طفت في الآونة الأخيرة على سطح المشهد النقابي الفوسفاطي سجالات موسعة بشأن انتخاب التباري بردود كاتبا عاما للجامعة الوطنية لعمال الفوسفاط المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل في مؤتمرها الوطني السابع، وتفرق هذا السجال بين مشكك في طريقة اختيار الكاتب العام، ومؤيد يرى أن نقابة المحجوب بن الصديق دأبت على تبنّي الديمقراطية والشفافية كشعار ومبدإ أساسيين منذ المهد. وما بين هذا وذاك تفرعت خطوط الدراما النقابية الفوسفاطية في سيناريوهات التنقيص من الأفراد والتشكيك في نواياهم، فتمخّض عنها انبثاق أمراض وعاهات في الجسم النقابي العليل، فعلى اختلافنا أو اتفاقنا مع اختيار وقناعة المناضل الكونفدرالي السابق بردود، إلا أن حرية الاختيار وإرادة الإصرار تلزماننا بالوقوف باعتدال أمام منتخبي الإطار. ففي الوقت الذي احترمت فيه موقف الكونفدراليين المسفيويين في تجميد عضوية الكاتب العام الحالي للجامعة الوطنية لعمال الفوسفاط واعتبرته وقتئذ صرامة تنظيمية تروم ضبط الصف وتحصينه من الأنواء، في الوقت نفسه ثمّنت إصراره على استكمال مسيرة النضال النقابي وعدم استسلامه لليأس ووجع الصدمة، بالرغم من بعض الملاحظات الجزئية الخاصة. لكن، وفي خضم هذا الحديث التبخيسي المصنف، أليست طبيعة المرحلة تقتضي منا جميعا التفكير بجدية في الرقي بالفعل النقابي الفوسفاطي للتخلص من النمطية المقيتة واصطياد الهفوات في الماء العكر، ومن ثمة السعي إلى نشر وتعميم ثقافة الديمقراطية داخل الجسد الفوسفاطي، والمشاركة الطوعية الفاعلة، والاختيار الحر، والجهر بصوت واحد أمام ثقافة الشمولية والسلطوية المتجذرة في الكيان النقابي القطاعي، على الأقل من أجل الحفاظ على نتاج تاريخ النضال النقابي الفوسفاطي.
إن المستجدات الفوسفاطية الراهنة خصوصا ملف تفويت التغطية الصحية وما أفرزه من تمظهرات ميدانية بشأن تغييب وإقصاء الفرقاء النقابيين، أيضا التحدّي الكبير الذي قد يضع الفعل النقابي وفاعله على المحك والذي يتجسد في إحدى الإشارات أو التأشيرات إذ صحّ التعبير الذي تضمّنها تقرير 2011 بخصوص إمكانية تحويل عقدة الشغل مدى الحياة إلى التعاقد المحدّد استجابة للشركاء الاقتصاديين ومسايرة للسوق الدولية. جميعها عوامل تفرض على الفاعلين النقابيين الفوسفاطيين التفكير بجدية في تحديات المرحلة المقبلة بعيدا عن الحسابات الضيقة والحساسيات المفرطة بهدف حماية الشغيلة كمطلب أساسي، فضلا عن الحفاظ على المكتسبات. وهذا لن يتأتى إلا إذا أصبحت الوحدة النقابية هدفا استراتيجيا في برامج وسلوك مختلف النقابات، كما يستلزم عليهم الاهتمام بالعامل البشري وتأهيله ليصبح فاعلا نقابيا مسلّحا برؤية نقابية وإجراء نضالي من أجل المساهمة في تفعيل العمل النقابي الهادف.
من هنا، أعتقد أن ضمان الانتقال إلى ممارسة نقابية تشاركية بمنطق الذات الواحدة يقتضي منا جميعا العمل على نشر وتعميق ثقافة قبول الآخر، واحترام الأغيار، والاقتناع بأن الأقلية اليوم يمكن أن تصير أغلبية غدا في ظل حركة المد والجزر التي بات يشهدها شاطئ العمل النقابي الفوسفاطي.