تتعرض مهنة التوثيق العدلي لعملية إجهاز بطئ تحت أنظار السادة العدول وبإشراف فِعلِي من وزارة العدل التي باشرت مراجعة القانون 16/03 المنظم للمهنة، بطريقة سِمتُها الأساس: التردد والتسويف وإغفال الحسم..؛ أوصاف أفقدت محاولة التعديل دلالاتها، فكانت أشبه بالسهام القاتلة المرتدة في نحر المهنة.. ليس هذا الكلام تعبيرَ يائسٍ من إمكانية الإصلاح، ولا رميا بالألفاظ على عواهنها؛ إنه الحقيقة التي أسفرت عن وجهها القبيح بالنظر إلى مؤشرات الواقع المعيش؛ وفيما يلي عرض لبعض مفردات هذا الواقع المُشين : 1. المهنة تتجه لفقد أصالتها، وعمقها التاريخي، والتصاقها بالمجتمع وهويته، وتعبيرها عن أبعاد شرعية، وقيم فاضلة، واتصاف محترفيها بالعلم والمعرفة، وغير ذلك من المعاني التي تسارع الخطى نحو الاندثار والتلاشي.. 2. استمراءُ الحَجر على العدول والسعي الحثيث للإبقاء عليه من خلال التضييق المستمر في التشريع، وعرقلة كل دعوات الإصلاح الرامية للرقي بالمهنة، وتبني التمييز الصريح لفائدة مهن أخرى تشترك مع خطة العدالة في الوظيفة والرسالة. 3. ابتذال مناقشة تعديل القانون 16/03 المنظم للمهنة بافتعال العوائق، والتلكؤ في إقرار مطالب العدول الأساسية الوجيهة؛ من مثل إلغاء خطاب القاضي الذي ثبت للقاصي والداني أنه إرث ثقيل شكلي، ارتفعت في الواقع كل مسوغات اعتماده تاريخيا، فضلا عن عدم ترتب أية مسؤولية عليه مطلقا، مع منافاته لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وأنه تكليف مُوهن لكاهل القضاء، ووسيلة لسبل الانحراف التي تظهر صور منها هنا وهناك.. 4. تسرع الوزارة الوصية في تضخيم جسم الهيئة الوطنية للعدول بحوالي ثمانمائة عدل نصفهم نساء تقريبا، قبل تعديل القانون 16/03، وعدم توفير ظروف طبيعة للتكوين الكفيل بجعلهم إضافة نوعية للتوثيق العدلي، بعد توزيعهم على مراكز تكوين جهوية ليست بالضرورة مؤهلة، لم تُكسبهم سوى جرأةٍ تُناقض واجبَ التحفظ المقترن بهيبة العدول، كما لم تمنع تَلبُّس بعضهم بدهشة وخوف ظاهرين.. 5. تصلب بعض القائمين على تعديل القانون 16/03 فيما يتعلق بالنقاط الجوهرية التي ينبغي التصدي لها بجرأة، من مثل خطاب القاضي كما أشرنا، والتلقي الفردي أسوة بالموثقين والمحامين، وتأسيس الشركات المهنية، وتحرير رقاب العدول من الرقابة القبلية التي تؤخر الإنجاز وتَحمِل المتعاقدين على اختيار من يُعِدُّ وثائقهم بسلاسة وسرعة؛ فمثلا رسم تفويت عقاري في حالة الاستعجال وبعد اعتماد التسجيل الالكتروني قد لا تتطلب سوى يوم واحد أو بعض يوم. 6. المساومة من أجل إدماج النساخ في المهنة وما يترتب عليه من توسيع كتلة العدول بما يزيد على الحاجة المجتمعية التي كانت دائما معيار فتح الانخراط فيها؛ فالاستغناء عن مهنة النساخة لا يكون بتوريط النساخ وإيهامهم بحل عبثي، بل بالبحث عن وظائف تناسبهم، ومهام تحفظ كرامتهم، وتوجه نشاطهم من مثل الإشراف على حفظ الرسوم، وتنظيم المحفوظات آليا، وإعفائهم التام من العمل اليدوي الشاق المقترن بمخاطر الغفلة والنسيان، وهو بعيد كليا من مطلب المحكمة الرقمية.. 7. التردد في طبيعة تلقي المرأة بعد أن ولجت المهنة؛ خاصة لبعض العقود كالزواج والطلاق.. تلك مفردات تقوم مقام المؤشرات الدالة على سلوك بئيس، لا يُغني عن تتبع مظاهر وصور عملية الإجهاز البطيء لمهنة التوثيق العدلي، وكشف ما تستبطنه من ظلم لمهنة تصارع من أجل البقاء، مما يستوجب العمل الجاد والمكثف على كل الصُّعُد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وتصحيح الوضع، والعودة إلى جادة الصواب بصياغة نصوص ترتقي بالمهنة، وتزيل عنها أعلاق الولادة والنشأة، وترفع عنها أغلال موانع الاستقلالية والمسؤولية والحكامة الجيدة، وتضمن تنافسيتها الميدانية. ومجافاة لحالة اليأس وتجاوبا مع فسحة الأمل هذه بعض المقترحات الملحة والضرورية : 1. في حالة التمسك بالخطاب على الرسوم يجب ّأن يكون بمثابة المصادقة والتعريف بالعدل فقط.. 2. استثناء رسوم العقار المحفظ من الخطاب لوجود رقابة المحافظ على الأملاك العقارية، وأن يكون التلقي وطنيا في العقار المحفظ . 3. اعتماد ما تم الاتفاق عليه سابقا من تقليص عدد الشهود في اللفيف إلى الحد الأدنى، وأن يكونوا مختلطين رجالا ونساء، والاستغناء عنه تماما في الرسوم التي يلزم طالبها بالإدلاء بمستندات مُؤسِّسَة وشواهد إدارية.. 4. إقرار رسمية الرسوم بمجرد توقيع أطرافها لدى العدول واعتماد تاريخ التلقي لرسمية الوثيقة. 5. انسجاما مع الجهوية الموسعة كتنظيم ترابي متجانس يلزم توسيع دائرة تلقي العدول لتشمل الجهة الإدارية بدلا من نفوذ محاكم الاستئناف . 6. أن تكون شهادة الماستر المؤهل العلمي الأدنى لقبول الانخراط في سلك العدول. 7. العمل على منح السادة العدول صندوق الإيداع احتراما لمبدأ تكافؤ الفرص الذي تقره التشريعات الوطنية والدولية. * عدل بالدائرة القضائية لمحكمة الاستئناف بالعيون