تشد أنظار الأمريكيين والمتتبعين للشأن السياسي في بلاد العام سام الى انتخابات منتصف الولاية الرئاسية المقررة خلال الاسابيع القليلة المقبلة، والتي ستحدد نتائجها بشكل كبير ميزان القوى بين الحزبين الديمقراطي والجهوري داخل الكونغرس في ما تبقى من ولاية الرئيس دونالد ترامب. وفي قلب الرهان السياسي الكبير الذي يكتنف هذه الانتخابات التي تعد أيضا، برأي المراقبين، استفتاء على أداء الادارة الجمهورية الحالية التي تسعى جاهدة لاستثمار بعض النجاحات على المستوى الاقتصادي وعلى صعيد السياسة الخارجية للحفاظ على الأغلبية بمجلسي النواب والشيوخ، يبرز رهان آخر لايقل أهمية خاصة بالنسبة للأقليات المسلمة، ويتمثل في ولوج امرأتين مسلمتين لأول مرة في التاريخ الأمريكي الى الكونغرس. وتبدو حظوظ المرشحتين رشيدة طليب الأمريكية من أصل فلسطيني وإلهان عمر ذات الاصول الصومالية اللتين حققتا مؤخرا فوزا بينا في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في ميشيغن ومينيسوتا، وافرة لنيل مقعد بالمؤسسة التشريعية الأمريكية في سياق موسوم بتدني غير مسبوق في لهجة الخطاب الرسمي تجاه الأقليات والمهاجرين تحديدا. وفضلا عن خلفيتهما الدينية، تجمع قواسم مشتركة عديدة بين المرشحتين المسلمتين المنتميتين لأسرتين اضطرتهما ظروف الاحتلال والحرب الاهلية ومعاناة اللجوء الى الهجرة الى الولاياتالمتحدة، حيث برزتا في مضمار العمل الاجتماعي لفائدة الأقليات والفئات الهشة والدفاع عن حقوق النساء، كما عرفتا بمواقفهما المعلنة المناهضة لسياسات الإدارة الأمريكية الحالية لاسيما حيال قضايا الهجرة والدعم الاجتماعي. وبفضل عملها الدؤوب وانخراطها الفاعل، نجحت رشيدة طليب المحامية السابقة البالغة من العمر 42 سنة والتي ولدت وترعرعت في ديترويت، في تحقيق التفاف كبير حول برنامجها الذي يرتكز،كما تقول، على "القيم التقدمية وحقوق الانسان والمساواة للجميع" وهو ما أهلها بجدارة لتمثيل الدائرة 13 في ميشيغن في الكونغرس. وهزمت طليب التي ولجت سنة 2009 إلى مجلس النواب في ولاية ميشيغن، خمسة منافسين ديمقراطيين، فيما لم يتقدم أي مرشح آخر من الجمهوريين لمواجهتها وبالتالي يبدو الطريق سالكا أمامها لدخول مجلس النواب. ومن المتوقع أن تخلف طليب الديمقراطي جون كونيرز ( 89 عاما) الذي اضطر للاستقالة بعدما أمضى أزيد من نصف قرن في الكونغرس على خلفية اتهمات بالتحرش الجنسي. وتدافع طليب وهي ابنة مهاجر فلسطيني من القدس عن برنامج ينص على المساواة في الرواتب بين الرجال والنساء، والتعليم الجامعي المجاني مرورا بالصحة العامة وإلغاء مرسوم الهجرة الذي اعتمده ترامب، إلى جانب حماية البيئة. وبخصوص أولوياتها، تقول طليب في حديث صحفي "إن التعليم من أهم أولوياتي لأنه استثمار في المستقبل، كما أن الثقافة حاجة ملحة في حياتنا وأهم سبيل للقضاء على الفقر وخفض معدل الجرائم وايجاد فرص عمل". وتؤكد طليب التي نشأت في مدينة تضم نحو 20 جنسية، أن التنوع ضروري لبناء مجتمع متكامل "فالتعايش مع اختلاف الثقافات ثقافة في حد ذاته"، مشيرة إلى أن الناخب اهتم بقدراتها على تقديم الخدمات الاجتماعية أكثر من الأمور الأخرى. " لقد ترعرعت ،تقول طليب، في الجزء الجنوبي الغربي من دترويت الفقير حيث أغلب السكان من الللاتينين والامريكيين من أصل افريقي ونحو 3 بالمائة من البيض. اعتقد أن هذا هو مايحدد هويتي أكثر ويفسر رغبتي في العمل والتوق للعدالة الاجتماعية". وخلصت طليب الى القول "لا تهم خلفيتك الدينية أو العرقية فبالعمل الدؤوب والصدق يمكنك أن تصل الى مناصب قيادية والمساهمة في إحداث التغيير". من جهتها، تعد المرشحة إلهان عمر البالغة من العمر 35 عاما عنوانا آخر لنجاح باهر تصنعه سيدة أمريكية مسلمة سبق أن فازت بعضوية مجلس نواب ولاية مينيسوتا سنة 2016، لتصبح أول مسلمة محجبة في مجلس تشريعي بالولاياتالمتحدة. ويعد مسار إلهان عمر التي غادرت الصومال رفقة أسرتها في سن 8 سنوات هربا من جحيم الحرب الأهلية لتقضي أربع سنوات في مخيمات اللجوء بكينيا، ملهما لأبناء المهاجرين وحافزا للأقليات على إيجاد موطئ قدم في دوائر صنع القرار للدفاع عن حقوقها وقضاياها والتعبير بصوت مسموع عن تطلعاتها. وفازت عمر بترشيح الحزب الديمقراطي عن الدائرة الخامسة في مينيسوتا لتحل محل النائب الديمقراطي كيث إليسون الذي بات مقعده شاغرا بعدما قرر الترشح لمنصب المدعي العام. وتعتبر إلهان عمر التي تشرف على مجموعة نسوية تعنى بتأهيل بتهيئة اللاجئات للاندماج في المجتمع الأمريكي أن فوزها في الانتخابات التمهيدية "هو رد مباشر على المخاوف السياسية التي يؤججها الرئيس الأمريكي وإدارته" مؤكدة "مهمتي زرع الأمل في نفوس الناس، ليمتلكوا إرادة المقاومة ويستمروا بالإيمان بأن هنالك بارقة أمل، لنتحدث حول طبيعة الأمة التي يجب أن نكون عليها والتي نستحقها". في خضم التنافس المحموم بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي والذي تغذيه تفاعلات القضايا العديدة المثارة في المعترك السياسي الامريكي، يقدم أداء المرشحتين المسلمتين رشيدة طليب وإلهان عمر خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي ملمحا عن الخيارات المطروحة أمام الحزب في مواجهة سياسات الرئيس دونالد ترامب ومن ضمن هذه الخيارات جنوح إيديولوجي واضح نحو الخط اليساري، ومعانقة قضايا الاقليات والفئات المتضررة من توجهات الادار ة الامريكية الحالية. ولعل هذا ماذهبت إليه (واشنطن بوست) التي وصفت الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي بأنها "انقلاب داخل الحزب"، وأن "الجميع سيكون بانتظار النتائج، لمعرفة إن كان بإمكان المرشحين المسلمين تحقيق الاختراق المطلوب والفوز".