كثيرة هي الأمور التي تدلل اليوم على أنّ الحكومة المغربية تُصرّ على ضرب المدرسة العمومية وإعادة المنظومة التّعليمية إلى نقطة الصّفر عبر سيّاستها الإقصائية التي اتّبعتها في حقّ الأساتذة حاملي الشّهادات العليا الذين يُطالبون بحُقوقهم المشروعة . ولا أحد يُنكر أن ّسيّاسة الآذان الصّمّاء التي نهجتها الحُكومة تُجاه ملفّ هؤلاء الأساتذة سيزيد الأمور تعقيداً ولن يَكون إلاّ وبالاً على أبناء الشّعب الذين يطمحون إلى مدرسة نموذجية تستطيع أن تواجه التحديات. أكثر من سنتين والأساتذة يُناضلون في الشّوارع من أجل الكرامة ومن أجل حقوقهم المشروعة المتمثلة في الترقي بالشهادة وتغيير الإطار بشكل مباشر وبأثر رجعي ومع ذلك تُواجه نضالاتهم بالتّعنت والقمع والتنكيل دون أي وجه حق .
ما الذي يزعج الحكومة المغربية في ملفّ الأساتذة حاملي الشّهادات؟وما الذي يجعلها تتعنّت في الاستجابة لمطالبهم خاصّة وأنّ الدّولة قامت بتسويّة وضعيّة العديد من الملفّات مثل ملفّ الممرّضين والأطبّاء، وكذلك ملف موظفي وزارة العدل، وقبلهم ملف الأساتذة حاملي الشّهادات؟
هل يُمكن القول أنّ الدّولة تُميّز بين موظّفيها عندما تقوم بتسويّة وضعيّة موظّفين وترفض في المقابل تسويّة وضعيّة موظّفين في القطاعات الأخرى ؟
من حين لآخر يُثار التّساؤل حول من المسؤول عن فشل المنظومة التّعليمية في المغرب ،فيتمّ توجيه سهام النّقد إلى الأستاذ ويُحمّلونه كل المسؤوليّة فيما وصلت إليه أحوال التّعليم في بلدنا ،كلّ ذلك من أجل التّغطية على فشل الحكومة التي حملت شعار التّغيير والتي تعهّدت بتطبيق الدّستور وإصلاح المنظومة التعليمية.
كنّا نعتقد أنّ الإصلاح الذي صدّعت به رؤوسنا سيكون إصلاحاً شاملاً يرتقي بالمنظومة التّعليمية ويضع حداّ للعشوائية التي لازمت القطاع منذ عقود، لكن يبدو أنّ التّغيير الذي جاءت به الحكومة في قطاع التعليم كان على غير ما كنّا نتوقع فسمعنا عن تغيير "البغرير " وعن تغيير "البريوة "وعن مهزلات أخرى كانت بمثابة صفعة على وجوه المغاربة الذين كانوا ينتظرون عهداً جديداً يُعيد الهيبة للمدرسة العمومية .
في الوقت الذي كنّا ننتظر أنّ تقطع الحكومة مع عهد التّمييز ومع عهد اللاّعدالة ومع عهد "الحكرة" تُصرّ هذه الأخيرة على تَعنّتها وتتشبث بعدم الاستماع إلى مطالب الشّغّيلة التّعليمية وتُعيد نفس السّيناريوهات التي أوصلت المنظومة إلى الحضيض. عدم تلبيّة مطالب الأساتذة الحاملين للشّهادات والأساتذة القابعين في السُّلّم التّاسع والأساتذة الذين فُرض عليهم التّعاقد كُرهاً ،هو تَعنّت غير مفهوم من طرف الوزارة الوصيّة ومن طرف الحكومة التي يبدو أنّها لا تضع مصلحة المدرسة العمومية نصب أعينها ، ولا تهمّها مصلحة أبناء المغاربة بالرغم من الشّعارات التي طالما ترفعها .
ماهيّ حجّة الدّولة المغربية في عدم تلبية مطالب الأساتذة؟وماهي حجّتها في عدم الجُلوس على طاولة الحوار مع هؤلاء الأساتذة الذين لا يُطالبون سوى بِحقوقهم المشروعة ؟
حُججهم في ذلك أنّ الدّولة لا يمكن أن تتحاور مع تنسيقيات غير معترف بها كل هذا جميل، لكن لماذا سبق للدّولة أن جلست على طاولة الحوار مع تنسيقية
الأساتذة المتدرّبين؟ هل هذا يعني أنّ الدّولة تقبل الحوار مع تنسيقيات وترفض في المقابل الجلوس مع أخرى ؟
ثم إذا كانت التّنسيقيات غير معترف بها والحوار لا يمكن أن يتم في ظل وجودها فما هي الجهة التي يُمكن أن تُمثّل هؤلاء ؟
سيقولون طبعاً النّقابات الأكثر تمثيلية
كل الاتّفاقات التي حصلت بين الحُكومة والنّقابات كانت بمثابة اتّفاقات بيع قضايا الشّغيلة التّعليمية وهي اتّفاقات أساسها الإجهاز على الحُقوق والرّكوب على نضالات الأساتذة ولنا في الكثير من المحطّات المثال الصارخ لمثل هذه الخيانات واهِم من يعتقد أنّ الحكومة بتسلّطها على الأستاذ وبتعنّتها في الاستجابة لمطالبه المشروعة ستثنيه عن مواصلة النّضال من أجل انتزاع الحقوق فالمقاربة الأمنيّة لم تُجد نفعاً ولن تجدي ،والاقتطاعات من أجور الموظّفين لن تُوقف عزيمة هؤلاء ، فلا خيار أمام الحكومة سوى الجلوس إلى طاولة الحوار والبحث عن حلول لهذه الأزمة التي أصابت المنظومة التّعليمية بالشلل .
إصلاح قطاع التّربية لا يكون بمعزل عن الأستاذ، والرُّقي بالمدرسة العمومية لا يمكن أن يكون بمثل هذا المنطق الإقصائي الذي سيُعيد بالمنظومة التّعليمية إلى الوراء ،فالإصلاح يجب أن يكون شاملاً يستحضر جميع المتدخّلين أمّا التّعنت فلم ينتج عنه سوى المآسي وأحوال المدرسة المغربية خير دليل على ما نقول.