كانت الانطلاقة المدهشة للمغرب في سوق السندات الدولارية هذا الشهر، خبرا سارا لبلدان أخرى تأثرت بالربيع العربي، وقد تحاول تلك البلدان اقتراض أموال من الخارج في العام 2013. وبلغت قيمة الإصدار 1.5 مليار دولار واجتذب طلبات اكتتاب قيمتها نحو 12 مليار دولار، اشترى مستثمرون مقرهم الولاياتالمتحدة معظم سنداته. ويرجع نجاح الحكومة المغربية في الإصدار لعدة أسباب، من بينها انخفاض مستويات العوائد عالميا ورغبة المستثمرين الأجانب الشديدة في تحقيق مكاسب. لكنه يشير أيضا إلى استعداد المستثمرين لتحمل مخاطرة سياسية كبيرة في العالم العربي، وهو أمر مشجع لدول مثل مصر وتونس حيث تكافح الحكومة في كلا البلدين لتمويل عجز الميزانية، وشهد كلاهما في الآونة الأخيرة اضطرابات سياسية. وقال رضا اغا كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وافريقيا لدى في.تي.بي كابيتال في لندن "قد يحدث إقبال قوي على سندات دول شمال افريقيا شريطة تسوية الموقف السياسي الداخلي". وتوقع اغا أن تدفع المتطلبات المرتفعة للميزانية والتمويل الخارجي كلا من مصر والمغرب وتونس لإصدار سندات دولية بقيمة تتراوح بين 500 مليون دولار و1.5 مليار دولار في العام 2013. وأشار إلى أن بعض هذه السندات قد تكون سندات إسلامية (صكوكا) نظرا لأن كل تلك الدول تضع الإطار القانوني لإصدار الصكوك. وأعلن العاهل المغربي الملك محمد السادس جملة من الإصلاحات تخلى بموجبها عن مزيد من سلطاته في الشؤون السياسية والاقتصادية والأمنية للحكومة المنتخبة. ولم يشهد المغرب ثورة على غرار ما حدث في مصر وتونس، لكنه يواجه ضغوطا سياسية واقتصادية. وفي غضون ذلك ألحق الركود الاقتصادي في منطقة اليورو ضررا شديدا بالتجارة المغربية وميزانية الدولة. ولهذا كان إصدار السندات الذي مضى بسلاسة هذا الشهر مثيرا للإعجاب لاسيما أن المغرب استطاع بيع ما قيمته 500 مليون دولار من سندات لأجل 30 عاما، وهو ما بدا أنه تعبير عن الثقة في مستقبل البلاد في المدى البعيد. وكان الأداء القوي للسندات في السوق الثانوية منذ الإصدار، أكثر إثارة للإعجاب ويشير إلى أن المستثمرين الذين لم يتمكنوا من شراء السندات في السوق الأولية مستعدون لدفع علاوة سعرية. وبلغ السعر المعروض لشراء شريحة العشر سنوات -التي تبلغ قيمتها مليار دولار والتي صدرت بكوبون 4.25 بالمائة- 100.4 سنت للدولار الخميس، ارتفاعا من سعر الإصدار وهو 99.2 سنت. وبلغ السعر المعروض لشراء شريحة الثلاثين عاما -التي تبلغ قيمتها 500 مليون دولار والتي صدرت بكوبون 5.5 بالمائة- 101.5 سنت ارتفاعا من 97.5 سنت. ويبدو أن عددا كبيرا من المستثمرين يثق بقوة في مستقبل الأوضاع السياسية في المغرب في وقت يتوقع فيه أن تحول مساعدات من دول الخليج العربية والمجتمع الدولي دون وقوع صعوبات اقتصادية. وكان صندوق النقد الدولي قد وافق في أغسطس/آب على تزويد المغرب بخط ائتمان احترازي قيمته 6.2 مليار دولار لأجل عامين. ويتمتع المغرب بميزة لا تملكها غيره من بلدان الربيع العربي وهي تصنيف ائتماني في درجة الاستثمار "BBB-" من مؤسسة ستاندرد اند بورز. غير أن أداء سندات الدول الأخرى في السوق الثانوية خلال الأسابيع القليلة الماضية، يشير إلى أن المستثمرين يحسبون الأمر بطريقة مماثلة هناك. فقد شهدت مصر على سبيل المثال اضطرابات سياسية بعد أن أصدر الرئيس محمد مرسي إعلانا دستوريا وسع سلطاته وتم الدفع بمشروع دستور مثير للجدل لاستفتاء الشعب عليه. واضطرت مصر لتأجيل المحادثات بشأن قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 4.8 مليار دولار وإيقاف العمل بزيادات ضريبية مزمعة كان من شأنها أن تساعد في الحصول القرض. وبالرغم من ذلك لم يرتفع العائد على سندات لأجل عشر سنوات بقيمة مليار دولار أصدرتها مصر في 2010 سوى 70 نقطة أساس تقريبا، إلى 5.83 بالمائة منذ بداية الأزمة في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني. وهذا أقل من زيادات بنقطة مئوية واحدة أو أكثر، حدثت في ظل التوترات السياسية في 2011 وأوائل 2012. ومازال العائد أقل بكثير من الذروة المسجلة في 2012 فوق ثمانية بالمائة. وعلى غرار ذلك شهدت تونس تصاعدا للاضطرابات مع اقتراب انتخابات العام 2013. وقتل شرطي تونسي خلال اشتباكات مع من يشتبه في أنهم مقاتلون إسلاميون قرب الحدود مع الجزائر الأسبوع الماضي. وفي أوائل شهر ديسمبر/كانون الأول تدخلت الشرطة لوقف اشتباكات في العاصمة التونسية حين هاجم إسلاميون مؤيدون للحكومة أعضاء في اتحاد عمالي. لكن العائد على سندات بقيمة 400 مليون يورو أصدرتها تونس في 2005 وتستحق في 2020، ظل مستقرا دون تغير يذكر عند نحو 5.30 بالمائة وهو أدنى مستوى لها منذ يناير/كانون الثاني 2011 حين اندلعت الثورة التونسية. ومن العوامل التي تدعم أسعار سندات شمال افريقيا إمكانية أن تتدفق على تلك الدول مزيد من الاستثمارات من منطقة الخليج الغنية بالنفط. وأبدت شركات خليجية اهتماما متزايدا بشراء أصول في شمال افريقيا في ظل الحكومات الجديدة التي جاء بها الربيع العربي. فقد قال بنك الإماراتدبي الوطني الخميس إنه سيشتري الذراع المصرية لبنك بي.إن.بي باريبا. ومن المتوقع أن تتدفق على المنطقة استثمارات في أدوات الدخل الثابت. وقد يزيد هذا الاهتمام إذا أصدرت حكومات شمال افريقيا ديونا في شكل صكوك، إذ أن هناك سيولة كبيرة في الخليج تبحث عن أدوات متوافقة مع الشريعة. وفي شهر نوفمبر/تشرين الثاني، أطلقت شركة أبوظبي للاستثمار صندوقا للاستثمار في الدخل الثابت سيركز على الشرق الأوسط وافريقيا. وقال ديلاور فارازي مدير المحفظة في شركة أبوظبي للاستثمار "أعتقد أن المستثمرين الخليجيين بدؤوا يتطلعون إلى فرص في شمال افريقيا.. نتوقع مزيدا من الإصدارات من تلك المنطقة نظرا لاحتياجاتها التمويلية ونتوقع أن يشارك المستثمرون الإقليميون". والوحيد من بين البلدان العربية الذي تسجل عوائد سنداته ارتفاعا واضحا هو الأردن الذي شهد احتجاجات عنيفة في نوفمبر/تشرين الثاني على تخفيضات في دعم الوقود. ونفذ العاهل الأردني بعض الإصلاحات الدستورية ويقول مستشاروه إن نسبة الإقبال في الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في يناير/كانون الثاني ستختبر التأييد الشعبي لوتيرة التغيير السياسي. ويشير أداء سندات أردنية بقيمة 750 مليون دولار تستحق في 2015 إلى أن المستثمرين ربما يكونون أقل ثقة في توصل المملكة إلى نموذج لحل مشكلاتها السياسية والاقتصادية مقارنة بمصر وتونس. وتراجع العائد على السندات من مستويات ذروة فوق ستة بالمائة في أوائل 2011، لكنه أخذ يرتفع منذ الربع الثاني من العام 2012 وبلغ الآن خمسة بالمائة. وفي وقت سابق من 2012، كان الأردن يدرس إصدار سندات دولية تقليدية بقيمة تصل إلى 1.5 مليار دولار لسد بعض احتياجاته التمويلية لكنه لم يفعل. وفي سبتمبر/أيلول أقر البرلمان قانونا يسمح بإصدار صكوك سيادية لكن ليس من الواضح متى يمكن أن يحدث هذا.