" الاتحاد الوطني للشغل": تسريبات لجنة الأخلاقيات تكشف خطيرة وتضرب في عمق التنظيم الذاتي للمهنة    حموشي: الرؤية المغربية تربط الأمن بحقوق الإنسان.. والتحديات تحتم تطوير الاستراتيجيات    "حزب الكتاب" يرفع مذكرة الحكم الذاتي    اتحاد حماية المستهلكين: منتوج زيت الزيتون المغربي سليم وآمن للاستهلاك    ميناء الحسيمة : انخفاض نسبة كمية مفرغات الصيد البحري    حكيمي: "أشعر بتحسن.. وهدفي الوصول إلى كأس أفريقيا في أفضل حال"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    دراسة علمية تشير لإمكانية إعادة البصر لمصابي كسل العين        وقفة احتجاجية بتطوان تضامنا مع فلسطين والسودان ورفضا للتطبيع            شركات مغربية تبحث الاستثمار في غانا    اعتداء على أستاذة حامل يشعل غضب الجامعة الحرة للتعليم بأولاد فرج والتنظيم النقابي يحمّل المديرية الإقليمية المسؤولية    بنعليلو: الزمن السياسي يفرض علينا الانتقال من رصد جهود مكافحة الفساد إلى قياس النتائج ومساءلة الأثر        سيناتور يمينية متطرفة ترتدي "البرقع" بمجلس الشيوخ الأسترالي وتثير ضجة بالبرلمان    إقالة وتوبيخ ضباط إسرائيليين كبار بسبب الفشل في توقع هجوم 7 أكتوبر    الجيش السوداني يرفض اقتراح اللجنة الرباعية لوقف إطلاق النار ويصفها ب"غير محايدة"    واشنطن ‬تكثف ‬حضورها ‬بالداخلة ‬تمهيداً ‬لافتتاح ‬القنصلية ‬الأمريكية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    احتجاجات صامتة في الملاعب الألمانية ضد خطط حكومية مقيدة للجماهير    ألونسو: هذه هي الكرة حققنا بداية جيدة والآن النتائج لا تسير كما نتمنى        الاتحاد ‬الأوروبي ‬يجدد ‬عدم ‬اعترافه ‬ب«جمهورية ‬الوهم ‬‮»‬ ‬و ‬يحمل ‬نظيره ‬الافريقي ‬مسؤولية ‬إقحامها ‬في ‬الاجتماعات ‬الثنائية ‬المشتركة    المغرب ‬قطب ‬للإشعاع ‬الإفريقي ‬ولبناء ‬المستقبل ‬الواعد ‬للقارة ‬السمراء    بغلاف ‬مالي ‬يصل ‬إلى ‬6.‬4 ‬مليون ‬درهم.. ‬إطلاق ‬خطة ‬استراتيجية ‬لمواجهة ‬‮«‬ضغط ‬السكن‮»‬    إجراءات ‬مشددة ‬تواكب ‬انطلاق ‬اختبارات ‬ولوج ‬مهن ‬التدريس ‬بالمغرب ‬    تسوية قضائية تُعيد لحمزة الفيلالي حريته    وفاة الممثل الألماني وأيقونة هوليوود أودو كير عن 81 عاماً    إسرائيل ترفع تأهب الدفاع الجوي غداة اغتيالها قياديا ب"حزب الله".. وتستعد لردود فعل        أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    إطلاق دفعة جديدة من أقمار ستارلينك الأمريكية    جمعية التحدي تدق ناقوس الخطر بشأن تفاقم العنف ضد النساء وتجدد مطالبتها بإصلاح تشريعي شامل    تتويج أبطال وبطلات المغرب للدراجات الجبلية في أجواء ساحرة بلالة تكركوست    من الديون التقنية إلى سيادة البيانات.. أين تتجه مخاطر الذكاء الاصطناعي؟    مملكة القصب " بمهرجان الدوحة السينمائي في أول عرض له بشمال إفريقيا والشرق الأوسط    المخرج ياسر عاشور في مهرجان الدوحة السينمائي يتحدث عن فيلم "قصتي" حول الفنان جمال سليمان:    لجنة الأفلام في مدينة الإعلام – قطر تُبرم شراكة مع Parrot Analytics لتعزيز استراتيجية الاستثمار في المحتوى    "منتدى الزهراء" ينتخب مكتبه الجديد خلال جمعه العام بالرباط    تحديد ساعات التدريس من منظور مقارن    العثور على ستيني جثة هامدة داخل منزله بالمدينة العتيقة لطنجة        الوداد يحقق فوزا مهما على نيروبي يونايتد في كأس الكونفدرالية    اللجنة المنظمة تكشف التميمة الرسمية لكأس العرب 2025شخصية "جحا" التراثية    تكريم الفنانة المغربية لطيفة أحرار في افتتاح أيام قرطاج المسرحية بتونس    مزاد خيري يبيع كاميرا البابا فرنسيس بأكثر من 7 ملايين دولار    أرقام جديدة تؤكد الإقبال المتزايد على تعلم الإسبانية في المغرب    دراسة: استخدام الأصابع في الحساب يمهد للتفوق في الرياضيات    نهضة بركان يستهل مشواره في عصبة الأبطال بفوز مستحق والجيش يتعثر    أجهزة قياس السكري المستمر بين الحياة والألم    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    جمعية "السرطان... كلنا معنيون" بتطوان تشارك في مؤتمر عالمي للتحالف الدولي للرعاية الشخصية للسرطان PCCA    معمار النص... نص المعمار    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تراجع دور المدرسة في ترسيخ منظومة القيم
نشر في أخبارنا يوم 27 - 10 - 2013

تفجر بعض الحوادث ذات المنحى التربوي ردودا عاصفة وتعليقات جارفة من طرف القراء والمهتمين، وكان غريبا أن تتجاوز بعض الردود في بعض الحالات تيمة الموضوع نفسه، سواء من حيث المساءلة في العمق أو على مستوى الإخصاب والتثرية.
وإذا كان أصحاب الأقلام المبادرة يكتفون بنشر أخبار الحوادث التربوية في الصحف والمواقع الالكترونية متحرين السبق الصحفي متجاهلين الأسباب والدوافع الكامنة وراء الأفعال السلوكية المنحرفة، فإن هناك متتبعين آخرين قد رفعوا سقف مطالبهم على غرار ما طالعو في وسائل الإعلام حين ربطوا بين الأمر وبين الرغبة في إعادة البريق إلى المدرسة ومن خلالها المنظومة التربوية انطلاقا من القبضة الحديدية وقانون التجريم.
لقد كانت المدرسة على مر عقود خلت وهذه حقيقة لا يختلف فيها اثنان ينظر إليها باعتبارها خزانا لمنظومة القيم الأخلاقية والتربوية يسقي المتعلم من معينها كما أن أول تعريف يتلقاه رواد مؤسسات تكوين الأطر التربوية يعتبر المدرسة مؤسسة تعليمية تعمل على تربية النشء وإدماجه داخل مجتمعه، لكن ما الذي طرأ على المدرسة حتى غدت عاجزة سلبية غير قادرة على جعل المتعلم يستقبل بصدر رحب وبعقل تطبيقي لمنظومة القيم التربوية والأخلاقية على حد سواء،إن هذا الوضع الشاذ جعل مدارسنا تعيش اليوم وضعا قيميا مشوه ومخيف نتيجة تنامي ظاهرة العنف بشكل ملفت للانتباه، عنف غالبا ما يروح ضحيته قطبا العملية التربوية الأستاذ والتلميذ.
اليوم نتساءل كفاعلين في الحقل التربوي ومتتبعين لدياكرونية المدرسة منذ عقود، نتساءل عن الضحالة الأخلاقية التي يتخبط فيها زمرة من تلامذتنا وهم الذين يتتلمذون صباح مساء على يد فئة من المدرسين والمدرسات التي شهدت لهم مؤسسات التربية بالكفاءة والقدرة على تلقين المعرفة والقيم كمكونين يشكلان وجها لعملة واحدة، لماذا لم تجدي نفعا مادة الإسلاميات وقبلها وحدة القيم الإسلامية بمادة اللغة العربية التي يتلاقهما التلميذ على طول سنواته التعليمية في تسليحه بالأخلاق والقيم الفاضلة التي تجعل منه إنسانا يحترم الحجر والشجر متمثلا لقيم الخير والصلاح، مجتنبا كل ما ينفي عنه السمت الحسن، رغم مجهودات المدرسة الرامية إلى تسليح المتعلم بدرع قيمي يقيه سهام الدهر فإن التحلل القيمي والانحراف الخلقي يظلا سيدا الموقف في معظم مؤسساتنا التعليمية، فيحدث أن تجد متعلمين يتبولون على جدران أقسامهم وآخرون يمارسون أبشع الجرائم في حق أساتذتهم من ذبح بمدية وطعن بسكين وسحل بسلاح أبيض، فضائح بالجملة تسجل يوميا أبطالها تلاميذ أبناء مدارسنا التربوية ومسارحها فصول الدرس وساحات المؤسسات التعليمية من إعداديات وثانويات، وفي دراسة سابقة أنجزتها وزارة الصحة في الأوساط المدرسية والتعليمية، تبين وجود نسبة متزايدة من التلاميذ، بمن فيها تلميذات، يدخنون السجائر أو يستهلكون أنواعا من المخدرات. وحددت الدراسة نسبة هؤلاء في حوالي 15 في المائة، وهو رقم مرتفع إذا ما قورن بالنسبة الضئيلة لهؤلاء قبل عقد من الزمن فقط، والتي لم تكن تتجاوز 2 أو 3 في المائة.
غير أن ما لفت الانتباه في هذه الدراسة هو أن غالبية المدخنين والمدخنات في المؤسسات التعليمية المغربية يتراوح سنهم ما بين 13 و15 سنة. غير أن تدخين السجائر في المدارس المغربية يعتبر هينا نسبيا إذا ما قورن بظاهرة جديدة تتمثل في ارتفاع نسبة التلاميذ المدمنين على تناول أنواع من المخدرات، بينها مخدرات تصنع على شكل حلوى، وتكسب يوما بعد آخر رواجا متزايدا في أوساط التلاميذ.
. كل ما سبق يجعل المتتبع للشأن التربوي ببلدنا يسجل وبقلق انحدار المدرسة وأجيالها وبسرعة جنونية نحو حافة الهاوية، إن السياق الراهن يفرض علي تجاوز عتبة توصيف الظاهرة وتعداد سماتها إلى الإجابة عن إشكال تراجع المدرسة عن دورها في تلقين وترسيخ منظومة القيم.
أسباب تعثر المنظومة التربوية على مستوى تخليق المتمدرس وتسليحه بمنظومة قيم أخلاقية تقيه نوائب الدهر عديدة نقف عند أهمها:
كره المتعلم للمادة التعليمية: إن كره التلاميذ لما يقدم لهم في المدرسة من تعلم وقيم وعدم تفاعلهم مع المناهج والمقررات المدرسية وعدم تقبلهم لكل ذلك الكم الهائل من الأساتذة والدروس والحصص يجعلهم يرفضون، وبما أنهم لايستطيعون البوح بذلك علنية للأساتذة يتصرفون بهاته الطريقة تعبيرا منهم عن الكراهية اتجاه المدرس والمدرسة على حد سواء، فالتلميذ بهذا المعنى داخل المدرسة يتصرف بعدوانية بحيث يترجم إحساسه إلى سحل أستاذه سيد نعمته المعرفية أو التلفظ بكلام ساقط على مرأى ومسمع من زملائه أو كسر التوافد، كره هذا المتعلم لما يتعلمه في المدرسة يولد لديه عنف مبكر يجعله يضرب القيم بعرض الحائط لا يأبه لتوجيهات المدرسة وعقوباتها حتى وان عوقب فأنه سيكرر العملية، بل يزداد تصرفه عدوانية.
القطيعة بين القيم المدرسة والفعل الحياتي اليومي: عجز المدرسة عن اطلاعها بالدور القيمي الأخلاقي التربوي المنوط بها والذي تعول شريحة عريضة من أفراد هذا المجتمع عليها يعزى إلى شبه القطيعة بين القيم المدرسة والفعل الحياتي اليومي وخارجه وكأن القيم والمثل محلها الكتاب المدرسي فقط ولا أقول القسم لأنه لم يسلم من العبث فتراه قد تحول في دقائق إلى مطرح عمومي للنفايات وترى جدرانه وقد استحال إلى جدارية تفوق كل جداريات العالم العربي وقاحة، حتى إن الذي يعجز من المتعلمين على كتابة جملة في الإنشاء يتحول إلى مبدع في التأليف الجداري المقفى الموزون، وترى الجميع إدارة ومربين وقد تجاوزهم المدى وانحل ما بينهم وبين التربية، ضاربين الكف بالكف، أما قدماء المتعلمين الذين فرختهم هذه المؤسسات فتراهم يحنون إليها ويعودون في غفلة من الرقيب بالأسلحة البيضاء لترك بصمتهم على وجه تلميذ أو أستاذ أو يعودون محملين بسمومم" معجون وحبوب مهلوسة" لترويجها بين المتعلمين المراهقين.
غياب الحس التفعيلي للمدرس:. غياب الحس التفعيلي للمدرس وآثاره على المتلقي بحيث تكون الدروس جافة وبدون تحفيز وتطبيق يذكر فالنقط تعطي للحفظ فقط ،ناهيك عن عدم فاعلية الأندية داخل فضاء المؤسسة ،ويبقى عملها موسمي ومؤقت ومن أجل الواجهة أو محصور على فئة بعينها دون إشراك آخرين في أنشطتها كذلك عدم تبني رد فعل حقيقي من طرف المسئولين على الإدارة التربوية فالمؤسسة بالنسبة للمدير مثلا تبقى محصورة داخل حيز جغرافي صغير جدا قد لا يتعدى مكتبه ، فهو بعيد كل البعد عن ما يجري خارج ذلك الإطار إلا فيما يتعلق بأمور إدارية صرفة ، وبالتالي فدوره كرئيس لكل الأندية يبقى شكلي ودون جدوى.
إننا اليوم مع هذا الوضع الصعب للمدرسة المغربية لم نعد، بحاجة لمهندس أو طبيب أو معلم بقدرما نحتاج مهندسا متشبع بالقيم والأخلاق النبيلة وطبيبا متفانيا في عمله ومعلما متخلقا واعيا بأن مسؤولية التلميذ تقع على عاتقه، إن التغيير ليس إنجازا أو محصلة وإنما منهجية عمل وسيرورة لا تنتهي بانتهاء جيل من أجيالها، وهنا بالذات نستحضر مفهوم التنمية المستدامة، إذن فالتغيير على المدى المتوسط أو البعيد هو الأكثر نجاعة وفعالية أما بخصوص فعل التغيير فإننا نحتاج الإقتناع برغباتنا في التغيير أولا، سيسهل العمل بعد ذلك تماما إن شاء الله، ويكفي حينئذ أن يقوم كل منا بأعمال بسيطة بطرق عظيمة حتى يتسنى لنا التغيير المنشود، فكما يقول المثل: لو أن كل واحد قام بتنظيف واجهة منزله لأصبحت المدينة في منتهى النظافة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.