استطاع ابن كيران أن يكسب حب و تقدير جزء من المغاربة، رغم شرعنته لسياسات " الإستبداد الناعم " و تزكيته لقرارات مجحفة في حق العديد من المغاربة، كما كان له نصيب من السخط و الغضب و النقد اللاذع من جزء آخر من الشعب لأنه ساهم في يأسهم و إحباطهم.. لكن بكل صدق و إنصاف، فالرجل كان ذكيا و إستراتيجيا في رؤيته لتركيب " مونطاج" السياسة العمومية و مخرجاتها، خصوصا في ظل بيئة سياسية إستشرى فيها طاعون إسمه " الحقد الإيديولوجي" الذي يعمي البصائر و يكلس العقول و يقتل الضمائر، نصرة لأمجاد الأطلال.. و انتشر فيها " مسامر الميدة " او " المريكلين بزاف".. و كذلك وجود بناء متراص من اللوبيات المحتكرة لإنتاج و توزيع الثروة بغطاء " قانون اللاتكافؤ " و بتواطؤ مع من يدور في فلك التسلط و " الهريف" المادي و الرمزي.. بالإضافة إلى كثرة التناقضات الداخلية ( العرقية، اللغوية، الثقافية، الإجتماعية، الاقتصادية……..) المترسبة عبر الموروثات السوسيوثقافية و التي تعيق مسار الإنتقال الديمقراطي و تزيحه عن سكته الحقيقية بفعل إنقسام المجتمع و تشبته بإستمرار التناقضات الثانوية كمحدد لفهم و تفسير الظاهرة السياسية، لصالح ترسيخ ميزان النخبة المتغولة في المفاصل الصلبة لقوة السلطة الحقيقية و الرئيسية..و كذلك وجود تناقضات خارجية مثمتلة في الحلفاء الموضوعيين للنظام السياسي و على رأسهم بعض دول البيترودولار و الغرب الديمقراطي داخليا و المنافق الديكتاتوري خارج حدوده في إنسجام تام مع مصالحه و توجهاته الهادفة إلى نهب ثروات الشعوب و حماية الأنظمة المحافضة على مصالحه الإستراتيجية و و و… و رغم حقيقة كل ما ذكرناه سالفا، كنا سنتماهى مع مخرجات السياسات العمومية التي أدت إلى إرتفاع الأسعار و تفقير شريحة عريضة من الشعب، كتكتيك مرحلي لو كان الهدف الإستراتيجي هو هدم الثمتلات الواهمة التي تكبح منهج التفكير الحر الذي يتغيى التفكير النقدي و العقلاني كأداة للإهتمام بالفعل السياسي الصادق من أجل تعميق الوعي بأخد المبادرة و تجدير الإمتداد الشعبي في أفق دمقرطة النسق السياسي و مأسسته بعيدا عن الشخصنة و تقديس االبشر و القطع مع منهاج الإحسان المهين لكرامة الناس..لكن و بكل حسرة و تأسف، تراجعنا إلى النهج السلطوي بشكل بشع، كأنه قدرنا المحتوم أن نعيش فوق "سراط السقوط المتكرر".. فعلاً قامت السلطة الحاكمة بإزاحة بن كيران رغم ولائه لمؤسسات الدولة و قدرته على تنزيل سياساتها بفضل تواصله المرن و"الواقعي" و كاريزميته في تأسيس زعامة رمزية بوعي منه أو بدونه.. و هنا تكمن مشكلة بن كيران، لأنه قفز على بروتوكولات السلطة و كرس مظهر الزعيم، إذ أصبح بن كيران مصلحا وقائدا، مما جعله في تنافس على دلالات الرموز اللامادية للسلطة التي تؤثر في سيكولوجية جزء من الرأي العام.. كل هذا وذاك جعل السلطة تفكر في طريقة غبية لإبعاده، و هو ما تأتى في مسرحية البلوكاج المخدوم، لأن خصوصية السلطة لا تتحمل ظهور ظاهرة "الزعامة السياسية" خارج المألوف..اما واقع الحال لم ينس الظاهرة " البنكيرانية" رغم علاتها، لا زال طيف بن كيران يخيم على الجميع.. غيابه يذكر به ربما أكثر من حضوره.. يظهر البرلمان وجلساته على التلفاز فينظر الناس لعل بن كيران يخرج من بين النواب و يتوجه إلى المنصة ليلقي خطابه و يصدح في وجه الجميع كما يفعل دائما.. يتوتر الوضع في الحسيمة فيتسائل الجميع ماذا لو كان بن كيران؟ ترى ما موقفه مما يحدث؟ لماذا لا يقول شيئا؟ يطلبون من بن كيران أن يحدثهم و يشير عليهم بشيء (أي شيء) مع أنه أصبح خارج اللعبة و لا يأبهون لمن حلوا مكانه سواء أقالوا شيئا أم لم يقولوا.. تزور الحكومة كلها الحسيمة و لا يهتم الناس كثيرا، و يستقبل بن كيران أبوي الزفزافي فيصبح الحدث العنوان المتصدر لكل النقاشات و في كل المنابر الاعلامية.. بكل موضوعية و تجرد، فإبنكيران إستطاع أن ينغرس في وجدان و عقول الناس، الموالين له و حتى معارضيه.. و هذا ما يخيف بنيات المخزن الواحد الأحد.