الأوضاع الكارثية التي تعيشها مخيمات تندوف نتيجة التساقطات المطرية، على الرغم من صعوبتها وما سببته من أضرار جسيمة إلا أنها كشفت عن وجه آخر خفي في علاقة الجزائر بساكنة المخيمات، وفرضت ضرورة اعتماد قراءة جديدة للتاريخ لتبيان وفهم تلك العلاقة المبنية على أساس المصالح والاستغلال المفرط بعيدا عن الشعارات الرنانة المرفوعة بغرض الاستهلاك الإعلامي ليس إلا. الدولة الجزائرية كانت أول من تخلى عن الصحراويين بمخيمات تندوف في محنتهم الأخيرة على إثر الفيضانات التي دمرت البيوت الطينية وجرفت الخيام والأمتعة والمؤونة وشردت الرجال والنساء والأطفال، دون أن يدفع ذلك الجزائر إلى تقديم الدعم للمنكوبين الصحراويين فوق أراضيها. ويأتي هذا التنكر استمرارا للنهج العنصري والميز الغير مبرر الذي طبع علاقة الجزائر بساكنة المخيمات الذين قسمتهم إلى فئتين: - فئة الصحراويين الجزائريين : أغدقت عليهم العطايا ومنحتهم المزايا والرواتب الشهرية ومكنتهم من إقامات سكنية قارة فوق التراب الجزائري وساوتهم في الحقوق مع أبناء الشعب الجزائري، يقيمون بالجزائر ويتنقلون داخلها بكل حرية، ويتوفرون على وثائق رسمية، زياراتهم للمخيمات موسمية لا تتعدى الاستفادة من المساعدات الإنسانية، أو لمساعدة الجزائر على إثبات وجود صحراويين داعمين لطرحها أمام الهيئات الدولية. - فئة ممنوعة من مغادرة المخيمات أو دخول الجزائر إلا بترخيص مؤقت، مجبرة على العيش الدائم بالمخيمات والبيوت الطينية، لا تستفيد من أي دعم جزائري، تعيش على المساعدات الإنسانية، وهي الغالبية المطلقة منها من عاد إلى أرض الوطن ومنها من هاجر إلى موريتانيا أو اسبانيا. الفئة الأخيرة هي التي عانت الأمرين خلال الكارثة الأخيرة وتشرد منها الآلاف، فيما الفئة الأولى غادرت المخيمات إلى مدينة تندوف بمجرد سقوط الأمطار. كارثة المخيمات رغم ألمها ومرارتها، إلا أن من حسناتها فضح أكذوبة دعم الجزائر المطلق لحق الصحراويين في العيش الكريم، شعار طالما تبجحت به الجزائر دون أن يجد له الصحراويون أثرا في تعاملها معهم على مدى أزيد من 40 سنة من تاريخ النزاع حول الصحراء، تاريخ يشهد عن تخليها عنهم في محطات حاسمة اللهم من بعض الدعم المدروس لقيادة جبهة البوليساريو ومؤسساتها بهدف التحكم والتوجيه وليس حبا في سواد عيون أبناء الصحراء. فأين حق الصحراويين في العيش الكريم، والآلاف منهم مشردين بدون مأوى ولا ملبس ولا مؤونة، والدولة الحاضنة خزائنها متخمة بفائض 200 مليار دولار، دون أن تبادر أو تتكرم على المنكوبين ولو بالفتات. ألم تكن الحكومة الجزائرية في إطار دعمها اللامشروط لجبهة البوليساريو، تستطيع منذ أمد بعيد بناء مساكن اسمنتية قادرة على حماية الصحراويين من الكوارث الطبيعية نتيجة التقلبات المناخية، أم أن البيوت الطينية والخيام هي الأقدر على جلب عطف وشفقة المنتظم الدولي لتحقيق مآربها الخفية.