1/ في البدء: يسوّغ نظام التبعية أيديولوجيا ومعرفيا عم طريق المؤسسات الثقافية والإعلامية. فمع الرساميل والغذاء والسلاح نستورد الأخبار والكتب والأفلام والمسلسلات والاعلانات، التي تعمل بدون هوادة على تكوين العقول والأمزجة وأنماط الحياة، بحيث تتلائم مع النظام وتستجيب له، بل بحيث يصبح العيش بدونه أكثر فأكثر صعوبة. والواقع أننا لم نعد بحاجة إلى "استيراد " الثقافة، فهي لامحالة تبث بواسطة الأقمار الصناعية التي تسيطر عليها وكالات الأنباء التابعة بدورها للشركات المتعددة الجنسية. وتقوم(وبغرابة لا مثيل لها) الفئات الحاكمة المحلية بتأكيد المفاهيم والقيم وأنماط السلوك التي تخدم استمرار سيطرتها على رعاياها(وليس مواطنيها).ويساعد للأسف، انتشار الأمية، والانشغال في متاعب الحياة اليومية على عزوف الناس عن الثقافة الجادة. بل ويصبح المصدر الوحيد " الثقافي " هو التلفزيون ، الذي يقوم عبر جميع برامجه بما فيها برامج التسلية والترفيه ، بالدور الأكبر في تكريس التبعية الثقافية، وبوجه خاص في نشر وتكريس وتعميق نمط الحياة الإستهلاكية المتخلفة. أليس مثيل هذا مانعيشه بالمغرب؟؟ 2/ في استشراء خطر الفئات الطفيلية: في تداعيات إنتاج وإعادة إنتاج نظام التبعية لطبقاته وفئاته الإجتماعية التي تتكون مصالحها عبر تكريس وتعميق هذا النظام. تتّسع(وهذا أساسي) الطبقات والفئات الطفيلية ويستشري بالتداعي خطرها، وتتضائل أهمية الطبقات والفئات المنتجة .وهذه العملية تجري سواء بالنسبة ل" الطبقات" الحاكمة أو المسودة المضطهدة. فالبورجوازية التي تقوم بدور الوسيط، الذي يسهل للرأسمال الاحتكاري الأجنبي الهيمنة والتحكم بمفاتيح الإقتصاد الوطني، تصبح(وهذه مفارقة؟) " الطبقة الأهم" بين " الطبقات العليا"،بينما يتضائل حتى يكاد ينعدم دور "البورجوازية الوطنية؟ التي وظف بعضها رساميل في بعض الانتاجات الوطنية الإستهلاكية الخدماتية في المرحلة التي تلت الإستقلال السياسي، قبل أن تتحول إلى كومبرادور تبعي في السنوات التي تلت. الأهم أنه مع تضائل دور " البورجوازية الوطنية" وتعاظم دور البورجوازية الطفيلية، تتغير، وقد تغيرت بالفعل بنية الطبقة العاملة، وأصبح وزنها في المؤسسات الوطنية أقل، وذلك(أيضا) بترافق مع تختّر وترهل النقابات وفساد بعضها.تزامن كل هذا مع تزايد الفئات الهشة والرثة المرتبطة بالمؤسسات غير الإنتاجية. ومع تراجع الإنتاج الزراعي وعدم كفايته لتلبية الإحتياجات الأساسية للفلاحين، تتزايد، وقد تزايدت بالفعل هجرة الريفيين إلى المدن وتعاظمت المهمشين والباحثين عن العمل، العاملين في القطاعات غير النظامية. ومع التزايد المطرد لدور الدولة في الحياة الاقتصادية والإجتماعية والتضخم الهائل للمؤسسة العسكرية، تتعاظم أهمية بورجوازية الدولة بمختلف فئاتها، الفئات التي تنزع بطبيعتها إلى تسخير مؤسسات الدولة بما فيها القطاع العام (كما هو الحاصل الآن بالمغرب؟) لمصالحها الخاصة،والاستئثار بقسم من الفائض الإقتصادي.وفي ظل غياب الرقابة الديموقراطية ومع تزايد الاحتكارات الأجنبية تتحول هذه الفئة الى شريك أساسي للبورجوازية الإحتكارية، بل وتصبح في بعض الحالات أهم سند اجتماعي محلي لتلك البورجوازية . 3/ في الختم الغير نهائي: في اعتقادنا ، إن ماأسلفاه،تحليل سريع لحالة التبعية التي تعيشها البلدان العربية( ومنها المغرب بدون ريب) بما فيها البلدان الإسلامية الأخرى.وهي الحالة التي بسببها نقول: إن أولى الأولويات المطروحة أمام القوى السياسية الوطنية في البلاد العربية هي أولوية التخلص من التبعية (هكذا نأمل بمعية المتفائلين ) أن التناقض الرئيس اليوم هو بين أنصار التبعية وأنصار التحرر. وإن القوى الاجتماعية التي يجب أن تتحالف لحل هذا التناقض لصالح التحرر في جميع الطبقات والفئات الإجتماعية التي تتناقض مصالحها مع استمرار التبعية. هذه الحالة تطرح بديهيا عدداً من الأسئلة الأساسية التي لابد لأية قوة سياسية تقدم نفسها كممثلة للطبقات والفئات الشعبية، كمعادية لقوى الإستعمار الجديد الاحتكاري من أن تتطرحها وتضع تصوراتها الخاصة بالاجابة عنها.اسئلة عن كيفية معالجة أشكال التبعية: التجارية،والمالية والغذائية والثقافية وغيرها...وعن طابع النظام السياسي القادر على تلك المعالجة. كيف نحل المسألة الزراعية الآليات الملائمة لتطور الإنتاج الزراعي.؟ماهي الصناعات الملائمة لبلداننا وماهي التكنولوجيا الملائمة؟ كيف يمكن التخفيف من الاعتماد على الخارج في نقلها؟ ماهي السياسات الإقتصادية والمالية التي تساعد على على تخفيف عبئ المديونية تمهيدا للتخلص من التبعية المالية؟ كيف نواجه سيل التدفق الاعلامي والثقافي الأجنبي دون أن نخسر الإنجازات الحضارية التي وصلت إليها البشرية؟.
وغيرها من الأسئلة الأخرى الرئيسة وليدة لحظتها وراهنيتها.