في الوقت الذي يكاد فيه إنسان القرن الواحد والعشرين يسلم بأن أوج ما يمكن أن يصل إليه الإنسان هو اقتداء الغرب الأوروبي والأمريكي وبعض الدول المتقدمة في آسيا؛ على جميع الأصعدة لاسيما في ميدان إرساء حقوق الإنسان والديموقراطية، والعدالة الاجتماعية والنزاهة والشفافية السياسية، والتحلي بالاحترام والعدل والمساواة والتعايش والتسامح، عندما أوشك العالم الثالث وغيره بضرورة مسايرة العالم المعروف بالمتقدم والمتحضر، تحدث وقائع وأحداث تضرب عرض الحائط كل ذلك، وتعيد الساعة إلى الصفر، بل تخلق تناقضات صارخة في القول والفعل لدىه. فالظلم الواضح الذي تعرضت له بلدان العالم الثالث؛ بدءا بالاستعمار الذي استنزف ثرواته، والفتك بالسكان وقتل الملايين، ونشر الأمراض الفتاكة والتي لاتزال تنتشر في أجساد الأجيال الصاعدة رغم عقود من الزمن على نيل هذه الدول استقلالها العسكري وبقاء الاستعمار السياسي والثقافي والفكري والاقتصادي. كما أن الدول المتقدمة لاتزال تسيطر على كل القرارات في العالم بما في ذلك حتى ارتباط بقاء حكم جل البلدان المتأخرة رهينا بالخضوع غير المباشر أو المباشر لهذه البلدان إلى أن وصل الحال إلى تقسيم هذا العالم المتأخر بين قطبي الشرق والغرب روسيا والولايات المتحدةالأمريكية.. إن التاريخ الحديث مليء بأحداث جسَّمت الجور الذي تعانيه بلدان العالم الثالث، وإذا أخذنا بمعيار الجنس والعرق والدين، فسنجد أن المجتمعات العربية والإسلامية هي التي تحظى بحصة الأسد من هذا الظلم. بدء بأفغانستان والعراق وليبيا فسوريا واليمن، ولعل مركز هذا الظلم يتمحور في فلسطين أين جسد الغرب برمته كامل حقده واحتقاره للمسلمين واليهود معا. وصنع صراعا لن ينته إلا بإضعاف الطرفين معا في إطار استغباء اليهود وتحريضهم من بوتقة الصهيونية -الإيديولوجية-. فالإسلام الحقيقي لا يعادي أحدا، ويدعو إلى التعايش والتسامح بين كل الأمم والأجناس، ويرفض الظلم والاعتداء ويجيز التعامل بالمثل والعفو أكثر من ذلك لمن استطاع. غير أن الغرب من أوروبا وأمريكا وغيرها عبر التاريخ رفضت اليهود في بلدانها وفتكت بهم وقتلت أعدادا منهم في مجازر لايزال التاريخ يحفظ بصورها واليهود يتذكرونها كأنها البارحة. مما دفع بالغرب إلى مباركة تهجير اليهود نحو فلسطين، وبعث فكرة الأرض الموعودة، وتحريضهم على الفلسطينيين خاصة، والمسلمين والعرب عموما. هكذا إذا وأمام الخناق والظلم الذي طال اليهود فقد ركبوا الوعد المزعوم، ولبوا فكرة الغرب، فاجتاحوا فلسطين بكل الطرق واغتصبوا الأرض وقتلوا وفتكوا بالسكان الأصليين عام 1948 ثم ما تلاها من صراعات وحروب ذهب ضحيتها الفلسطينيون، وكذالك اليهود ممن استغلوا، وركبوا الطمع الدنيوي تحت مظلة نظرية دينية مبيتة ، لكن في الواقع تم الضحك عليهم في عملية توريطهم وسط مستنقع دماء لن ينتهي إلا بفهم المخطط الغربي الشيطاني، والذي ورَّطهم مع الفلسطينيين والعرب والمسلمين في صراع أساسه الظلم والاستعمار. إن أساس قيام الغرب وتقدمه كان ولايزال هو الكذب والنفاق والاستعمار، وخلق الصراعات والأزمات للتفرغ لاقتصادها ونموها وتطورها الصناعي عبر ترويج وبيع أسلحتها واختبار تكنولوجيتها. فما تقدم لو لم يغتصب ثروات بلدان العالم الثالث، ويربط استمرار حكم بعض حكامها بخضوعهم له، وما استقلال الكثير من البلدان إلا استقلال عسكريا على أراضيها فقط بينما لايزال الغرب يستنزف ثرواتها بشكل مباشر أو غير مباشر وبمختلف الطرق. ولعل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من تأسيس هذا الغرب المتشدق بحقوق الإنسان والديموحرامية، صراع آن الأوان خاصة من جانب اليهود أن يفهمونه، ويدركون حجم توريطهم فيه، ومدى حجم أخطائهم وذنوبهم وظلمهم للفلسطينيين، حان الوقت لإدراك تصريحات رؤساء وحكام الغرب القائلة باعتبار إسرائيل الراعية لمصالحها في الشرق الأوسط، وأنه لو لم تكن إسرائيل لأنشؤها، آن الوقت ليتعايش اليهود مع الفلسطينيين بما يجبر ضرر المتضرر ويغفر أخطاء المخطئ، آن الوقت ليفهم اليهود القادمين من شتى بقاع العالم أنهم يعيشون في حرام وأملاك ليست أملاكهم، إلا إذا تنازل لهم عنها الفلسطينيون أصحاب الأرض الحقيقيين. آن الوقت ليتساءل كل إسرائلي من أين أتى ومن هم أجداده، ومن ظلمهم في بلدانهم الأصلية، ومن قتل أجدادهم وآباءهم وهجَّرهم غصبا عنهم، حان الوقت ليدرك اليهود أن مزيدا من التقتيل والمستعمرات والمستوطنات لن يعود عليهم إلا بالخوف والمخاطر والمشاكل ومزيدا من الحقد من العرب والمسلمين وممن حتَّى من دفعهم إلى ذلك ولو لم يعبروا عنه رغبة في مزيد من حماية مصالحهم هناك وسيأتي وقت قد يتبرأ الجميع من إسرائيل. فالاستيلاء على الأرض وفرض الخناق على أهلها منذ عقود من الزمن لا يمكن أن يكون إلا فعلا شبيها بما نهجه الغرب إبان الاستعمار بدون وجه حق، والفعل يُواجَه بردِّ الفعل، وبالتالي فكل ما يفعله الفلسطينيون من أفعال دفاعا عن حقوقهم لا تعد إلا ردود أفعال على فعل ما أنزل الله به من سلطان. العقل السليم من كل إنسان لا يقبل ما يحدث بفلسطين من وديان دماء في حق الأطفال والنساء والمدنيين العزل، ولا يقبل بذلك إلا الحمقى والمجانين والمرضى العقليين والنفسيين. كل ذلك بمباركة الغرب، والمجتمع الدولي الذي ابتلع لسانه، وخَرَّ ساجدا لشياطين الإنس من الغرب؛ وهم يعتون فسادا في الأرض. فلا كرامة ولا ضمير ولا شرف لهذا العالم كله. المسلمون واليهود والمسيحيون يجب أن يتعايشوا بعيدا عن شياطين الغرب والشرق، مُحِبِّي إسالة الدماء والفتن، واختلاق الصراعات والأمراض لمصالحهم الذاتية. لذلك حان الوقت ليدرك العالم أن قمة الحيوانية والتخلف والظلم والوحشية والكبث في الغرب وفي ما يعرف بالدول المتقدمة. إنما تقدمها في المادة وهي في قمة التخلف الإنساني والحضاري. كما أن على المسلمين والعرب واليهود والمسيحيين ممن يؤمنون بكتبهم حقا أن يتَّحدوا وينهضوا من سباتهم العميق لمواجهة ما يعيشونه حاليا من خنوع، واحتقار وإذلال من طرف بلدان الغرب الزاعمة للتقدم، وعلى اليهود بإسرائيل الوقوف وقفة رجل واحد لوقف المهزلة التي يرتكبها جيش إسرائيل في حق الأبرياء، وإدراك أن الحرب معناها مواجهة جيش لجيش آخر بالتكافؤ، وليس بتقتيل المواطنين والأطفال والنساء من تحت ركام منازلهم وهم عزل بأفتك أسلحة الغرب المتجرد من الإنسانية والضمير الحي، وعلى حماس وغيرها أن يدركوا أن الإسلام يرفض قتل العزل وأن المواجهة يجب أن تكون مع الجيش لأن التهور يولد ويلات على الشعب من طرف متهور آخر. الحل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو طاولة المفاوضات؛ بعيدا عن شياطين الغرب والشرق الذين ورَّطوهم في مستنقعات دماء لن تجف إلا بالتسليم لمنطق العقل، بعيدا عن إملاءات خارجية وتحريضاتها، وفي منأى عن خرافات وأساطير التنبؤات والميتافيزيقيا وأعداء الإنسانية. وعلى الطرفين أن يقبل أحدهما الآخر لضمان السلم والسلام لشعبيهما مع تصحيح الأخطاء وتصويبها، لأن الخاسر في الأخير سيبقى هو الشعبين الإسرائلي والفلسطيني بينما الرابح هو الغرب في ظل استمرار النزاع ونزيف الدم. وفي نهاية المطاف لن تعود مقبولة خطابات الغرب المغلفة بحقوق الإنسان والديموقراطية، ولم يعد من المقبول الثقة في هذا الغرب والشرق المتبجحين بالتقدم، واعتبارها القدوة والنهج المأمول فيه، إنما هي رأس الفتن وشيطان العالم وخسيسها. هكذا ختم الغرب وهو في قمة شيطنته وحقده على اليهود والمسلمين مؤامرته المتمثلة في توريط اليهود في خطيئة عظيمة تمثلت في دفعهم وتوريطهم في صراع أبدي مع الفلسطينيين والعرب والمسلمين وكل العالم لن يهنؤوا فيه بالطمأنينة والهدوء إلا والخوف يسري في نفوسهم كل لحظة، ولعنة سفك الدماء وحوز أراضي الغير بالقوة ودماء الأبرياء من الأطفال والنساء والعزل الاي أراقها جيشهم الذي هم تحت لوائه وتحت حكم رجال سلطة من صناع الغرب بقلوب من حجر لعنة تطاردهم وأمراض نفسية وعقلية قد تنتشر في كل يهودي ردخ لمخططات زعماء الصهيونية -كإيديولوجية- بإيعاز من شياطين الغرب المتجرد من الإنسانية الحقة.