إن المتتبع للشأن السياسي وهو يرى حزم قرارات المغرب الدبلوماسية مع ألمانيا وإسبانيا فيما يخص قضية وحدته الترابية، وتشدده في الدفاع عنها بلا محاباة أو مواربة أمام دول رائدة في الاتحاد الأوروبي، ثم يرى تساهله مع دولة الجزائر حيث إنه لم يقطع علاقاته الدبلوماسية معها لحد الآن؛ رغم أنها من جهة، أضعف من هذه الدول العاتية بما لا يسع عدُّه أو قياسه، ومن جهة أخرى، أشد عداوة منها للمغرب وأكثر كيدا وعدوانا. ما جرى يوم السبت الأخير في الانتخابات التشريعية الجزائرية يفسر كل شيء؛ فهذه الانتخابات التي وصفتها صحيفة "واشنطن بوسط" على أنها حفلة تنكرية واسعة النطاق، ومهزلة شعبية بكل المقاييس؛ عرَّت هذا النظام البليد وكشفت سوأته المتسخة؛ حيث أكد الشعب، مرة أخرى، في رسالة واضحة لمن يهمهم الأمر أنه لن ينخرط في أي فعل سياسي إلا بعد أن تَطَّهر البيئة السياسية وتنضج؛ ولن يتم ذلك إلا بعد أن ينزاح، عن بكرة أبيه، الحرس القديم الذي جثم على صدره عقودا من الزمن ولا يفضل منه أحد. حينما تجد الرئيس الجزائري يقيم حوارا بئيسا مع قناة أشد بؤسا بطلب منه وكأنه مستشار جماعي لحي من الأحياء، أو نائب برلماني لدائرة من الدوائر، ثم تجده يصرح بأن نسبة المشاركة في الانتخابات لا تهم، تعلم يقينا بأنك أمام عبث لا يقاس بالمنطق أو بقواعد العلوم السياسية؛ إنما يقاس بمبادئ علم النفس المرضي وخصوصا جانبه الأشد قتامة وغموضا. لقد تقطعت شعرة معاوية التي كانت تربط الشعب بالنظام، وتلاشى العقد السياسي الذي يجمع الحاكم بمواطنيه، وعاد البلد العظيم شعبا بلا دولة، وأرضا مهجورة بلا حاكم، وحتى إذا ما فكر المغرب يوما أن يتعامل بالحزم المطلوب والقوة اللازمة مع الجزائر، فإنه لن يجد هذه الدولة التي يمكنه أن يقطع علاقاته معها، أو يطرد سفيرها من على أرضه؛ لذا من المفروض أن يتريث إلى حين أن يسترجع الشعب العظيم دولته المختطفة، حينها فقط يمكن للمغرب أن ينظر في خياراته. ما أعظم المغرب، وما أشد حكمته وحنكته وبصيرته حينما لم يقطع علاقاته مع الدولة الجزائرية؛ لأنه بكل بساطة ليس هناك دولة تدعى الجزائر.