"نسمع عن فضائح بالجملة في مؤسسات الدولة, أبطالها ممن وضعت فيهم الثقة لتسيير شؤون البلاد فخانوها, أبطالها ممن يفترض فيهم أن يكفروا عن أخطاء الماضي فإذا بهم يعيدونها في أسوإ مظاهرها وأبشع معانيها, فإذا بالشعب عندما يسمع عن الفضائح, ويتنفس الصعداء أن قد أصبحنا في دولة الحق والقانون والعدل, وأنه قد حان وقت إقامة الحد على المفسدين والمتاجرين بخيرات وأعراض البلاد والمتلاعبين بمقدراتها والخائنين لعهودها, يرى كل شيء قد طمس في السر والعلن, وأنه قد عفا الله عما سلف". بهذه العبارات والجمل نعى عبد العزيز الرباح دولة المؤسسات ومفاهيم الحق والقانون والعدل, وشيعها إلى مثواها الأخير, بعدما رأى الفساد متغولا والمفسدين أحرارا طلقاء يعيثون في أرض المغرب فسادا ويعبون من معين خيراته وخيرات أبنائه, دون أن يجرأ على توقيفهم, أو على الصدع بكلمة حق في وجوههم, بعدما انتزعوا جواز الحصانة الذي يطوي صفحاتهم السوداء بعبارة "عفا الله عما سلف". في غمرة غضبته الضارية على الفساد والمفسدين, وعلى تقاعس الحكومة عن القيام بدورها في ردعهم, يذكر الرباح بالحديث الشريف "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها", وعلق عليه قائلا: " من أسباب هلاك الشعوب وضياع الحضارات, أنه إذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد, وإذا سرق القوي أو الشريف تركوه", ومن ثمة وجدها فرصة ليضع تقسيما جديدا للمغرب الذي يعفو حسب رأيه عن المجرمين الحقيقيين والسراق الكبار, ويعاقب "السارق البسيط" الذي بخلت الدولة عنه بشغل بسيط وبأبسط حقوق العيش, مميزا بين "دولة الحق والقانون للصغار، ودولة الفوضى والاختلاسات للكبار". ومادام المسؤولون محسوبين على دولة الفوضى والاختلاسات التي تعفيهم من المحاسبة, وتفتح المجال واسعا أمامهم ليمارسوا عبثهم كما يشاؤون ويشاء لهم الهوى, فقد خاطبهم عزيز الرباح مهنئا إياهم على نعمة الإفلات من المحاسبة بأسلوب لا يخلو من سخرية قائلا:"فيا أيها المسؤولون لا تتريب عليكم, فإن الوطن يعفو عن أبنائه حتى لو خانوه وخانوا الثقة التي وضعت فيهم واستنزفوا أمواله وخيراته وشوهوا سمعته, فمهما فعلتم, ومهما تفعلوا, ففي كل مرة عفا الله عما سلف ولنفكر في المستقبل الذي سيضيع لا محالة بين خيانة الكبار والعفو الصادر فيهم". أما الفقراء المحسوبون على دولة الحق والعدل, الذين يسري عليهم القانون لوحدهم, ويحاسبون على كل صغيرة وكبيرة, فلم ينس السيد الرباح تعزيتهم قائلا:"يا أيها العمال.. إن الدولة لا تقوى على الزيادة في الأجور ولا الزيادة في مناصب التشغيل, ولا الدفاع عن مطالبكم أمام غطرسة أرباب العمل, لأن أموالها قد ذهب بها ممن عفي عنهم, وإن حقوق العمال قد ضيعها ممن عفي عنهم أو أمثالهم". وختم عزيز الرباح "صيحته" محذرا من أن وضعا هذه سماته سيدفع المواطنين إلى الكفر بوطنهم, وسيؤدي بالوطن إلى الهلاك والخراب, مستدلا بالآية القرآنية:"وإذا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها, فحق عليها القول فدمرناها تدميرا". المصدر: مقال لعزيز الرباح, ضمن عموده "حتى يغيروا ما بأنفسهم " بجريدة الراية, العدد 143.