الحمد لله الغفار يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار , و يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها , والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين , وبعد : الله أمرنا بالتوبة إليه، والاستغفار من ذنوبنا، في آيات كثيرة من كتابه الكريم، وسمى نفسه ووصفها بالغفار وغافر الذنب وذي المغفرة، وأثنى على المستغفرين ووعدهم بجزيل الثواب، وكل ذلك يدلنا على أهمية الاستغفار، وفوائده ، فما هي فوائد الاستغفار ؟ من فوائد الاستغفار : - أنه سبب لمغفرة الذنوب قال تعالى : { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً } [نوح : 10] , وقال عزَّ وجلَّ أيضا : {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا }[النساء: 110] , وجاء في الحديث القدسي الذي أخرجه مسلم في صحيحه: (( يا عبادي إنَّكم تُخطِئُون بالليل والنهار وأنا أغفِرُ الذُّنوب جميعًا فاستَغفِروني أغفِر لكم )). وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( قال الله تعالى : يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي , يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك , يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة )) أخرجه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح . وعن أَبِى هريرة رضي الله عنه ، أَن رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قَال : (( يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبارك وتََعالَى كُلَّ لَيلَة إِلَى السماء الدنيا ، حِين يبْقَى ثُلُثُ اللَّيل الآخر يقول : من يدعوني فَأَستَجِيبَ لَهُ ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ )) رواه والبخاري ومسلم . - نزول الأمطار قال تعالى : { وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً } [هود : 52] . - الإمداد بالأموال والبنين قال عز وجل : { وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} [نوح : 12] . - إجابة الدعاء : قال تعالى حاكيًا عن صالح - عليه السلام - أنَّه قال لقومه: { يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ } [هود: 61]، فوعد الله مَن استغفَره وتاب إليه بإجابة الدعاء . - دخول الجنة قال تعالى : { وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً } [نوح : 12] . - زيادة القوة بكل معانيها : { وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ } [هود : 52] . - المتاع الحسن :{ وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ } [هود : 3] . - دفع البلاء :{ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [الأنفال : 33] - ومن فوائده أنَّه سببٌ في هلاك الشيطان: فقد قال ابن القيم - رحمه الله -: إنَّ إبليس قال: " أهلكت بني آدم بالذنوب، وأهلكوني بالاستغفار وبلا إله إلا الله ، فلمَّا رأيتُ ذلك بثَثْت فيهم الأهواء، فهم يُذنِبون ولا يتوبون؛ لأنَّهم يحسَبُون أنهم يُحسِنون صنعًا " - فبالاستغفار يَصفُو القلب وينقى، كما جاء في الحديث الصحيح الذي أخرَجَه الترمذي وقال: حسن صحيح وصحَّحه الألباني: عن أبي هريرة - رضِي الله عنه - قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : ((إنَّ المؤمن إذا أذنَبَ كانت نكتة سوداء في قَلبِه، فإنْ تاب ونزَع واستَغفَر صقل قلبه، وإنْ زاد زادتْ حتى يعلو قلبه ذاك الران الذي ذكر الله - عزَّ وجلَّ - في القُرآن: { كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [المطففين: 14]. )) . - والاستِغفارُ له تأثيرٌ عجيبٌ في زَوال الهموم والغموم وتفريجِ الكروب، يقول ابن القيم - رحمه الله - مُبيِّنًا ذلك في كتابه زاد المعاد: (( فالمعاصي والفَساد تُوجِب الهمَّ والغمَّ والخوف والحزن وضيق الصدر، وأمراض القلب، حتى إنَّ أهلَها إذا قضوا منها أوطارهم وسئمَتْها نفوسُهم ارتكَبُوها دفعًا لما يجدونه في صُدورهم من الضيق والهمِّ والغمِّ... وإذا كان هذا تأثير الذنوب والآثام في القلوب فلا دواءَ لها إلاَّ التوبة والاستغفار)) . - الاستغفار سبب لنزول الرحمة قال سبحانه وتعالى : {لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [النمل : 46] ,وقال أيضا { وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ } [هود: 90 ] . وهو كفارة للمجلس , وهو تأس بالرسول صلى الله عليه وسلم , لأنه كان يستغفر الله في المجلس الواحد سبعين مرة , وفي رواية : مائة مرة . وهذه قصة في فضل الاستغفار وقعت للخباز مع الإمام أحمد بن حنبل , كان الإمام أحمد بن حنبل يريد أن يقضي ليلته في المسجد , ولكن مُنع من المبيت في المسجد بواسطة حارس المسجد , حاول معه الإمام ولكن دون جدوى , فقال له الإمام سأنام موضع قدمي , وبالفعل نام الإمام أحمد بن حنبل مكان موضع قدميه , فقام حارس المسجد يجره لإبعاده من مكان المسجد , وكان الإمام أحمد بن حنبل شيخ وقور تبدو عليه ملامح الكبر , فرآه خباز فلما رآه يجر بهذه الهيئة عرض عليه المبيت , وذهب الإمام أحمد مع الخباز , فأكرمه ونعّمه , وذهب الخباز لتحضير عجينه لعمل الخبز , المهم الإمام أحمد سمع الخباز يستغفر ويستغفر , ومضى وقت طويل وهو على هذه الحال , فتعجب الإمام أحمد بن حنبل , فلما أصبح سأل الإمام أحمد الخباز عن استغفاره في الليل , فأجابه الخباز , أنه طوال ما يحضر عجينه ويعجن فهو يستغفر , فسأله الإمام : وهل وجدت لاستغفارك ثمره , والإمام أحمد سأل الخباز هذا السؤال وهو يعلم فضل الاستغفار , فقال الخباز : نعم , والله ما دعوت دعوة إلا أُجيبت , إلا دعوة واحدة فقال الإمام أحمد : وما هي ؟ فقال الخباز : رؤية الإمام احمد بن حنبل , فقال الإمام احمد : أنا أحمد بن حنبل , والله إني جررت إليك جرا وفي الختام أسأل الله أن يغفر لنا ويتجاوز عنا , ويعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته , وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .