إلى متى سوف تظلين يا أختي بين حسرات الألم، يا شابة الغد وأم الجميع، تعيشين في ألم دائم لا يعرف مقياسه إلا أنت والله عز و جل؟ إلى متى ستؤجلين مشاريع حياتك ويفتقد مردودك المجتمع؟ إلى متى سيدفع ثمن عنائك محيطك دون إرادتك؟و إلى متى الخوف من الغد المجهول؟ يجب علينا في زمن التكنولوجيا الحديثة الإحساس بالمسؤولية اتجاه الآخر بهدف مد مشعل التنوير الهادف، لأننا قطعنا شوطاً طويلاً في ما يتعلّق بتحطيم التابوهات الثقافيّة للتحدث عن موضوع، قبل كل شيء، ذو أبعاد اجتماعية و صحية و تعليمية من الدرجة الأولى في كل ما يصب في تنمية المرأة باعتبارها نصف المجتمع وجزء لا يتجزء منه. فلمن يعيش المرض ولا يعرفه لمدة سنوات عديدة من الزمن الضائع الذي سترفع صحيفته للآخرة وتسأل في ماذا كان مردوده وغايته، أرحب بك في سفينة العلم والمعرفة. في ظل هاته الأفكار المبهمة، تعد متلازمة بطانة الرحم المهاجرة من الحالات الغريبة المعقدة التي تعاني منه 1 من 10 نساء في العالم والذي يصعب تشخيصه وعلاجه إلا بعد 7 إلى 8 سنوات وهذا إذا تم تشخيصه كما ينبغي. بطانة الرحم المهاجرة أو ما يدعى("إندومِترِيوزس" Endometriosis) بالإنجليزية أو endométrioses بالفرنسية) تُصاب به المرأة عندما تنمو أنسجة مماثلة للأنسجة المحيطة بالتجويف الداخلي للرحم (تسمّى "بطانة الرحم") خارجه. بعبارة اخرى، "تتسرب" بعض الأنسجة من الغشاء الذي هو ملتصق بالجدار الداخلي للرحم إلى الأعضاء القريبة منه. في معظم الحالات، تحدث تلك "الهجرة" إلى الأعضاء الموجودة في تجويف الحوض وحولها، وتعمل الأنسجة "المهاجرة" من الرحم كأنها ما زالت داخله بمعنى أنها تتفاعل مع الهرمونات التي تؤثر على الرحم سواء في العادة الشهرية أو أثناء الحمل. وفي المقابل، على العكس من أنسجة البطانة الموجودة داخل الرحم، لا يمكن للأنسجة "المهاجرة" الانسلاخ والخروج من الجسم [وتحتبس في دواخله] مما يسبب ألم غير عادي وشديد جدا يتقارب مع ألم الولادة ولايتحمله الجسم الذي يسبب في إعاقة الحياة العادية للإنسان. نعم، اختي، الألم الحاد للدورة الشهرية ليس بالشيء العادي ولست مجبرة للعيش بالألم. و في هذا الصدد، هناك بعض مختصي النساء والتوليد، عند زيارتهم يقال إليك بعد الولادة لن يعود هذا الألم و ان هذا شيئ عادي. لا يا أختي، في الحقيقة فهو يعود ويعود وينتشر أكثر، الألم الحاد ليس عادي، وطريقة انتشار المرض مثلها مثل مرض السرطان ولكنه حميد وليس بخبيت. ما هي الأعراض؟ عموماً، تتطوّر أعراض البطانة "المهاجرة" قبل سن الثلاثين ويمكن أن تشمل فترات حيض شديدة، وتقلّصات الدورة الشهريّة المؤلمة جدا. أحيانا تصل إلى تشنجات مؤلمة في الأمعاء، والشعور بألم في المثانة، وأوجاع فوق طاقة الإنسان في البطن أو أسفل الظهر يمكن أن تستمرّ طوال فترة الدورة الشهريّة، أحيانا بعدها وقبلها ومواجهة مشاكل في الحمل، ألم في الصدر، ألم الرأس، أحيانا ألم عرق النسا، ...الخ) بالنسبة للتشخيص، هذا المرض الذي اكتشف في الخمسينات، إلى حد الساعة لايوجد له سبب ولا جهاز أو تحليل يشخصه غير العملية الجراحية بالمنظار لتشخيص المرض وفي نفس الوقت استئصاله. مما يلوح بالغرابة، أن المريض يجري فحوصات جد دقيقة كالتصوير بالرنين المغناطيسي ويكون سلبيا، و عنصر المفاجأة يكون المريض يعاني في صمت، وفي بعض الأحيان لا يوقن أحد أنه مريض فعلا وأنه مجرد حالة نفسية أو قلق أومرض غير عضوي. فيبقى السؤال الذي يطرح نفسه كيف يؤكد للطبيب نفسه أنه فعلا مريض؟ ثبت حسب الدراسات العلمية الحديثة أن الحل الوحيد الأمثل هو إجراء عملية جراحية عبر المنظار. وهناك طريقتان لإجراء العملية الجراحية، الأولى عبر الاستئصال الجدري للمرض والثانية وهي العملية المتداولة التي يستعمل فيها تسخين الأنسجة (نوع من الحرق) تحت المراقبة. والحل الذي يجب تطبيقه هو الاستئصال الجدري للمرض لأن نسبة رجوعه في هذه الحالة تكون ضئيلة (10-15%). للتحذير، هذا النوع من العمليات دقيق جدا لأنه يخص انتشار المرض عبر أعضاء أخرى السالفة الذكر، ومن هنا يجب أن يكون فريق عمل طبي متكامل والطبيب الجراح يجب أن يكون متخصص في بطانة الرحم المهاجرة وذو كفاءات ومهارات جد عالية وليس طبيب النساء و التوليد نظرا لصعوبة وخطورة العملية بدرجة مرض السرطان. فالمرض كلما تأخر علاجه أو حدث حمل زادت أعراضه ويمكن أن ينتشر إلى القفص الصدري والقلب والرأس والأذن. بالنسبة للحلول الترقيعية الموصوفة عند جل الأطباء، فهي إما حبوب منع الحمل أو العلاجات الهرمونية، والتي ماهي إلا وسائل مؤقتة للمساعدة في تقليل الألم، والتي لها آثار جانبية وخيمة. و الأهم الذي يجب معرفته هو أنها لا توقف انتشار المرض. وفي هذا الإطار، هذا المرض يعيش بوجود هرمون الاستروجين في الجسم، بالنسبة لإستئصال الرحم أو المبيضين فهذا يجلب مشاكل صحية أخرى إلا إذا كان اضطراريا استئصاله لأن هذه البطانة تقوم بإنتاج إستروجنها من مصنعها الخاص، ولا سن اليأس يمكن أن يوقف انتشاره حسب الدراسات الأخيرة. و في بعض الأحيان إن لم يعالج هذا المرض فانه يؤذي إلى السرطان وعدم الإنجاب. رحلة الشفاء من هذا المرض طويلة جدا لصعوبة اكتشاف ما أذى إليه وما خرب من أعضاء أخرى في الجسم،. و ما تسبب في تدهور عظام وهيكلة الجسم بأكمله لسنوات منذ البلوغ. بدون غض النظر عن الحالة النفسية للمريض، ومع الصبر والأمل كل شيء ممكن. الهدف من هذا المقال هو أنني أحاول فقط نشر التوعية، لست بأخصائية في هذا الميدان ولكني درست عن المرض كثيرا والتقيت مع أخصائيين ذو دراية وعلم به، و أحس بحرقة شديدة لنشر التوعية مع سيدات وطني لكي ينهضوا من غفلتهم و من أن الحل ليس بالشيء الهين والسهل. وبمناسبة اليوم العالمي للمرأة أتمنى الشفاء العاجل للجميع وكل عام وأنت امرأة قوية مناضلة ومكافحة رغم الألم، رغم طول الرحلة وعناء السفر وتحدياته، كل عام وأنت بألف خير….يتبع