يدخل منتخب البرازيل غدا الثلاثاء غمار واحدة من أهم محطات تاريخه الكروي عندما يواجه نظيره الألماني في أولى مباريات دور نصف نهاية النسخة ال20 لكأس العالم في كرة القدم (البرازيل 2014)، وهو تحت ضغط مجموعة من الإكراهات أبرزها تحقيق آمال 200 مليون برازيلي في تعويض خيبة أمل مونديال 1950 والحصول على النجمة العالمية السادسة ومواجهة واقعية وصلابة منتخب ألماني متيقظ ومتعاضد ومندفع وقادر على فرض نفسه والنتيجة. وعلى الرغم من صعوبة المهمة، خاصة بعد صدمة الشعب البرازيلي ومعه عشاق الساحرة المستديرة عبر العالم من إصابة النجم والهداف الواعد نيمار دا سيلفا خلال مباراة ربع النهاية الجمعة الماضي أمام منتخب كولومبيا (2-1) والتي ستبعده عما تبقى من مباريات النسخة ال20، فإن هذه الآمال تبقى أكبر من جميع الإكراهات. وبعد نكسة الأجداد، الذين تجرعوا مرارة تلك الهزيمة التاريخية والمفاجئة في عقر دارهم أمام منتخب الأوروغواي (1-2) في نهاية أول مونديال استضافوه سنة 1950، يعول الأحفاد، الذين يسكنهم هاجس رد الاعتبار لكرة القدم البرازيلية، على عزيمة وإصرار أصدقاء العميد تياغو سيلفا الذي سيغيب بدوره عن مباراة نصف النهاية المقررة الثلاثاء المقبل في بيلو هوريزونتي، مع منتخب ألمانيا العتيد والمتأهل بدوره إلى المربع الذهبي على حساب منتخب فرنسا بالفوز عليه بهدف دون رد. وستكون المواجهة القادمة بين المنتخب البرازيلي، صاحب الرقم القياسي بعدد الألقاب (5 مرات) سنوات 1958 و1962 و1970 و1994 و2002 والذي بلغ المربع الذهبي للمرة الأولى منذ 12 عاما، ونظيره الألماني، الساعي لتحقيق لقبه الرابع بعد (1954 و1974 و1990)، إعادة لنهاية نسخة 2002 بكوريا الجنوبية واليابان حين خرج منتخب "سيليساو" فائزا بثنائية نظيفة في المواجهة الوحيدة بينهما في العرس الكروي إلى جانب تلك التي جمعت البرازيليين بمنتخب ألمانيا الشرقية في الدور الثاني من مونديال 1974 (1-0). ويأمل المنتخب البرازيلي أن يكرر السيناريو الذي اختبره في المناسبات الثلاث الأخيرة التي تجاوز فيها حاجز دور ربع النهاية، أي عامي 1994 و2002 حين توج باللقب على حساب منتخبي إيطالياوألمانيا على التوالي وعام 1998 حين خسر أمام منتخب فرنسا (المضيف). وواصل منتخب البرازيل تألقه في معقله حيث لم يخسر في المسابقات الرسمية منذ 39 عاما، وتحديدا منذ عام 1975 حين سقط في بيلو هوريزونتي أمام منتخب البيرو 1-3 في ذهاب دور نصف نهاية مسابقة كوباأمريكا (أقيمت البطولة حينها بنظام مسابقات الدوري) قبل أن يفوز إيابا 2-0 دون أن يجنبه ذلك الخروج من المسابقة، علما بأن خسارته الأخيرة على أرضه على الصعيد الودي تعود إلى عام 2002 ضد منتخب الباراغواي في مباراة خاضها المدرب الحالي سكولاري بتشكيلة رديفة لأن "أوريفيردي" كان قد توج للتو بلقب مونديال 2002 في كوريا الجنوبية واليابان. وأقر المدرب سكولاري أن فريقه "في وضعية صعبة بالنسبة إلى المباراة مع منتخب ألمانيا"، في ظل غياب نيمار، الذي سجل 4 من 10 أهداف لمنتخب بلاده حتى الآن في النهائيات، والعميد سيلفا، وهو الذي يبحث عن تجنب تداعيات الفشل في إحراز لقب أهم حدث كروي للمرة الثانية على أرض البرازيل، خاصة في ظل الخيارات المحدودة في الخط الأمامي لتبقى الآمال معلقة على اللاعب فريد (30 عاما) مهاجم نادي فلوميننسي، الذي سجل هدفا واحدا حتى الآن وفشل مرة جديدة في أن يكون مقنعا في مواجهة منتخب كولومبيا وسيحتاج لاستعادة الأداء الذي جعله هدافا لكأس القارات العام الماضي، بعدما باتت مهمة التهديف الآن ملقاة على كاهله. وعن هذه المباراة، أشار نجم المنتخب البرازيلي السابق الظاهرة رونالدو، صاحب الرقم القياسي بعدد الأهداف في نهائيات كأس العالم مشاركة مع الألماني ميروسلاف كلوزه (15 هدفا)، إلى أنه مرتاح لمواجهة منتخب بلاده نظيره الألماني عوضا عن منتخب فرنسا في دور نصف النهاية. وقال رونالدو، الذي قاد منتخب "سيليساو" إلى إحراز اللقب العالمي الأخير له عام 2002 بتسجيله ثنائية الفوز في مرمى منتخب ألمانيا في المباراة النهائية، "أفضل أن نواجه الألمان في نصف النهاية لأن الفرنسيين كانوا بمثابة الكابوس بالنسبة لنا في كأس العالم". وفي الجهة المقابلة، يبدو أن أحلام منتخب ألمانيا بإحراز اللقب الرابع بدأت تكبر خاصة وأن مشوار "ناسيونال مانشافت"، الذي بلغ المربع الذهبي للمرة الرابعة على التوالي في كأس العالم، توقف في نسختي 2006 على أرضه و2010 بجنوب إفريقيا عند دور نصف النهاية. وتتعاظم الآمال مع تواجد مجموعة تضم لاعبين كبار يملكون خبرة دوري الأبطال الأوروبي، وفيهم تكمن معادلة الفوز باللقب العالمي وليس فقط اللعب على المركز الثالث. والذين يحققون الانتصارات الصغيرة في طريق استعادة الفعالية المعروفين بها منذ زمن بعيد". وأعرب يواكيم لوف، مدرب المنتخب الألماني عن سعادته لمواجهة منتخب البلد المضيف في دور نصف النهاية من مونديال 2014، متحدثا عن لقاء "جميل وكبير". وقال "ما يمكن أن يكون أجمل في أرض الأحلام الكروية من مواجهة مستضيف كأس العالم في دور نصف النهاية. ستكون مباراة كبيرة جدا". أما عميد منتخب ألمانيا السابق لوثار ماتيوس، الذي حمل آخر كأس للعالم لمنتخب بلاده عام 1990 في إيطاليا والذي رأى أن إصابة نيمار مفيدة لمنتخب ألمانيا لكنها سيئة لكرة القدم، فأكد أنه تنتظر "ناسيونال مانشافت" اختبارا صعبا في نصف النهاية ضد أصحاب الضيافة، "لكن خلافا لذلك (خلافا لكون البرازيل المضيفة)، ليس هناك أي شيء نخشى منه في هذا الفريق (البرازيلي)". وبدوره، ذكر رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم وولفغانغ نييرسباخ بنهاية 2002، قائلا "لقد ذكرت الفريق بأننا نريد تصحيح تلك النتيجة". ومن جهته، رأى المهاجم ميروسلاف كلوزه، الذي كان ضمن تشكيلة نهائيات 2002 والتي توج هدافا لها، أن منتخب بلاده يملك فرصة كبيرة لرفع الكأس الغالية، مضيفا "أعتقد أننا نملك فرصة كبيرة لكي نتمكن أخيرا من الإمساك بها ووضعها بين أيدينا. لكن لا يجب أن نخطو الخطوة الثانية (أي النهاية) قبل أن نخطو الأولى". ومن المؤكد أن المنتخب الألماني يريد تجنب الخسارة أمام منتخب البرازيل والاكتفاء للمرة الثالثة على التوالي بخوض مباراة تحديد صاحب المركز الثالث، وهذا ما تحدث عنه العميد فيليب لام الذي كان مع المنتخب حين انتهى مشوار الأخير في نصف نهاية 2006 و2010، قائلا "أنا حقا لست بحاجة إلى ذلك (أن يعيش تجربة المركز الثالث مجددا). أريد حقا أن استبعد حصول هذا الأمر". ويسعى الألمان إلى بلوغ نهاية كأس العالم للمرة الثامنة في تاريخهم والصعود إلى أعلى درج في منصة التتويج في بطولة كبرى للمرة الأولى منذ كأس أوروبا 1996. يذكر أن منتخب ألمانيا سيخوض غمار دور نصف النهاية للمرة الثالثة عشرة من أصل 20 مشاركة، وهذا إنجاز لم يحققه أي منتخب آخر في تاريخ نهائيات العرس الكروي العالمي.