تفاجأ الرأي العام المغربي ,سواء منه من يؤيد حكومة السيد عبد الإله بن كيرا ن أو أولئك الذين يعارضونها , بتصريحات خطيرة لرئيس الحكومة قدمها في إحدى البرامج الحوارية الأكثر مشاهدة في الوطن العربي حيث عبر السيد بن كيران عن عفوه عن كل المفسدين من العهود السابقة شريطة عدم العودة لفسادهم و أردف عفوه بآية كريمة( ومن عاد فينتقم الله منه) و هو بهذا يخلط الحابل بالنابل في الإجراء و الاستدلال. كان الشعار الرئيسي لحملة حزب العدالة و التنمية الذي يقود الائتلاف الحكومي في الانتخابات التشريعية هو محاربة الفساد و القضاء عليه ,البرنامج الانتخابي الذي كان شعاره بالحرف : "صوتك فرصتك ضد الفساد و الاستبداد",و بالتالي استخلاص الكتلة المالية الخيالية التي ضاعت على ميزانية الدولة من النهب و الفساد و اقتصاد الريع و مختلف أنواع الفساد المالي و الإداري المستشري بين مفاصل الجسم المؤسساتي المغربي, و بالفعل تجاوب حيز كبير من المغاربة مع هذا الشعار و صوتوا لأجل محاربة الفساد الذي سيقوده الحزب بعد ان ينال قيادة الحكومة, ثم تبلور الشعار في ميثاق الأغلبية الحكومية الذي تضمن بالحرف في الصفحة الثانية عبارة " التصدي للانحرافات واقتصاد الريع والفساد في كل المجالات المتعلقة بحقوق ومصالح وكرامة وحريات المواطنين والمواطنات"و قد عبر السيد بن كيران و باقي القيادات الحزبية أنهم إن لم يفلحوا في محاربة هذا الوحش المفسد في البلاد فإنهم كما قالوا(غادي احطو السوارت) في إشارة إلى أنهم سيقدمون استقالتهم و يتراجعون عن قيادة حكومة لم تستطع الوفاء بالتزاماتها, و كان ما كان و نال الحزب أغلبية أهلته لقيادة الحكومة , و حدث ما خاف منه فلم يستطع محاربة لوبي الفساد لكنه بدل ان يسلم المفاتيح كما قال , عفا عن هذا اللوبي و طبعا هو ليس عفوا عند مقدرة بل عفو عن استسلام و عن عجز في محاربة هذا اللوبي الأخطبوطي . بالنظر إلى العفو الذي قدمه السيد الرئيس للمفسدين شريطة عدم العودة , فإننا نقول له إن العفو يكون ممن يملك الحق فيه, و من يملك هو الشعب المغربي الذي لم تنل منه توكيل عام بالتصرف في أمواله فمن حقك التنازل فقط عن حقك و أما دون ذلك فلا طائل لك عليه, و أما مسألة (ومن عادة فينتقم الله منه) فنقول إن الاستدلال باطل سيدي فالله عفا عن مقترف الصيد في الحرم و الذي هو حق بين الله و العبد و حتى ملك الملوك رب السماوات و الأراضين لم يعط لنفسه الحق في العفو عن مظالم العباد ما لم يعف العبد عن أخيه, و هذا هو الحادث هنا فالمفسد سرق مال الشعب و الشعب الوحيد المؤهل للعفو عنه ثم بعد ذلك قد يعف الله عن انتهاك محارمه و المتمثل في السرقة المحرمة شرعا, ثم إن التوبة و العفو مشترطة بإرجاع الحقوق إلى أهلها و هو ما لم يحدث, وبالتالي فقياسك باطل من أساسه, فاحذر التعامل مع الآيات تلبيسا لعقول العامة و تدليسا في شرع الله,و إذا كان الله جل جلاله قادر على الانتقام منهم إن عادوا فان عبدا ضعيفا مثلك لم يقدر على اللوبي المفسد من البداية حتى إن عادوا لن تقدر عليه مرة أخرى كما لم تقدر عليه في الأولى. إن الوعود الانتخابية هي بمثابة عقود و التزامات بين الناخب و المنتخب و من شأن الإخلال ببنود هذه العقود إخلالا بالرابطة القائمة بين المتعاقدين, و لما كان شعارك الانتخابي يستند أساسا على محاربة الفساد فان التخلي عن محاربة الفساد كاف لإسقاط السيد الرئيس من منصبه التعاقدي مع الشعب إن كان بطبيعة الحال يحترم وعوده و التزاماته و إلا فلا طاقة للشعب بإنزاله من مقعده.