نزل الجزائريون بأعداد كبيرة الجمعة الى الشوارع الواقعة في وسط العاصمة، غداة الدعوة التي وجهها الرئيس الإنتقالي إلى الحوار، وبعد إلغاء الإنتخابات الرئاسية. وفي يوم الجمعة السادس عشر منذ 22 شباط/ فبراير الماضي، نزل الجزائريون الى الشارع تعبيرا عن رفضهم للحوار الذي دعا إليه الرئيس الانتقالي عبد القادر بن صالح في خطاب الخميس. وحمل أحد المشاركين في التظاهرة لافتة كتب عليها "لا للحوار مع المزورين". وكان بن صالح دعا الجزائريين إلى حوار من أجل الوصول إلى توافق على تنظيم انتخابات رئاسية "في أقرب الآجال"، بعدما ألغى المجلس الدستوري تلك التي كانت مقررة في الرابع من تموز/يوليو. فبعد رحيل رئيس الوزراء أحمد أويحيى الذي لا يحظى بشعبية، والتخلي عن ولاية خامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة واستقالة الأخير بعد 20 عامًا من الحكم، حقق المتظاهرون مرة أخرى أحد مطالبهم بإعلان المجلس الدستوري في 2 حزيران/يونيو "استحالة" إجراء الاقتراع لعدم وجود مرشحين جادين. وبالنسبة للموظف الحكومي علي (57 سنة) فإن "بن صالح يعيد نفس الخطاب"، مضيفا وهو يحمل لافتة كتب عليها باللغة الفرنسية "يسقط حكم الشيوخ المافياوي المتعفن والمجرم"، "لا يمكننا التحاور مع هؤلاء الأشخاص فكلهم متعفنون دون اي استثناء" كما قال لوكالة فرنس برس. أما ماسي (27 سنة)العاطل عن العمل، فقد قدم من البويرة على بعد 100 كيلومتر منذ الثالثة صباحا لتفادي الحواجز الأمنية لقوات الدرك التي تمنع مرور المحتجين إلى العاصمة. وصرح لوكالة فرنس برس أن "شرط المشاركة في الحوار أو الانتخابات أن يرحلوا جميعا"، وعبر على ذلك في لافتة كتب عليها "يرحلوا جميعا ننتخب جميعا" و"قايد صالح وبدوي (نور الدين، رئيس الوزراء) وبن صالح مشروعكم الوحيد هو البقاء في السلطة مدى الحياة". ويرى الموظف حكيم (45 عاما) أن "هناك شرطين للحوار: أولا لا يجب تحديد خارطة الطريق، وثانيا التحاور مع أصحاب السلطة الحقيقية أي الجيش. فلا فائدة من التحاور مع بن صالح فهو لا يملك سلطة القرار"، وهو يشير بذلك إلى رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح الذي أصبح بحكم الواقع الرجل القوي في الدولة منذ استقال عبد العزيز بوتفليقة تحت ضغط الحركة الاحتجاجية والجيش في 2 نيسان/أبريل. وكان نصيب الرئيس الانتقالي ورئيس أركان الجيش كبيرا في شعارات المحتجين، فلم يتوقفوا عن ترديد "بن صالح إرحل" و"قايد صالح إرحل". ومنذ الصباح الباكر انتشر عناصر الشرطة في ساحات البريد المركزي وموريس أودان وفي الشوارع الكبرى مثل ديدوش مراد وحسيبة بن بوعلي، وباشروا التحقق من هويات المارة، كما لاحظ مراسل فرنس برس. وقام عناصر الشرطة بتوقيف العديد من المتظاهرين، بحسب عدة شهود. وأكد كريم (37 عاما)، أن اثنين من رفاقه قدما من بومرداس (50 كلم شرق الجزائر) تم توقيفهما من قبل الشرطة. وأمام تزايد أعداد المتظاهرين انسحبت الشرطة الى مواقع ثابتة لمراقبة الوضع دون ان تتدخل. وردّ المحتجون برفض دعوة الحوار بشعارات "لا للانتخابات يا العصابات" و"بن صالح إرحل" و"قايد صالح إرحل"، في إشارة إلى رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح الذي أصبح بحكم الواقع الرجل القوي في الدولة منذ استقال عبد العزيز بوتفليقة تحت ضغط الحركة الاحتجاجية والجيش لكن هل يعد إلغاء الانتخابات انتصارا للحركة الاحتجاجية؟ "نعم ولا"، تجيب داليا غانم يزبك الباحثة في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، وكالة فرنس برس، "نعم، بمعنى أن (الانتخابات) لن تجرى، هذا ما يريده الشارع، (...) لأنه من الناحية اللوجستية، من المستحيل تنظيمها". وأمام تعبئة ظلت عالية حتى خلال شهر الصيام في رمضان الذي انتهى الاثنين، ورفض أي شخص يشتبه في تعاونه مع السلطة، لم يتقدم المرشحون لهذه الانتخابات. وأضافت الباحثة: "لا أحد يريد أن يقدم نفسه والمشاركة في هذه المهزلة، ويبدو أن السلطة تفتقر إلى شخصية توافقية" لتمثيلها "وهذا واضح اليوم". ودعوة الحوار التي أطلقها بن صالح هي الثانية بعد تلك التي أطلقها رئيس الأركان وردّ عليها الجزائريون يوم الجمعة الماضي بتجمّعات حاشدة سبقتها حملة توقيفات لم تخفّف من حجم التعبئة. ورفض المحتجون يومها الدعوة إلى الحوار رافعين شعارات منها "لا انتخابات مع العصابات" و"لا حوار مع العصابة والنظام". ويطرح إلغاء انتخابات الرابع من يوليو إشكال بقاء الرئيس الانتقالي في منصبه بينما الدستور حدّد ولايته بتسعين يوما منذ استلام مهامه في التاسع من أبريل، ولا يوجد رئيس يستلم السلطة منه. لكن المجلس الدستوري مدّد ولايته تلقائيا "خارج إطار الدستور" بقرار إبقائه في الحكم حتى تنظيم انتخابات جديدة لم يتم تحديد موعدها بعد. ولايزال بن صالح متمسكا بتنظيم انتخابات "في أقرب وقت ممكن" لاختيار خليفة لبوتفليقة، كما جاء في خطابه الخميس في حين يرفض المحتجون مبدأ الانتخاب دون رحيل كل رموز النظام السابق، وبينهم بن صالح وقايد صالح. هذه هي المرة الثانية التي يتم فيها إلغاء الانتخابات الرئاسية في أقل من ثلاثة أشهر. فبعد ان عجز عن تهدئة الاحتجاجات ضد رغبته في السعي للحصول على ولاية خامسة، ألغى بوتفليقة الانتخابات الرئاسية ل18 أبريل ، في محاولة لتمديد حكمه، وهي مناورة ضاعفت غضب المحتجين. من الصعب معرفة الخطوة التالية التي ستقوم بها السلطة التي يبدو أنها تسير دون تحديد الطريق منذ بداية المظاهرات. وقالت داليا غانم يزبك "أعتقد أن السلطات ترتجل (...) لا توجد حلول على المدى الطويل وعلى عكس ما اعتقد الحكام (الجزائريون) في البداية، لم تتراجع حركة"الاحتجاجات. كما أن الطريقة التي يعتزم بها الجيش حل الأزمة إذا استمرت التعبئة، تثير الآن الكثير من الأسئلة. وإذا كان بن صالح تحدث الخميس للمرة الثالثة منذ توليه منصبه في 9 أبريل ، فقد تحدث الفريق قايد صالح اثنتي عشرة مرة خلال نفس الفترة. لذلك فمن الواضح ان الجيش هو الذي يقود البلد. وقالت داليا غانم يزبك إن "الخيارات" المتاحة الآن للسلطة "محدودة"، مشيرة إلى أن "الحلول العقابية تكون دائمًا خيارًا في أوقات الأزمات السياسية وخاصة عندما لا ترغب الجهات الفاعلة بما في ذلك الجيش في التخلي عن السلطة". وأضافت "لننظر إلى ما حدث في السودان". ولا يغيب عن أذهان الجزائريين القمع الدموي الذي حدث في الأيام الأخيرة في السودان، حيث دفعت حركة الاحتجاج المماثلة المضادة للنظام الرئيس عمر البشير إلى الرحيل لتجد نفسها في مواجهة الجيش. ونشر احد المدونين على تويتر صورة لقمع الجيش للمتظاهرين في السودان. وكتب "لأولئك (...) الذين يدعون للتفاوض مع الجيش" في الجزائر "استيقظوا (...) لا يمكن التفاوض مع الجيش أبدا". وكان ذلك ردّا على دعوة قايد صالح إلى "الحوار"، وإلى تقديم "تنازلات متبادلة".