نعم أُريد له أن يكون حزيناً علينا جميعا، أُريد له أن يكون مُناسبة لتذكيرنا جميعا في هذا البلد أنّ أفضل ما يستحقه الشّعب هو الزنازن والسّجون والأحكام القاسية، أمّا الدّيمقراطية وحرّية التّعبير وحرّية الصّحافة فهي قضايا لا تخصّنا ولا يمكن الانخراط فيها بأي حال من الأحوال. مرّة أخرى يعود النّقاش ليُزيل اللّثام عن قمع الحرّيات، وعن الزج بالصحفيين في السّجون والعودة بنا إلى سنوات القمع والتّسلط، في الوقت الذي كنّا نعتقد فيه أنّ بلدنا قطع أشواطا في الدّيمقراطية وفي الحريات وحقوق الانسان. كيف سنفهم وكيف سيفهم كلّ مُتتبّع اعتقال عمر الراضي يومين قبل العيد وكذلك، إدانتة بست سنوات سجناً نافذا يومين قبل عيد الأضحى ؟ هل يُمكن أن نفهم أنّ اعتقاله ومحاكمته يومين قبل العيد كان بمحض الصّدفة ؟ فحتى الصدف في بلداننا لا تأتي بالصدفة كما يقال، وما حدث لا يمكنك كعاقل أن تعتقد أنّه حدث بمحض الصّدفة، وكلّ متتبّع سيفهم أنّ ذلك كان مقصوداً والغرض منه هو توجيه رسائل إلى من يهمّهم الأمر . من يشنّ حرباً على الصّحفيين الآن ومن يعتقل الصّحفيين، ومن يُحاكمهم بملفّات كلّها تتعلّق بالاغتصاب، لا شكّ أنّه يُريد بالبلد العودة إلى سنوات الرّصاص، ولا شكّ أنّه يُريد قتل ما تبقّى من بصيص الأمل لدى المغاربة الّذين يطمحون إلى التّغيير. إذا كانت الصّحافة ليست جريمة في الدّول التي تحترم نفسها فإنّ الصّحافة في بُلداننا أصبحت جريمة منذ الرّبيع الدّيمقراطي وأصبح التّعامل مع الصّحفيين يتجاوز إلى حدّ كبيرالتّعامل مع المُجرمين ومع أصحاب السّوابق ومع الإرهابيين . لماذا يشنّون حرباً على الصّحفيين بهذا الشّكل ويزجّون بهم في غياهب السّجون، مع أنّ هؤلاء لم يحملوا سلاحا، ولم يرتكبوا جرماً، ولم يتخابروا مع العدو، ولم يأكلوا أموال الشّعب ولم يهربوها إلي الخارج . كلّ ما هنالك أنّ أغلب هؤلاء يملكون قلماً يكتبون به عن الفساد، و لساناً يتحدّثون به عن الاستبداد، وشجاعة يواجهون بها ثلّة ممن لا يريدون لشمس الحرّية أن ترى النور في هذا البلد . من يعتقل الصّحفيين، ومن يشنّ حرباً على حرّية التّعبير باعتبارها رُكناً أساسيّا من حقوق الإنسان، لا يُمكن إلا أن يكون من الّذين يريدون لهذا البلد أن يرزح تحت وطأة الاستبداد مرة أخرى . من يُمارس القمع وينتقم من كل حر في هذا البلد، لا شك أنّه يسيء لسمعة الدولة المغربية، ويسيء للشّعب ولنضاله من أجل الحرية، ويسيء للدّستور المغربي لسنة 2011 الذي ينص في فصله 25 بشكل صريح على "أنّ حرّية الفكر والرأي والتّعبير مكفولة بكل أشكالها"، والذي ينص في فصله 28 أيضا على أنّ "حرّية الصّحافة مضمونة، ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرّقابة القبلية، و للجميع الحقّ في التّعبير، ونشر الأخبار والأفكار والآراء، بكل حرّية، ومن غير قيد، عدا ما ينص عليه القانون صراحة. ما نراه هذه الأيّام، وما نسمعه، وما تطلعنا به وسائل الإعلام من محاكمات في حق الصّحفيين، وما نراه من أحكام قاسية في حقهم يُظهر بما لا يدع مجالاً للشّك أنّ الحرّيات في بلدنا أصبحت في خطر، وأنّ مُحاربة الفساد أصبح جريمة، ولا أعتقد أنّنا سمعنا يوما عن أخبار اللّصوص والمرتشين و ناهبي المال العام وهم يُحاكمون أو توجّه لهم تُهم الفساد. كلّ التّركيز على الصّحافة وعلى الأقلام الحرة، وعلى المُناضلين وأصحاب الرّأي، الّذين لا يجدون حرجاً في انتقاد ما يرونه اعوجاجاً وخروجاً على القانون وعلى الدّستور وعلى المواثيق الدولية . مع ازدياد حالات القمع، ومع ازدياد حالات المُلاحقات في صفوف الصّحفيين وأصحاب الكلمة الحرّة، نجد أنفسنا مضطرين للقول أنّ التغيير المنشود مازال حلماً بعيد المنال، وأنّ الدّيمقراطية مجرد كلام تلوكه الألسن، ومجرّد ثوب يتنكّر فيه أعداء البلد من اللّصوص الّذين يجدون في التّغيير تهديداً لمصالحهم ومصالح أبنائهم، والحلّ لدى هؤلاء هو الإبقاء على الاستبداد وعلى القمع، فهذه هي البيئة الآمنه لممارسة أمراضهم .
البلد يحتضر بكل ما يعانيه من أزمات على جميع المستويات. ومع ذلك هناك من يُحاول تعقيد الوضع والسّير بالبلد نحو المجهول، عبر إعلان الحرب على ما تبقى من الحرّيات، وما تبقى من الحقوق في هذا الوطن السعيد .