معلوم أن الانتخابات تشكل فرصة ليس للإصلاح فقط وتدارك النقائص، وإنما هي كذلك تتويج لمسار سياسي يهم فترة انتخابية بغض النظر عن نتائجها، التي هي بمثابة المحدد لطبيعة الفعل والممارسة السياسية التي طبع عليها الفاعل السياسي من خلال الفترة الانتخابية التي بصم عليها في مرحلته، وبالتالي فإن عنصر المحاسبة يجب أن يكون من البديهيات التي على الأحزاب أن تولي لها أهمية قصوى، ليس بهدف تدارك الهفوات وإنما هو فرصة لإعطاء الثقة في العمل السياسي الذي يعرف نوعا من التراجع والركود، بسبب الصورة التي أصبح يتميز بها، لعل أبرزها هو فقدان الثقة في التغيير ما دامت الأحزاب السياسية القائمة لم تقم بعنصر المبادرة في هذا الشأن من قبيل وجود نفس العناصر وبشكل دوري على رأس كل الفترات الانتخابية. إن الحديث عن شعار التغيير الذي ترفعه الأحزاب ابان كل مرحلة انتخابية يجب أن يسبقه حسم مع العديد من المتغيرات التي أصبحت تأثث المشهد الحزبي داخل النظام السياسي المغربي، من قبيل عنصر الوصاية التي تمارسها بعض النخب السياسية على الأحزاب، وهو ما يحرمها من الاستفادة من الكفاءات الجديدة، وكذلك من الأفكار والبرامج التي قد تأتي بها لتطوير الأداء السياسي، بمعنى أن الرهان يجب أن يرتكز على من يمكنه أن يقدم الإضافة المرجوة، وليس على النخب التقليدية كما جرت العادة، وما يؤكد هذا الطرح هو ديمومة الخطب الملكية الى الإشارة في أكثر من مرة الى ضرورة ضخ دماء جديدة في هياكلها، والقيام باستقطابات لنخب جديدة خصوصا الشبابية، بهدف إعادة الثقة الى المشهد الحزبي والسياسي بصفة عامة، وعليه فإن الواقع الحزبي يحتم على الكل القيام بنقد ذاتي، سواء أتعلق الأمر بالفاعل السياسي أو بالناخب، وإن كانت مسؤولية الناخب أقل درجة، لكن هذا لا يمنع من القول بأن الكل شريك في تراجع الثقة في العملية السياسية، كما أن عملية النقد في هاته الحالة ستكون عملية تصحيحية وبناءة في الآن نفسه. إن غياب الفاعلية والمردودية عن الأحزاب السياسية الراهنة مرده الى بعض الممارسات التي تطبع سلوكها داخل النسق السياسي، من قبيل الاكتفاء بتتبع السقطات اللغوية والسلوكية لمن هم في مراكز القرار، وفي هذا خروج عن المأمول منها، لأن قوتها وفاعليتها تكمن في قيامها بدورها الممارساتي من خلال تنزيل ما تم التعاقد عليه مع الناخبين إبان الحملات الانتخابية وليس النقد من أجل النقد وفقط، وهو الفعل الذي من شأنه أن يعيد الثقة ليس في الفاعل السياسي فحسب بل في العمل الحزبي برمته. كما أن تراجع ثقة المواطن في العملية السياسية مرتبط بشكل كبير بضعف الأحزاب، التي وصلت الى مستوى غير مسبوق من التدني في الأداء والخطاب السياسي بسبب غياب الديمقراطية الداخلية عنها، الأمر الذي سيأثر بالسلب على بناء ديمقراطية الوطن، بمعنى أن وجود فاعل سياسي قوي وفاعل يتطلب قبل كل شيء وجود أحزاب سياسية قوية، سواء من حيث تسيير أمورها الداخلية، أو من حيث التعاون والعمل على إحداث التكامل بينها، وهو ما يفسر حالة التخبط التي أضحت تميز الممارسة الحزبية في النظام السياسي المغربي، وهذا كنتيجة للصراع والتناحر وتغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، وكذا الاستحضار الايديولوجي الذي يؤدي الى الانقسام وتشتت الرؤى. وللقطع مع بعض الممارسات التي تسيئ الى العمل الحزبي وتحقيقا للرهان المنشود وهو حياة سياسية نشطة، أصبح لزاما على الأحزاب السياسية أو تولي أهمية الى مسألة التواصل، كونه من الاليات الرئيسية والضرورية في العمل السياسي، فمن خلال التواصل سيتمكن الفاعل السياسي من إيصال محتوى برنامجه الى المواطن، معتمدا في ذلك على القنوات التواصلية والإعلامية السمعية والمرئية والمكتوبة، وأن يكون تواصله مبنيا على معطيات دقيقة، وألا يكون مرحليا كما جرت العادة، إذ وبمجرد ما يتم انتخابه حتى تنقطع أواصر التواصل بينه وبين المواطن، بالإضافة الى ذلك، يجب ان يكون البرنامج حاملا لإمكانية التحقق على أرض الواقع لا أن يكون حاملا لشعارات هدفها استدراج المواطن الى صناديق الاقتراع، وهو الذي سئم من سياسة الوعود الكاذبة، لتكون النتيجة عزوف مستمر وفقدان للثقة خصوصا من فئة الشباب. ولتجاوز هاته الاختلالات، وجب الاشتغال من خلال خارطة طريق يتم فيها التركيز على عنصر الشباب، خصوصا بعد إلغاء اللائحة التي كان بموجبها يتم تخصيص نسبة من المقاعد للشباب في مجلس النواب، وعليه يجب على الأحزاب أن تضع في الحسبان هذا المتغير، وأن تعمل
على اشراك هاته الفئة العمرية المهمة في لوائح مرشحيها، والا تبقى حبيسة الشبيبات الحزبية، وهو ما سيصب في منحى تجديد الهياكل وضخ الدماء الجديدة والقطع مع ثقافة التوريث، وبالتالي المساهمة في إعادة بناء الثقة المفقودة في العملية السياسية، وهو ما يتماشى وتصريحات السيد عبد اللطيف الجواهري محافظ البنك المركزي المغربي، الذي أكد في ندوة صحافية أن الناس ما عادوا يثقون في الأحزاب، وأن العزوف عن الانتخابات يطرح نفسه، ومعتبرا كذلك أن المشكل الأساس هو مشكل ثقة ليس في السياسيين فحسب ولكن حتى في من ينتمي للقطاع العام، أي أن المسؤولية الان أصبحت على عاتق الأحزاب السياسية، وأن الرهان أضحى معقودا عليها للقيام بعملية الإصلاح وأن تجعل من الانتخابات المقبلة فرصة لذلك.