من منا لم يتألم تالم البوعزيزي والنار تلتهم وجوده إلى الأبد، لم يكن احد منا يعلم أن هذا الحادث سيغير مجرى تاريخ بأسره،حادث أعتبر كعود ثقاب انطلقت شرارته لتجد حولها أكوام قش جاف نتن يقبع فوقها حاكم مستبد، نعم نظام حكم محشو بالتبن والقش أشبه بالعلامات والدمى التي يصنعها الفلاحون بالحقول لترهيب الطيور من الاقتراب من المحصول،شرارة انطلقت فحولت نظاما بأسره إلى رماد تبخر بفرار الحاكم إلى البيت المقدس الذي تحول إلى ملجإ آمن للمستبدين ، هذه القدسية تحولت تباعا إلى لعنات أججت ما تبقى من الحمم لتنتقل إلى الأكوام المجاورة، بل فندت بين عشية وضحاها أسطورة مبارك الخالدة ،لم تنفع معها توسلات الزعيم ولا دهاءه المدعم بفزعات الإرهاب والأمن العام والخصوصيات وغيرها من اليافطات، التي لا زالت تستعمل من طرف ما تبقى من الأنظمة "القشية" عبر الجغرافية العربية.انتشر اللهب ليشمل البلد السعيد الذي وجد أكوامه المتهرئة نتنة مبللة بطقوس قبلية تنتظر التجفيف أمام تعنت الصالح الطالح ،بل عرجت شرقا لتطال ذخائر المجنون الحية التي انفجرت في كل بيت بيت وبكل دار دار وزنقة زنقة ، مسلية عشاق الكوميديا التراجيدية ،و مسيلة لعاب تجار السلام ، الذين هرعوا وأمطروا أكوام البريقة وراس لانوف وسرت وغيرها من أكوام القش النتنة. شظايا جسدك المتفحم بلغت أقصى الجغرافية العربية لتكشف عن الوجه الحقيقي لمؤسسات صورية جوفاء، لا تنتج إلا المزيد من الديماغوجية والنفاق السياسي ،نعم مؤسسات أنهكتها سياسات الصناديق المتخمة المصادرة لإرادة كائنات هرمت قبل الأوان تعيش على قطعة خبز وماء عكر تسميه مجازا بنا أو شاي.عرجت شظاياك على أخطبوط الشام الذي يحكم قبضته بلغة الطوائف ويحكم بالرآسة الوراثية التي لم ترد سلفا بأي قاموس سياسي عبر التاريخ. شظاياك كانت لهبا ولا تزال، لم ولن تتمكن خراطيم القمع يوما من إخمادها ، أبت إلا أن تنتقم لروحك المتمردة بأقصى التمرد، أبت إلا أن تقيم لك تأبينا خالدا بالزلازل السياسة المغيرة لوجه الطبيعة الجغرافية ، وبلفظ الحمم جبالا وتلالا تجمدت بوثقة حرية وانعتاق وكرامة. عبثا حاولوا بصفعة إخراس معاناتك ،التي حولتها بقدرتك على حرق ذاتك لذاتك ، إلى فتوحات تاريخية نعجز عنها بجبننا وخوفنا وتملقنا وخنوعنا واختيارنا العيش بين الحفر.