تباينت مواقف الأحزاب والقوى السياسية الفاعلة في المغرب من المشاركة في الحكومة الجديدة التي يقودها حزب العدالة والتنمية برئاسة أمينه العام عبد الاله بنكيران. فقد أكد حزب (التجمع الوطني للأحرار) الذي يقود تكتل (التحالف من أجل الديمقراطية) ويضم ثمانية أحزاب رفضه المشاركة في الحكومة واختيار صف المعارضة. وقال الحزب في بيان الثلاثاء 29 نونبر، في أعقاب اجتماع مكتبه التنفيذي انه "اختار بكل وعي ومسؤولية ودفاعا عن مشروعه الحداثي الديموقراطي الاصطفاف في المعارضة" احتراما للمنهجية الديموقراطية وترجمة لنتائج الانتخابات التي شهدها المغرب الأسبوع الماضي. واعتبر ان "المعارضة" ممارسة تؤسس لديمقراطية فعالة ومسؤولة بوأها الدستور الجديد مكانة متميزة. ولكن حزب (الحركة الشعبية) حليفه في هذا التكتل خالفه بتعهده في بيان مماثل اليوم بخدمة قضايا المغرب ومصالحه العليا "من أي موقع كان" مما يشير الى ان الحركة مستعدة للمشاركة في الحكومة المقبلة اذا ما دعاها بنكيران للدخول معها في ائتلاف يضم أحزاب الوسط اليميني. وقالت (الحركة الشعبية) ان "المكتب السياسي للحزب قرر متابعة الدراسة والتحليل لتجاوز العوامل التي أدت الى النتائج التي حصل عليها وكانت دون طموحه". من جهته اكتفى حزب (الاتحاد الدستوري) أحد أهم مجموعة الثمانية في (تحالف من أجل الديمقراطية) بالإعراب عن الارتياح لنسبة المشاركة المسجلة في الانتخابات التي تجاوزت 45 في المئة معربا عن امله في أن تكون "بداية المصالحة بين الناخب وصناديق الاقتراع وخطوة ايجابية لترسيخ الخيار الديمقراطي كمبدأ داعم لدولة المؤسسات والحق والقانون" في المغرب. وكان حزب (الأصالة والمعاصرة) بادر الى اعلان موقفه من المشاركة في الحكومة المقبلة بتأكيد بقائه في المعارضة واضطلاعه من هذا الموقع الى جانب حلفائه في (التحالف من أجل الديمقراطية) بدوره الدستوري والسياسي كاملا. وتحفظ حزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي سيقود الحكومة المقبلة بأغلبية 107 مقاعد على التحالف مع صلاح الدين المزوار وهو على رأس حزب التجمع الوطني للأحرار مشيرا إلى إمكان تشكيل ائتلاف مع هذا الحزب الذي حظي ب 52 مقعدا. ولكن (العدالة والتنمية) رفض قطعيا مد جسور التواصل والحوار حول أفق الحكومة الجديدة المقبلة مع حزب (الأصالة والمعاصرة) الذي أعلن منذ تأسيسه عام 2008 معاداته للعدالة والتنمية وللتيارات الأصولية. وقال رئيس الحكومة المعين انه "لا يمانع التحالف مع أي طرف باستثناء حزب واحد" وهو حزب الأصالة والمعاصرة الذي يحظى ب 47 مقعدا معلنا استعداده للتحالف مع أحزاب (الكتلة الديمقراطية) التي تضم حزب الاستقلال الذي يقود الائتلاف الحكومي الحالي بقيادة سكرتيره العام عباس الفاسي الذي حصل على 60 مقعدا وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ولديه 39 مقعدا وحزب التقدم والاشتراكية ب18 مقعدا وذلك لتشكيل الحكومة المقبلة فيما لم يصدر عن هذه الأحزاب أي موقف رسمي بعد. وتتفاوت المواقف بين تعبيرات صريحة عن قبول المشاركة في حكومة يقودها لأول مرة في المغرب اسلاميون وصمت يشي بالقبول ورفض متردد بانتظار بدء المشاورات السياسية حول هذا الموضوع بعد تعيين بنكيران رسميا اليوم رئيسا للحكومة بصلاحيات واسعة اقتضتها فصول الدستور الجديد للمملكة المغربية الذي قلص بعضا من صلاحيات الملك لمصلحة رئيس حكومته. وسيكون الاختيار السهل بالنسبة ل (العدالة والتنمية) لأغلبية مريحة هو التعاقد على برنامج مشترك مع أطراف تحالف (الكتلة الديمقراطية) التي ستمكنه من 117 مقعدا اضافة الى مقاعده ال107 وستضمن له السلم الاجتماعي طوال مدة انتدابه الحكومي باعتبار أن مكونات هذا التحالف تتحكم في اكبر نقابات عمالية بالمغرب وأكثرها تمثيلية في المجالس المنتخبة. بل ان وزراء العدالة والتنمية الذين لم يخبروا الدواوين ولم يسبق لهم ممارسة الحكم سيستفيدون من خبرة وتجارب الوزراء الاستقلاليين والاتحاديين والتقدميين الذين مارسوا الشأن العام في ظروف قاسية وسيتجنبون شدة معارضتهم في مجلسي البرلمان ان هم قبلوا بالائتلاف تحت قيادة الإسلاميين وزعيمهم عبد الإله بنكيران. ويبدو أن بنكيران كان فطنا جدا للمساومات المحتملة مع أحزاب الكتلة الديمقراطية التي تجعل الشرعية التاريخية فوق الشرعية الديمقراطية عندما أكد أن الأولوية ستعطى في إسناد الحقائب الوزارية للكفاءة والنزاهة و"البحث عن من يقدم الخير للوطن" وأنه "ليس من الضروري أن يكون أكبر عدد من الوزراء في الحكومة المقبلة من حزب العدالة والتنمية". كما شدد على أهمية مشاركة حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتقدم والاشتراكية لربح رهان التحديث دون السقوط في فخ التعارض في الممارسة الحكومية لاسيما في قطاعات حساسة كالسياحة والتنمية الاجتماعية والأسرة والتعليم مع شعارات حزبه وبرنامجه الانتخابي الشيء الذي يمكن أن يجر عليه سخط الليبراليين والعلمانيين ويرمي ب(العدالة والتنمية) في أتون المجهول السياسي بعد أول تجربة للحكم في المغرب.