«إذا كنت في المغرب فلا تستغرب»، «المستحيل ليس مغربيا». مقولتان يشهد لهما الجار قبل أهل الدار. هذا صلاح الدين الأيوبي يصف المغاربة بخير من يؤتمنون على المسجد الأقصى و على القدس لما عهده فيهم من شهامة و قوة. و هذا مستكشف فرنسي - إدموند دوتي- حاول فهم طبيعة المجتمع المغربي فاستوقفته علاقات اجتماعية تنطوي على مفرقات يؤثثها الكرم وعزة النفس، و ذيوع الجود في ظل اقتصاد الكفاف. هي صفات ترسبت و تبلورت في نفوس المغاربة فتكشفت معدنا يفتقده من سواهم، حتى إذا رجت الأرض و تقطعت السبل و انقطعت الاتصالات، فاستوحشت الأنفس، بل منها ما فاض إلى بارئها، و ظن العالم ألا ملجأ إلا إلى استنجاد الغرب، سطع معدن الشعب الأبي و لسان حاله يصدح لبيك حوزنا الحبيب. هب الصغير و الفقير، هب الغني و الفقير، هب الرجال و النساء. تلك امرأة تهب رأسمالها خاتمها الذي يفوح بشرا بأعذب ذكرياتها فينسي ندوبا خطها الدهر على يديها. و هاته ملاك تبعث بدميتها على امل أن ترسم ابتسامة على ثغر أضناه الخراب. و كادح يقتسم رغيفا يعول به عياله مع غير يحسبه أحوج إليه منه. هي ممارسات قلبت مفاهيم الغير والأنا، فصار الغير هو الانا الذي شبهني وهو مثلي، بل هو أحوج إلي مني. هب الجيش و فرق الإنقاذ لنجدة القرى المنكوبة، وتقاطرت الجمعيات محملة بمساعدات علها تذكي العزاء في نفوس الأهالي، من ثكالى و يتامى، ومن تقطعت أوصاله و من هدم بيته. ورغم هول الخطب تأبى المكلومة إلا أن تقابل العطاء عطاء، فتستفسر عن العنوان لإهداء الزعفران، كما تأبى مثيلة لها إلا استقبال الضيوف بشاي و بسمة تهون هول الوجع... هي صور تمزج بين الجود و الكرامة و عزة النفس، هي خصال أقامت قوافل تضامن من مشارق المغرب و مغاربه، من شماله و جنوبه، فهنيئا للمغرب بمغاربته.