أثار الموقف الإسباني الجديد بالاعتراف بالمبادرة المغربية للحكم الذاتي كحل جدي وواقعي وذو مصداقية في تسوية نزاع الصحراء المغربية، صدمة في الجزائر، حيث قرر نظام الرئيس عبد المجيد تبون استدعاء سفيره بمدريد من أجل التشاور، وذلك بأثر فوري. وأفاد بيان لوزارة الخارجية الجزائرية، اليوم السبت، أن "السلطات الجزائرية التي اندهشت من التصريحات التي صدرت عن أعلى السلطات الإسبانية بخصوص ملف الصحراء الغربية، وتفاجأت بهذا التحول المفاجئ لموقف القوة المديرة السابقة للصحراء الغربية، قد قررت استدعاء سفيرها بمدريد للتشاور بأثر فوري". وتماشيا مع موقف النظام الجزائري، شنت مختلف وسائل الإعلام الجزائرية المقربة من النظام، حملة ضد الحكومة الإسبانية بسبب موقفها الجديد، حيث وصفت بعض الصحف بأن رسالة بيدرو سانشيز إلى الملك محمد السادس تمثل "خيانة للعلاقات الإسبانية الجزائرية". وعلى غرار قصر المرادية، شكل التحول التاريخي لموقف مدريد من ملف الصحراء، ضربة موجعة لانفصاليي "البوليساريو"، لتنضاف بذلك إلى سلسلة من الهزائم التي مُنيت بها الجبهة، ومن ورائها النظام الجزائري، عقب اعتراف مجموعة من الدول الكبرى بمبادرة الحكم الذاتي وفتح 22 قنصلية بالصحراء. فبعد الموقف الأمريكي الذي اعترف بسيادة المغرب على أراضيه الصحراوية، وبعده الموقف الألماني الداعم لمقترح الحكم الذاتي كحل عادل وسلمي للنزاع، وهو نفس الموقف الذي تتبناه فرنسا وعدد من الدول، جاء الموقف الإسباني ليشكل ضربة موجعة لأحلام جنرالات الجزائر. وفي نوع من التحريض ضد الحكومة الإسبانية، دعت جبهة "البوليساريو" الانفصالية في بلاغ مليء بعبارات الصدمة والاستغراب، القوى السياسية الإسبانية وكافة شعوب إسبانيا، بالضغط على الحكومة الإسبانية لتصحيح ما أسمته ب"الخطأ الفادح"، وفق تعبيرها. إقرأ أيضا: اعتراف إسبانيا بالحكم الذاتي.. تحول تاريخي لموقف مدريد وانتصار للديبلوماسية المغربية وشكل الموقف الجديد لإسبانيا باعترافها، رسميا، بالمبادرة المغربية للحكم الذاتي كحل واقعي وجدي وذو مصداقية لنزاع الصحراء المغربية، تحولا تاريخيا للجارة الشمالية للمملكة، بإعلانها موقفا واضحا وصريحا عكس ما كانت تنهجه سابقا، وهو ما يؤشر على انتصار الديبلوماسية المغربية التي غيّرت من سياستها تجاه مدريد مؤخرا. ويرى محللون أن العبارات التي تضمنتها رسالة سانشيز، حملت إشارات قوية على تبني مدريد لسياسة جديدة تجاه المغرب تروم محو تداعيات مجموعة من الأخطاء التي وقعت فيها الدبلوماسية الإسبانية في عدد من المحطات، خاصة بملف الصحراء، وعزمها طي صفحة الماضي وفتح علاقات جديدة مع المغرب قائمة على الوضوح والشفافية وبناء علاقات صداقة استراتيجية. وشهدت العلاقات بين البلدين توترا شديدا في السنوات الأخيرة، خاصة بعد معارضة إسبانيا لاعتراف الولاياتالمتحدةالأمريكية بمغربية الصحراء، واستقبالها لزعيم جبهة "البوليساريو" الانفصالية بهوية مزورة، مرورا بالتحركات السياسة في البرلمان الإسباني من أجل ضم سبتة ومليلية إلى حلف الشمال الأطلسي "الناتو" وإلى منظومة "شينغن". فالرباط كانت تطالب مدريد، دوما، بإعلان مواقف واضحة وصريحة تجاه قضايا يعتبرها المغرب استراتيجية، وعلى رأسها ملف الصحراء، وكان يوجه رسائل متعددة للإسبان مفادها أن طريقة التعامل معه تغيرت ولم يعد يخضع لمنطق "الأستاذية" النابع من الإرث الاستعماري المتجدر لدى بعض الجهات الأوروبية، ويشدد على أن سياسته الخارجية تقوم على مراعاة مصالحه الاستراتيجية أولا. غير أن إسبانيا كانت تمسك العصا من الوسط وتتخذ مواقف ضبابية وأحيانا عدائية، وهو ما دفع المغرب إلى الرد بقوة في عدد من المحطات، كان أبرزها استدعاء سفيرته في مدريد والتي لم تعد إلى مهامها منذ سنتين، واستعمال ورقة التدفق الجماعي للمهاجرين، وقبل ذلك إغلاق الحدود البرية مع سبتة ومليلية نهائيا، مع ما أعقب القرار من أزمة اقتصاية خانقة بالمدينتين المحتلتين. إقرأ أيضا: من صدمة إلى أخرى.. البوليساريو تفقد صوابها بعد اعتراف إسبانيا بالحكم الذاتي وأمس الجمعة، أفاد بلاغ للديوان الملكي أن رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، بعث رسالة إلى الملك محمد السادس، أكد فيها على أنه "يعترف بأهمية قضية الصحراء بالنسبة للمغرب"، وأن "إسبانيا تعتبر المبادرة المغربية للحكم الذاتي بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف" المتعلق بالصحراء المغربية. واعتبر سانشيز في رسالته أن "ازدهار المغرب مرتبط بازدهار إسبانيا والعكس صحيح"، مشددا على أن "إسبانيا ستعمل بكل الشفافية المطلقة الواجبة مع صديق كبير وحليف"، مضيفا: "أود أن أؤكد لكم أن إسبانيا ستحترم على الدوام التزاماتها وكلمتها"، وأنه "سيتم اتخاذ هذه الخطوات من أجل ضمان الاستقرار والوحدة الترابية للبلدين". وخلال رسالته إلى الملك محمد السادس، أشاد رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز ب"الجهود الجادة وذات المصداقية التي يقوم بها المغرب في إطار الأممالمتحدة من أجل تسوية ترضي جميع الأطراف"، معتبرا أن "البلدين تجمعهما، بشكل وثيق، أواصر المحبة، والتاريخ، والجغرافيا، والمصالح، والصداقة المشتركة". وأكد رئيس الحكومة الإسبانية على أن "هدفنا يتمثل في بناء علاقة جديدة، تقوم على الشفافية والتواصل الدائم، والاحترام المتبادل والاتفاقيات الموقعة بين الطرفين والامتناع عن كل عمل أحادي الجانب، وفي مستوى أهمية جميع ما نتقاسمه". وجدد سانشيز التأكيد على "عزمه العمل جميعا من أجل التصدي للتحديات المشتركة، ولاسيما التعاون من أجل تدبير تدفقات المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، والعمل على الدوام في إطار روح من التعاون الكامل". وعقب بلاغ الديوان الملكي، أصدرت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، بلاغا قالت فيه إن المملكة المغربية تثمن عاليا المواقف "الإيجابية" والالتزامات "البناءة" لإسبانيا بخصوص قضية الصحراء المغربية، والتي تضمنتها رسالة سانشيز إلى الملك. واعتبرت الخارجية أن العبارات الواردة في هذه الرسالة "تتيح وضع تصور لخارطة طريق واضحة وطموحة بهدف الانخراط، بشكل مستدام، في شراكة ثنائية في إطار الأسس والمحددات الجديدة التي تمت الإشارة إليها في الخطاب الملكي في 20 غشت الماضي". وكان الملك محمد السادس، قد دعا في هذا الخطاب إلى "تدشين مرحلة جديدة وغير مسبوقة، في العلاقات بين البلدين، على أساس الثقة والشفافية والاحترام المتبادل، والوفاء بالالتزامات"، وفق البلاغ ذاته. وفي هذا الإطار، كشفت الخارجية المغربية أن وزير الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون في إسبانيا، خوسي مانويل ألباريز، سيقوم بزيارة إلى الرباط، في نهاية شهر مارس وقبل شهر رمضان، كما ستتم أيضا برمجة زيارة لرئيس الحكومة الإسبانية إلى المملكة المغربية في وقت لاحق.