هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



\"جحيم البرد\" في جبال أزيلال
نشر في أخبارنا يوم 04 - 03 - 2011

يواجه سكان المناطق الجبلية بالأطلس، وتحديدا بضواحي إقليم أزيلال، مشاكل كثيرة مع حلول فصل الشتاء. لا يختلف الأمر لدى الكبار أو الصغار، فالكل يعاني من موجة برد قارس اجتاحت المنطقة.
معاناة تتجدد كل عام في أقصى المناطق، تحكي فصولا من الألم لفقراء المغرب بعد أن اشتدت موجة البرد، منذ نهاية يناير الماضي إلى مطلع فبراير الحالي، بشكل لافت مقارنة مع السنوات الماضية.
سكان هذه المناطق ما يزالون يراهنون على تدخل الدولة لتحسين مستوى عيشهم، بتعبيد الطرقات لتسهيل نقل قنينات الغاز بتكلفة أقل، وتقريب المستوصفات من الدواوير المعزولة.
ومن أبشع مظاهر العزلة حمل النساء الحوامل على النعوش، إذ يتناوب رجال المنطقة على حملهن على طول الطريق الجبلية الشاقة، وفي غالب الأحيان، تقع بعض الكوارث، فتتوفى العديد منهن بسبب الوضع على بساط الثلج.
يحول البرد بالمناطق الجبلية المحيطة بأزيلال، وبالضبط في كل من زاوية أحنصال وآيت محمد ومرتفعات آيت بوولي وآيت أمديس الشمالية والجنوبية، دون حضور التلاميذ بشكل منتظم إلى الفصل الدراسي. ويؤكد محمد.ك، أستاذ بمجموعة مدارس تغانمين،أن "ظاهرة غياب التلاميذ دون سن العاشرة ترتفع بشكل لافت في فصل الشتاء".
قصة التلميذ حميد، ذي الثماني سنوات، والمنحدر من أكودينلخير، شاهدة على الواقع المرير لعشرات الآلاف من أبناء الإقليم، يدرس بمدرسة تغبولا بجماعة آيت امحمد، يضطر إلى الاستيقاظ باكرا، ورغم ذلك لا يصل إلى المدرسة في الوقت المناسب، لأن شدة البرد في فجاج ووديان آيت امحمد تحول دون خروجه إلى حين شروق الشس ليبدأ رحلة معاناة السير ساعتين، وصولا إلى المدرسة عند التاسعة والنصف.
طلب والد حميد من مدرسه السماح له بمغادرة الفصل الدراسي قبل الرابعة مساء، حتى لا يبقى خارج البيت إلى حلول الظلام.
التعويض عن التدفئة
أسوة بباقي القطاعات التي تعوض موظفيها عن مصاريف التدفئة، تتبنى النقابات مطالب الشغيلة التعليمية في التعويض عن التدفئة والمناطق النائية والصعبة. وفي السياق ذاته، تنبأ عدد من متتبعي الشأن التعليمي بتراجع نسبة نساء ورجال التعليم الراغبين في الانتقال من المناطق النائية نحو المدينة في حالة تحقيق مطلب التعويض عن المناطق النائية والصعبة وعن مصاريف التدفئة.
ويواجه مواطنون فقراء البرد القارس بوسائل بدائية، فسكان دواوير جبال الأطلس الباردة تعودوا على جمع الحطب لمواجهة موجة البرد والاقتصاد حتى لا يضطروا إلى شراء وتعبئة قنينات الغاز (5 كيلوغرام)، التي غالبا ما تصل أثمنتها إلى 15 درهما في أعالي جبال الأطلس، أي أن سعرها يتضاعف بنحو 50 في المائة مقارنة مع سعرها القانوني.
لكن اللجوء إلى الطبيعة لمواجهة البرد أمر قد لا يبدو إيجابيا دائما، فأصدقاء البيئة لاحظوا أن الغابة تتعرض للاجتثاث بشكل فاق التوقعات، فمثلا منطقة "متون آيت أمديس" تغير لونها وأصبحت بلون التراب بعد أن قطع السكان لكل الشجيرات بها.
المواشي تعاني
يقول محمد، البالغ من العمر 74 سنة، يقطن بقرية تافراوت بآيت عبدي منذ صغره: "الماشية تنال حقها من البرد القارس، والكسابة ورعاة الغنم يتجنبون إخراج مواشيهم إلى المراعي قبل ذوبان الصقيع".
أكد محمد أن تناول الماشية للعشب الممزوج بالصقيع يؤثر سلبا عليها، ويؤدي إلى ظهور أعراض غالبا ما تنتهي بنفوقها. وبخصوص تأثير البرد القارس على صغار الماشية، أوضح أن برودة الطقس تعجل بإسقاط جنين البقرة أو الشاة (الإجهاض)، وأعطى مثالا بالسنة الماضية حيث نفقت عشرات من صغار رؤوس الماشية أثناء الولادة من شدة قسوة البرد.
المشردون
فئة مسحوقة كانت ضحية قساوة المجتمع، فخرجت إلى الشارع الرحب لتفترش الأرض وتتوسد الحجارة في انتظار الصباح.
بعض المشردين يتناولون الكحول لمقاومة البرد القارس. يظهر أغلبهم ببطون وسيقان منتفخة من شدة البرد. وفي مرات كثيرة يهلك بعضهم في ركن مهمل من الشارع دون أن ينتبه إليه أحد، وأزيلال والقرى الصغيرة المحيطة بها ما زالت تحتضن أعدادا من هذه الفئة.
المواطنون من هذه المناطق ما زالوا يراهنون على تدخل الدولة لتحسين مستوى عيشهم، بتعبيد الطرقات لتسهيل نقل قنينات الغاز بتكلفة أقل. وتقريب المستوصفات من الدواوير المعزولة. التلاميذ أيضا لهم ملف مطلبي، يتمثل في تحسين جودة الإطعام المدرسي، وتجهيز كل المؤسسات التعليمية بوسائل التدفئة تضمن لهم حسن الاستماع إلى تعليمات المدرس، الذي يطالب بدوره بالتعويض عن المناطق النائية والصعبة ومصاريف التدفئة.
وللتخفيف من الغيابات في صفوف المدرسين والمتعلمين، طرح عدد من الفاعلين الجمعويين تعديل الزمن المدرسي، الذي شددت المذكرة الوزارية 154 على تأمنيه، بتخصيص فصل الثلوج والأمطار كفترة عطلة لتجنب كل المشاكل التي تلاقيها الأسرة التعليمية، وتوفيرا للمصاريف التي تنفق لمواجهة البرد في كل المؤسسات.
مؤسسات باردة
أغلب المؤسسات التعليمية بالعالم القروي تفتقد لوسائل الوقاية من البرد الشديد, ولمعرفة الآثار السلبية التي خلفها البرد في هذه المناطق، اتصلت "مغرب اليوم" بعدد من المصادر في كل من منطقة آيت امحمد وآيت بوولي وزاوية أحنصال وآيت أمديس الجنوبية، أفاد خلالها المعنيون بظهور أعراض المرض على أغلب التلاميذ، خصوصا المعنيون بظهور أعراض المرض على أغلب التلاميذ، خصوصا المنحدرين من أوساط فقيرة، فمنهم من يتبولون بشكل لاإداري في المنزل أو في القسم، كما تظهر على وجوههم آثار وأمراض جلدية، وتشهد شفاههم تشققات غالبا ما تسبب ألما للطفل.
الأستاذ نور الدين، مدرس بآيت امحمد، أكد أنه رغم موجة البرد العابرة إلا أنها تخلف آثارا سلبية على الأطفال، وأشار إلى أن التلاميذ بالمؤسسة أصيبوا بالزكام، ا استدعى تدخل المسؤولين بالنيابة الإقليمية بأزيلال، التي تقدمت أطباء إلى عين المكان.
ومن معاناة التلاميذ أيضا غياب زجاج النوافذ، الشيء الذي يفسح المجال لدخول تيارات باردة أثناء فترة التعلم. والسبب استفحال ظاهرة الاعتداء على المدرسة في العالم القروي، إذ تبقى مؤسسات كثيرة في فترات العطل بدون حارس، وأخرى بدون سور واق، فتتعرض للسرقة وإتلاف تجهيزاتها، في مقدمتها وسائل التدفئة.
ورغم مجهودات الإدارة لتجهيز المؤسسات بالوسائل الضرورية، كوسائل التدفئة، فإن تزويد المدارس بمادة الفحم الحجري من النوع الرديء عوض الحطب الخشبي لم يحل المشكل نهائيا. فالفحم لا يشتعل بسهولة، كما أن استخدامه يتسبب في روائح كريهة وأدخنة تؤثر سلبا على سير الدرس وتلوث الفصل الدراسي، ولهذا السبب لا زالت هذه المادة تتراكم في أركان كثيرة من ساحات المؤسسات التعليمية.
ولمعرفة رأي المسؤولين، اتصلنا بالنيابة الإقليمية، التي أوضحت أن إعداد الفحم الحجري للتدفئة في الفصول الدراسية لا يتطلب احترافية كبيرة، وذكرت أنه يستوجب تعاون الجميع، وفي مسألة تفضيل الفحم عن الخشب، أكد المسؤول بنيابة أزيلال أن الوزارة هي التي وضعت اختيارها على الفحم الحجري لأهداف بيئية بالدرجة الأولى، لأنه يتوفر على نسبة أقل من ثاني أكسيد الكربون، كما أن استعماله يعوض مادة الخشب التي بدأت ترتفع أثمانها في الأسواق بشكل كبير، وعزى المسؤول بالنيابة عدم تعميم التدفئة على المؤسسات التعليمية بأن الجهة تنتظر تنفيذ صفقة اقتناء أفران التدفئة بإمكانها حل المشكل نهائيا في كل المؤسسات بالإقليم.
فمن يبادر إلى تقديم خدمة التدفئة للتلاميذ في ظل غياب مهام محددة في هذا الشأن، حيث يرفض عدد من الأعوان إشعال الفرن، في حين تبقى المهمة بالنسبة للأستاذ مستحيلة بالنظر إلى دوره شبه المستحيل في الأقسام المشتركة، بغض النظر عن متاعب الطريق ذهابا وإيابا إلى الفرعيات النائية. وقد لوحظ أن وتيرة مواجهة موجة البرد على صعيد المؤسسات التعليمية بطيئة جدا بطء مشاريع جمعية مدرسة النجاح التي أخرجت إلى الوجود السنة الماضية لمنح استقلالية مالية للمؤسسات لإنجاز مشاريع صغيرة تساهم في إنجاح جهود التعلم.
تلامذة القسم الداخلي بدورهم نالوا حقهم من قساوة البرد، بسبب غياب سخانات الماء/ ما يفرض عليهم استعمال مياه الصنابير للغسل.
العزلة القاتلة
تعرف عدد من جبال أنركي وآيت أقبلي وزاوية أحنصال خمسة أشهر من الشتاء البارد. وتتساقط الثلوج بكمية كبيرة تعزل المنطقة عن العالم الخارجي، وتحاضر المراعي ويندر الماء بسبب التجمد، ويقل الكلأ بالنسبة للماشية، ويتعذر التنقل لجلب المؤونة، وقد عرفت المنطقة العديد من ضحايا الثلوج. ومن أبشع مظاهر العزلة حمل النساء الحوامل على النعوش، حيث يتناوب رجال المنطقة على حملهن على طول الطريق الجبلية الشاقة للوصول إلى المستوصفات البعيدة، وفي غالب الأحيان تقع الكوارث، حيث توفيت العديد منهن بسبب الوضع على بساط الثلج.
فحمل النساء على النعوش بحثا عن دار للولادة ما زال طريقة متبعة في عدد من مناطق إقليم أزيلال في آيت بولمان، 17 كيلومترا من مركز تاكلفت، وفي آيت عبدي –غرب إملشيل- التي تفوق ساكنتها 4000 نسمة.
ويحمل المرضى كذلك على النعوش من أجل تلقي الإسعافات في مستوصفات قريبة من قراهم.
المعرض "حميد" أكد أن "البنايات لوحدها لا تكفي، لأننا نحرج أمام المواطنين في ظل غياب الأدوية والتجهيزات الكافية لإسعاف الموضى والمصابين. فالمستوصفات التي أنشئت بالإقليم لا تستطيع تقديم كل الخدمات للمرضى".
يتابع حميد: "حتى الدواء الأحمر"، أرخص وصفة طبية في العالم، ليست في متناول ساكنة آيت عبدي، باستثناء منطقة زركان التي شيد بها مستوصف السنة الماضية".
وفي نفس السياق، تعاني مستوصفات كثيرة في أزيلال من نقص الموارد البشرية، حيث يتوفر مستوصف تاكلفت على مولدتين، وطبيب واحد ل20 ألف نسمة.
مبادرة
في سؤال حول الخدمات الصحية التي تقدمها الجماعة للمواطنين، صرح يوسف بولعوان، رئيس جماعة زاوية أحنصال: "نصل إلى الساكنة عبر سيارة الإسعاف التي قدمتها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية للجماعة، وقد قدمنا طلبا للمندوب الإقليمي للصحة للرفع من حصة الأدوية التي تقدم للجماعة. ننتقل إلى المركز المتعدد الاختصاصات في "تغانيمين" حيث نلتقي بالمواطنين الذين يرغبون في التزود بالأدوية. وقد قام طاقم من ممرضتين خلال الأسبوع الماضي بجولة عبر ثلاثة دواوير. وتشكل دواوير آيت عبدي و"أكناريو بقيلة آيت عطا" الاستثناء في ظل غياب طريق يصلنا بها". وأكد أن إمكانيات الجماعة ضعيفة، تحتاج إلى وحدة متنقلة وإلى دعم كبير لتغطية حاجيات الساكنة المتزايدة.
في "مغارة عائشة"
عائشة وزوجها موحى يعيشان في مغارة منذ الستينات من القرن الماضي على بعد عشرة كيلومترات من الطريق المؤدية إلى آيت عبدي.
لا تفارقهما الابتسامة. استقبلونا بترحاب كبير. موحى الراعي قال إنه فرح جدا بزيارتنا لكي نرى بأعيننا الحالة التي يعش فيها مع أسرته المكونة من خمسة أفراد. لقد حولوا المغارة إلى متحف علقت به كل حاجياتهم وأوانيهم المنزلية. فالمطبخ وغرفة الضيوف وغرفة النوم واحدة. موحى رد على سؤالنا: "هل تكفيكم غرفة واحدة محاطة بالحجارة في جوف منحدر وعر؟"، أجاب: "التيساع كاين في القلب". تبادلنا الحديث مع موحى واستوقفنا في لحظة مؤثرة في حياته سنة 2009 حين أجهش بالبكاء أمام بناته بعد أن استفحلت الأزمة إثر عاصفة ثلجية دامت أسبوعين، ونفذت مؤونة الأسرة وعلف الماشية وأحس بوحشة مخيفة بعد أن انقطع خبر القبيلة عنه. عائشة وزوجها يعيشان حياة خاصة في مغارتهما التي يخيم عليها سكون كل ليلة خارج تغطية القنوات التلفزية والهاتف النقال...
طفولة مغتصبة
محمد من "إمضر"، فاطمة من "زركان"، وغيرهم من أطفال آيت عبدي الذين تتراوح أعمارهم بين ست وأربع عشرة سنة. لم يلجوا المدرسة في حياتهم، لأن مدارسهم مقفلة بعد توقف الدراسة منذ 2005، بسبب غياب الأطر التربوية تارة، ورفض بعض الأساتذة الالتحاق بمدارسهم. فاطمة تفضل كل يوم أن تلعب بجوار مدرسة زركان التي تحولت إلى أطلال في انتظار يوم تحمل فيه المحفظة كقريناتها.
أطفال الثلج بآيت عبدي لا يتابعون المهرجانات أو أي شيء من هذا القبيل... لا يلعبون كرة القدم... هم أطفال يداعبون كرات الثلج شتاء ويبحثون عن الزعتر ربيعا ويورعون الغنم صيفا... في انتظار وعود السلطات الوصية التي التزمت بإنجاز مشروع نموذجي يبدأ في 2009، لكنه تأخر لأسباب تتعلق بتعثر الصفقات.
هذا المشروع قيل إنه سيشمل بناء مدرسة جماعتية ووحدة صحية وبناء السوق الجماعي، ووحدة لتخزين وبيع المواد الغذائية، والتزود بالماء الصالح للشرب، وبناء مركب إداري، وتهيئة مدرج لهبوط المروحيات. هذه المشاريع إن تحققت فبإمكانها إخراج قبائل آيت عبدي من عزلتها وتخفف من المعاناة التي عاشتها خلال السنوات الماضية على وقع كوارث إنسانية، في مقدمتها فقدان ثمانية أشخاص بسبب الثلوج، من بينهم ستة أطفال دفعة واحدة خلال 2009، إضافة إلى استمرار العزلة عن العالم الخارجي، وتفاقم حدة الفقر وغياب التجهيزات الصحية بشكل نهائي في عدد من الدواوير. أما الأمية والهدر المدرسي فقد تسببت في ضياع أجيال بأكملها، تحولت في عز طفولتها إلى الرعي.
أزيلال في سطور
بعد إقليم أزيلال منطقة جبلية شديدة التقطع، تبلغ مساحتها 9800 كلم مربعا، تقطنها ساكنة تفوق نصف مليون نسمة. يتوزع السكان عبر المجال بكثافة تصل إلى 46 نسمة في الكيلومتر المربع. يتكون الإقليم من 44 جماعة قروية، منها بلديتان. غالبية ساكنة الإقليم قرويون يعيشون على الفلاحة بجانب الأدوية وسهول ضيقة فوق قمم جبال الأطلس. كما يعتبر الرعي النشاط السائد في الجبال. ورغم المجهودات الكبيرة التي تبذلها الدولة ما زالت بعض الظواهر متفاقمة، في مقدمتها الأمية التي تتفشى في صفوف النساء وتصل في مناطق أخرى إلى أكثر من 90 في المائة على خلاف الأرقام الرسمية. كما تسود البطالة في صفوف الشباب الحاصل على الشواهد العليا وغيرهم. تنتقل الأيدي العاملة من الإقليم بحثا عن العمل في هوامش الدار البيضاء وحقوق قلعة السراغنة وأكادير وزيان في خنيفرة في موسم الحصاد. تشتهر أزيلال بغابات البلوط والعرعار وخزانات المياه الجوفية، وبها سدان كبيران (سد بين الويدان والحسن الأول). وتشتهر بأنها "بقرة حلوب" تتغذى في جبال الأطلس وتحلب في منبسط تادلا.
مستشفيات عسكرية لموسم الشتاء
أعطى الملك محمد السادس تعليماته من أجل إقامة ثلاث مستشفيات عسكرية ميدانية في الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر الماضي. هذه المستشفيات أقيمت كخطة احترازية، تحسبا لأي طارئ في المناطق التي تشهد عادة تساقطات ثلجية تتسبب في غالب الأحيان التي تغلب على طبيعة السطح بهذه الأقاليم.
هذه العملية الإنسانية استفادت منها ثلاث مناطق، وهي الجماعة القروية لآيت امحمد، التابعة لإقليم أزيلال، والجماعة القروية لأكوديم، التابعة لقيادة تونفيت، والجماعة القروية أموغار، وكلا الجماعتين التابعتين لإقليم ميدلت.
المستشفيات العسكرية الثلاث تتوفر على أطقم طبية وشبه طبية، بالإضافة إلى قاعات إجراء العمليات الجراحية، والتجهيزات الخاصة بالتشخيص بالأشعة والتحليلات الضرورية للتشخيص والعلاجات في تخصصات مختلفة. وخلال أسابيع الثلاثة التي عمل فيها المستشفى بآيت محمد، والذي زاره ما يناهز 500 شخص يوميا من مختلف الجماعات القروية بأزيلال. وحسب متتبعين فإن أعدادا مهمة من زوار المستشفى أتت بسبب أعراض البرد الذي تعرفه المناطق الجبلية خلال فصل الشتاء من كل سنة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.