآليات التي من خلالها يسلم الدماغ المهمة الحساسة المتمثلة في توزيع النوم بين نصفي الدماغ.
ويبدو أن الإشارات البيئية تؤدي دورًا كذلك؛ لأن الخلايا العصبية الداعمة للنوم في منطقة الوطاء حساسة للحرارة، فارتفاع درجة حرارة الدماغ أو انخفاضها يتسبب في تقلبات مماثلة في معدل إطلاق تلك الخلايا العصبية.
في الواقع، في عام 1982 وجد موكاميتوف وزملاؤه أنه خلال النوم نصف الدماغي الأحادي بطيء الموجة انخفضت حرارة أدمغة الدلافين في النصف النائم من الدماغ بينما ظلت الحرارة ثابتةً في النصف المستيقظ.
أمثلة تكيفية فريدة
تطورت الحوتيات من أسلاف برية مشتركة مع فرس النهر وغيره من الثدييات ذات الحوافر. وكان الانتقال من بيئة اليابسة إلى البيئة البحرية تدريجيًّا، وربما تضمَّن مرحلة انتقالية شبه مائية تَرتَّب عليها تعديلات فيسيولوجية وسلوكية مهمة. ومن ثم، فإن سلوك النوم لدى الحوتيات يُعَد مثالًا فريدًا على التكيف مع بيئة جديدة، الذي يُظهر محاولة تحقيق التوازن بين الحاجة إلى النوم والبقاء على قيد الحياة.
+ الفقمة
الفقمات تبنت عدة حلول لمشكلة التنفس والنوم في الماء وعلى اليابسة. بعض فصائل الفقمة تتجنب تمامًا النوم نصف الدماغي الأحادي بطيء الموجة؛ فلم يظهر هذا النمط من النوم في الفقمات الحقيقية أو الفقمات عديمة الآذان، وهذا يشمل فقمة القيثارة وفقمة الفيل...
أما فقمات البحر الشمالي ذات الفراء فلها قصة مختلفة. ففي عام 2017، قال أوليج آي. ليامين -من معهد إيه. إن. سيفيرتسوف لعلم البيئة والتطور- إن هذه الفقمات -على عكس الدلافين التي يبدو أنها نادرًا ما تمر بنوم الموجة البطيئة بنصفي الدماغ، وربما لا تدخل أبدًا في مرحلة نوم حركة العين السريعة- تمر بأنواع مختلفة من النوم، منها نوم الموجة البطيئة بنصفي الدماغ، ونوم حركة العين السريعة، والنوم نصف الدماغي الأحادي بطيء الموجة، وذلك في كلٍّ من مخابئها البرية والبحرية. وعلى اليابسة، يكون نمط النوم المسيطر هو نوم الموجة البطيئة بنصفي الدماغ، وفي الماء يزداد الوقت الذي تقضيه الفقمات نائمةً النوم نصف الدماغي الأحادي بطيء الموجة مقارنةً باليابسة، ويقل نوم حركة العين السريعة في الماء أو يختفي تمامًا.
وعند غوصها في الماء ومرورها بالنوم نصف الدماغي الأحادي بطيء الموجة، تتخذ الفقمات ذات الفراء وضعًا جسديًّا يتيح لها النوم والتنفس والانتباه للحيوانات المفترسة التي تقترب منها؛ إذ ترقد على أحد جانبيها بحيث تكون واحدة من زعانفها في الماء وتقوم بالتجديف بشكل مستمر بها، بينما تُبقي الزعانف الثلاث الأخرى في الهواء لتقليل فقدان الحرارة، في حين تبقى الأنف خارج الماء لتستطيع التنفس. ويكون نصف الدماغ على الجانب المعاكس من الزعنفة المتحركة (والعين المفتوحة) مستيقظًا، ما يتيح للحيوان إصدار أوامر الحركة للتجديف والحفاظ على ثبات الوضع الجسماني. وعلى اليابسة، يتيح النوم نصف الدماغي الأحادي بطيء الموجة للفقمات أن تنتبه للحيوانات المفترسة وتنسق الأنشطة مع رفاقها من الفقمات، لكنه لا يساعدها في التحكم بالتنفس أو في درجة حرارة الجسم أو تنسيق الحركة.
+ بعض الطيور
بعض الطيور كذلك تنام النوم نصف الدماغي الأحادي، بحيث توازن بين الحاجة إلى الراحة والحذر الدفاعي (في بعض الأوقات تجمع بين النوم نصف الدماغي الأحادي بطيء الموجة ونوم الموجة البطيئة بنصفي الدماغ ونوم حركة العين السريعة). في عام 1996، سجلت يادفيجا شيمتشاك -التي كانت تعمل حينذاك في جامعة نيكولاس كوبرنيكوس في بولندا- وجود الموجة البطيئة على جهاز تخطيط كهربية الدماغ في أحد نصفي دماغ الطائر الأسود الأوروبي. وفي عام 2001، أجرى نيلز سي. راتنبورج -الذي كان حينذاك يعمل في قسم علوم الحياة في جامعة ولاية إنديانا- وزملاؤه الأبحاث نفسها على الحمام. وفي عام 1999، وجد راتنبورج أن البط البري ينام بنصف دماغه فقط للانتباه إلى التهديدات. وكان البط الذي ينام وعينه مفتوحة ويتمركز على أطراف المجموعة تظهر لديه مستويات من النوم نصف الدماغي الأحادي بطيء الموجة أعلى بمقدار 150% من البط الموجود في منتصف المجموعة. وكانت العين المفتوحة للبط "الحارس" موجهة بعيدًا عن المجموعة. وكان مارك أيه. إلجار -الذي يعمل الآن بجامعة ملبورن بأستراليا- قد أشار في دراسة أُجريت عام 1989 إلى أن اليقظة تتناقص عندما يزداد حجم المجموعة وعندما يتحرك الفرد باتجاه منتصف المجموعة.
وتعتمد الطيور المهاجرة خلال رحلات الطيران لمسافات طويلة دون توقف على إستراتيجيات نوم مختلفة. في عام 2016، درس راتنبورج -الذي يعمل الآن في معهد ماكس بلانك لعلم الطيور في سيويسن بألمانيا- وفريقه النوم نصف الدماغي الأحادي بطيء الموجة ونوم الموجة البطيئة بنصفي الدماغ في طيور الفرقاط الكبير خلال فترة إقامة لمدة 10 أيام. في مرة واحدة من نوبات النوم نصف الدماغي الأحادي بطيء الموجة، أظهر أحد نصفي الدماغ نمط يقظة على جهاز تخطيط كهربية الدماغ في الاتجاه المقابل لاتجاه انعطاف الطيران، مما يشير إلى أن العين المفتوحة على الجانب الآخر كانت تراقب الاتجاه الذي يتجه إليه السرب. كذلك في عام 2006 اكتشف توماس فوكس -الذي كان يعمل حينها في جامعة بولينج جرين- أن طيور السمنة تعوض نقص النوم خلال الطيران الليلي من خلال زيادة إجمالي وقت النوم بأخذ غفوات قصيرة خلال النهار وفي أثناء رقودها تغلق إحدى عينيها.
ماذا عن البشر؟
لا ينام البشر النوم نصف الدماغي الأحادي بطيء الموجة التقليدي، لكنهم أحيانًا يمرون بأمر مشابه له. قامت ماساكو تاماكي وفريقها في جامعة براون بعمل تسجيلات بجهاز تخطيط كهربية الدماغ عند قضاء الأشخاص ليلةً في بيئة غير مألوفة لهم.
وقد أظهرت تسجيلات جهاز تخطيط كهربية الدماغ التي نشرت تاماكي نتائجها في عام 2016 موجات بطيئة تدل على النوم العميق في نصف الدماغ الأيمن، ونشاط سطحي لموجات بطيئة في النصف الأيسر من الدماغ، وهي علامة على زيادة الانتباه.
وعلاوة على ذلك، كان نصف الدماغ الأيسر أسهل في تنبيهه من النصف المقابل. وهذا التباين -الذي يُشار إليه بأنه تأثير الليلة الأولى- يختفي بحلول الليلة الثانية، ولكن يبدو أنه يحافظ على اليقظة في مكان غير مألوف. وهذا يذكرنا بالأمهات اللاتي يستيقظن بسهولة وسرعة دون غيرهن على أصوات البكاء أو الضوضاء الأخرى التي يحددن أنها صادرة عن أطفالهن الرضع.
قد نشعر بالحرمان من النوم بعد أول ليلة من النوم خارج المنزل. لكن الحيوانات الأخرى التي تنام بجانب واحد من أدمغتها طوال الوقت يبدو أنها متكيفة تمامًا مع هذا الروتين؛ فالحيوانات التي تمارس النوم نصف الدماغي الأحادي بطيء الموجة تقضي وقتًا أقل في النوم مقارنةً بتلك التي تمارس نوم الموجة البطيئة بنصفي الدماغ أو نوم حركة العين السريعة.
بل إن قدرتها على السباحة أو الطيران أو الأكل أو التواصل الاجتماعي مع رفاقها لا تقل. وتقضي الدلافين نحو ثلثي يومها مستيقظة وباقي الوقت تقضيه في النوم نصف الدماغي الأحادي بطيء الموجة، وتتبادل وقت النوم بين نصفي الدماغ. غير أن استعادة نشاط الدماغ والجسد لا يبدو أنها تتأثر، رغم غياب نوم حركة العين السريعة.
في عام 1997، أشار موكاميتوف وزملاؤه إلى أن الدلافين في دراسات النوم دائمًا ما كانت تبدو بصحة جيدة. وفي الأسر، حيث يتمكن العلماء من دراسة الحيوانات عن قرب، تمكنت الدلافين من تعلُّم المهمات المعقدة وتذكُّرها. وفي الرحلات قللت طيور الفرقاط بشكل كبير إجمالي وقت النوم في أثناء الطيران، لكنها حافظت على مستويات مرتفعة من الانتباه وأداء فعال في الطيران.
ويبدو أن بعض الحيوانات يتأقلم من خلال مشاركة عبء النوم النصفي. البط البري الذي يؤدي دور حارس السرب من خلال الإبقاء على إحدى عينيه مفتوحة يفقد ساعات من النوم، لكن هذا لا يؤثر على سلوكياته سلبًا. ثم تسلِّم هذه الطيور لاحقًا دورَ المراقبة لرفيق آخر في السرب في يوم آخر. ولا يزال النوم نصف الدماغي يذهل المجتمع البحثي؛ لأنه يوضح الإستراتيجيات التطورية المتنوعة التي ظهرت لتتيح للحيوانات أن تنال قسطًا من الراحة كل يوم.
تجارب ميدانية
إن الاهتمام بالنوم نصف الدماغي الأحادي بطيء الموجة الذي تمخضت عنه التجارب الميدانية وصل إلى كونه أداةً معملية لاستكشاف دور النوم في المساعدة على تشكيل نمو الدماغ بعد الولادة مباشرة. في عام 1999، وجد فريقي البحثي في قسم علم النفس العام في جامعة بادوفا في إيطاليا أن الدجاج حديث الولادة يحظى في الأسبوع الأول بعد الفقس بنوم أكثر بشكل ملحوظ بنصف الدماغ الأيسر. وفضلت الفراخ هذا النصف من الدماغ في تلك الأيام المبكرة لتتعلم المحفزات –الأنماط والألوان- التي يجب معالجتها للمرة الأولى من جانب أدمغتها الصغيرة، وبدا أن النوم يؤدي دورًا في تنظيم ما تعلمته هذه الفراخ للتو.
وازداد النوم بنصف الدماغ الأيمن في الفراخ مع ظهور أنشطة مثل التحليل المكاني ومعالجة الأحداث الجديدة في هذا الجانب من الدماغ في الأسبوع الثاني. وعندما دربنا الفراخ على التفريق بين الألوان، سجلت المزيد من النوم نصف الدماغي الأحادي بطيء الموجة بالنصف الأيسر من الدماغ (حيث تغلق العين اليمنى وينام نصف الدماغ الأيسر)؛ لأن هذا النصف من الدماغ يؤدي الدور الأكبر في تعلُّم الألوان. واستخدمت الفراخ العين اليسرى لمهمات تعلُّم التحليل المكاني، والتي تطلبت منها اختيار واحدة من أربع حاويات في ركن معين من حظيرتها؛ حيث كان عليها اختيار الحاوية التي لها ثقب من الأعلى والتي تحتوي على مكافأة من الطعام. وعندما انتهت الفراخ من هذه المهمة، كانت تمارس النوم نصف الدماغي الأحادي بطيء الموجة بالنصف الأيمن من الدماغ (حيث كانت تغلق العين اليسرى وينام نصف الدماغ الأيمن)؛ لإراحة الجزء من الدماغ المتخصص في هذا النوع من المهمات.
أمضى نصف الدماغ الأكثر نشاطًا –سواء مارس النوم نصف الدماغي الأحادي بطيء الموجة أو نوم الموجة البطيئة بنصفي الدماغ- وقتًا أطول نسبيًّا في النوم لاستعادة النشاط. وفي غضون ذلك، فإن العين المفتوحة على جانب نصف الدماغ غير المسيطر تولت مهمة الانتباه للحيوانات المفترسة والبقاء على اطلاع على البيئة. في الواقع، أدى تحريك جسم داكن اللون فوق القفص خلال النوم نصف الدماغي الأحادي بطيء الموجة إلى استيقاظ الفراخ على الفور وإفزاعها وإطلاقها لنداءات استغاثة. ظلت اليقظة كما هي، لكنها لم تنتقص من النوم باعتباره وقتًا لمعالجة التجارب الحسية المكثفة التي مر بها الطائر في أيامه الأولى في هذا العالم الجديد.
في نهاية المطاف، قد تساعدنا دراسة الحيوانات التي تنام بنصف أدمغتها في فهم اللغز البيولوجي المستمر للنوم، بل وربما تساعد على فهم مشكلات النوم عند البشر. في بعض الأحيان، يكون لانقطاع النفَس النومي وغيره من الاضطرابات الأخرى آثارًا على أحد نصفي الدماغ أكثر من النصف الآخر. وهذا العمل البحثي قد يساعد على الإجابة عن كيفية قيام أحد الأنواع بموازنة منافع الراحة مع الحاجة إلى حماية نفسه من الحيوانات المفترسة الجائعة. ويُعتبر النوم بأحد نصفي الدماغ إجابةً رائعةً لهذه المعضلة، إذ يتيح للحيوان المرور بحالتي الوعي واللاوعي في الوقت نفسه. إن الأبحاث التي تُجرى على النوم نصف الدماغي الأحادي تذكرنا بالمقولة الشهيرة للفيلسوف هرقليطس في كتابه Fragments: "حتى الروح الغارقة في النوم تجتهد في عملها، وتساعد في تحقيق شيء في العالم".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.