"انه في وضع لا يملك معه أن يجيبني" هي كما بلغ الى علم الرأي العام المغربي احدى أهم العبارات التي تضمنها بلاغ الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الالاه بنكيران، مجيبا فيه عن موقف رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار عزيز أخنوش التناوريمن مشاورات تشكيل الحكومة. والأهم في ذلك هو ايماءتهبتلك الإشارة اللماحة الى أن هناك من يقف وراء أخنوش ويملك قراريته، وقد نحت لهذا الغرض تعبير "لا يملك" ونحن نعلم أن الفاعل الوحيد الذي يملك القدرة على التأثير في الفاعلين الاخرين بالكيفية التي تخدم مصالحه وأغراضه لا يمكن أن يكون الا قويا من حجم من "يملك ليحكم". ان التفكير بصوت عال في ما أوعز اليه بنكيران يوسوس لنا بفرضية أن يكون القصر هو راعي "جرجرة" مسار تشكيل الحكومة، حيث عنت أجواء المشاورات العسيرة أن هناك طرفا من خارج العملية التفاوضية يقوم بتفويض أو انابة وكيل للقيام بمهام محددة. فالوكالة تسمح للقصر بتحقيق استراتيجيته دون الاصطدام باستقلالية التكليف المسند الى رئيس الحكومة المعين التي هي أبرز مكتسبات ما بعد دستور 2011. وهي تجد تفسيرها في ممارسة القصر للقوة الناعمة أي تحقيق مصالحه عبر القدرة على التأثير في تشكيل الحكومة وليس عبر التدخل المباشر في الترتيبات التي يباشرها رئيسها. فبحكم تغير طبيعة الصراع بين القصر والقوى الحزبية، واكتسابها صيغا غير تقليدية، انفرض عليه تغيير أساليب المواجهة لتحقيق مصالحه بالاعتماد على وكلاء يتعاملون مع البنيات السياسية للتحفيز على تغييرات لم يعد بإمكان القصر استدخالها بشكل مباشر. حيث تحولت سياقات العلاقة بين طرفي الصراع من الحالة العنيفة الى الحالة اللطيفة، خاصة في ظل إدراك أنه ليس بالإمكان الغاء الصراع، وانما تحويله عبر مهام متعددة اعتمادا على نمط التعهيد أو اسناد وظائف معينة الى الوكلاء. وعلى أساس ما سبق، وبعدما كان الأمر متعلقا قبل الانتخابات التشريعية الأخيرة بازاحة حزب العدالة والتنمية عن قيادة الحكومة من خلال حركات ساخطة قد تحل بديلا له، حيث تم توكيل قيادة هذه المهمة الى حزب الأصالة والمعاصرة، وإذ استطاع الحزب الحاكم العودة بقوة الى مربع السلطة، صار القصر بعد يقينه بصعوبة هزيمة هذا الحزب كليا يستهدف تحقيق مساحة من النفوذ داخل مناطق الصراع الناعم مع الحزب الأغلبي للمرة الثانية على التوالي، وبغرض تخفيض التكلفة التي تحمّلها عقب رعاية مواجهة حزب الأصالة والمعاصرة للحزب الإسلامي بوسائل الدولة تبعا للعلاقة السابقة للمستشار الملكي فؤاد عالي الهمة بالحزب الوكيل في مرحلة تأسيسه، حاول القصر إيجاد منافسة بين عدد من الوكلاء على تمثيل أفضل لمصالحه. ولذلك فأمام عدم كفاءة الحزب الذي أسسه صديق الملك في تنفيذ مهمة قطع الطريق على وصول الإسلاميين الى تصدر نتائج الانتخابات، وبعد ميل موازين القوة لصالح هؤلاء بعد نجاحهم في الاستفتاء على حصيلة حكومتهم المنقضية ولايتها، عمد القصر الى انتهاج "استراتيجية التوازن عن بعد" عبر ابقاء ضغطه على حزب العدالة والتنمية لكن دائما بشكل يمنع المواجهة المباشرة، وفي هذا الاطار يندرج التوكيل الجديد المسند الى حزب التجمع الوطني للأحرار، وهو ما يجنبالقصر، في ضوء الطبيعة السرية لعلاقات الوكالة وللعلاقات غير المباشرة في الصراع، أي مسؤولية سياسية أو أخلاقية عن فشل رئيس الحكومة في جمع الأغلبية الضرورية، خاصة وأنه يستقوي بكون الارادة الشعبية بوّأت حزبه ريادة المشهد الانتخابي. ولأن الوكالة هي تعبير عن اختلال ميزان القوة، حيث يمارسها الأقوى اتجاه الأضعف، فإنها تكفل للراعي القدرة على ممارسة التأثير والتوجيه لسلوكيات الوكيل حتى ولو بدا هذا الأخير بمظهر عديم المسؤولية أمام الفاعل موضوع الاستهداف، وهو ما جعل أخنوش يبدو كمن يختلق الذرائع ويتجاوز صلاحيات رئيس الحكومة المعين صاحب سلطة التفاوض حينما اشترط عدم انضمام حزب الاستقلال الى جانبه في نفس التحالف الحكومي. بل وحتى بعدما تم اخراج حزب الاستقلال من دائرة المفاوضات على خلفية تداعيات تصريح أمينه العام حميد شباط حول الحدود الموريتانية، اذ في سياق استئناف التفاوض، وفي انتظار أن يحسم أخنوش مع بنكيران في شأن سؤال المشاركة في الحكومة وذلك بعدما التزم بالرد عليه في ظرف يومين، نزع الى المخاتلة في الجواب عبر بلاغ مشترك مع امحند العنصر ومحمد ساجد وادريس لشكر الأمناء العامون على التوالي لأحزاب الحركة الشعبية والاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي يشترط فيه الاجتماع بحلفائه الثلاثة المذكورين أعلاه ضمن تركيبة الحكومة. ان القصر لا يفاوض وانما يدير المفاوضات من الخلف، وهكذا تبدو سيادته على مدخلات تشكيل الحكومة كأنها قدرته على فرض النظام السياسي على الحزب، وهو تحرك يقوم به لأجل حماية أسس النظام من مخرجات مفاوضات يقودها بنكيران بعقيدة التفوق، مما قد يؤكد الجوانب الإيجابية في سلوكه السياسي أمام نظر المواطن، وبالتالي يعزز رصيد شعبية الحزب الحاكم. غير أن القصر يسعى الى اخضاع هذا الأخير من دون مواجهة في محاولة للمسك بزمام العملية السياسية التي لم يتحكم في نتائجها، وذلك من خلال اضعاف مركز وإمكان بنكيران التفاوضي في أفق دفعه الى الاستنقاذ بالملك. لكنمع عدم ثقته في كفاءة الوكيل (حزب التجمع الوطني للأحرار) في تنفيذ مهامه لاسيما في ظل ميل موازين القوى لصالح (حزب العدالة والتنمية) بعد بلاغ أمينه العام الذي أسقط عنه تهمة افشال مشاورات تشكيل الحكومة ونسبها الى الطرف الوكيل ومن معه، قد يضطر القصر الى الجمع بين الانخراط المباشر المحدود العلني وهو ما أوحى به ارسال مبعوثين من مستشاري الملك الى بنكيران قصد تنبيهه الى الإسراع بتشكيل الحكومة، وغير المباشر عبر الية الوكالة الأمر الذي يجعلها ناقصة ويهدد بنقلها الى صراع بالأصالة بين القصر وحزب العدالة والتنمية.