بوابة الصحراء: حكيم بلمداحي لماذا قدم المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في الصحراء الألماني هورس كوهلر استقالته؟ هذا السؤال يطرحه المتتبعون لملف الصحراء، وذلك لأن القرار جاء مفاجئا، خصوصا وأن الرجل كان إلى وقت قريب جدا، يواصل تنفيذ خطته التي تقوم على اعتبار القضية شأنا إقليميا ودوليا وليس نزاعا بين طرفين اثنين، وهذه استراتيجية جديدة في التعامل مع الملف. الأمانة العامة للأمم المتحدة عللت استقالة كوهلر بدواعي صحية، وتأسفت للقرار، منوهة بكوهلر وبالمجهودات التي قام بها منذ تسلمه المهمة. كما أن المملكة المغربية عبرت عن أسفها لاستقالة الرجل، في سابقة لم تتم مع استقالة المبعوث الخاص السابق كريستوفر روس. أما جبهة البوليساريو، ومن وراءها، فتحاول من خلال كتائبها الإعلامية أن تروج لضغوطات أمريكية دفعت كوهلر إلى الانسحاب من الملف. هل ترويج البوليساريو والمخابرات الجزائرية لوجود ضغوطات أمريكية في ملف قضية الصحراء المغربية موجه لجبهتها الداخلية وللمحتجزين في مخيمات تيندوف، أم هو أسلوب فيه إيحاء وتوجه من جهة ما لمحاولة فرض حل بشكل أو بآخر؟ السؤال يبقى مطروحا على كل حال، خصوصا مع وجود تخوف من أن تكون جهة ما في الإدارة الأمريكية تتحين الفرصة لفرض تصور لن يفيد القضية، إن لم يزد من تعقيدها. مصادر مطلعة تفيد بأن استقالة كوهلر لا علاقة لها بأي ضغط من أي نوع، بل الدواعي الصحية موضوعية، وكان من المنتظر أن يقوم كوهلر بالخطوة في أي وقت. المصادر ذاتها تقول إن كوهلر عبر غير ما مرة عن أن وضعه الصحي لا يسمح له بمسايرة تعقيدات الملف وما تتطلبه من مجهودات، وأنه عبر في وقت سابق عن رغبته في الانسحاب. المصادر ذاتها ربطت بين اتخاذ كوهلر لقرار الاستقالة وبين ما يجري في الجزائر، خصوصا وأن خطة الرجل تقوم على اعتبار الجزائر طرفا أساسيا في نزاع الصحراء والحل لن يتم بمعزل عنها. وبما أن الأمور في الجزائر الآن غير واضحة، فإن خطة كوهلر تتطلب مزيدا من الوقت ومن الجهد، وهو ما ليس متوفرا عند الرجل… ومهما كان الأمر، فلا بد من الاعتراف لكوهلر بحلحلته للملف بعد سنوات من الركود. ويحسب له أنه وضع قاطرة النقاش على السكة الصحيحة بعدما جهر بأمر كان سابقوه يتفادوا التصريح به رسميا، وهو كون الجزائر طرفا أساسيا في نزاع الصحراء. كما أن كوهلر استطاع أن يغلق قوس المنطقة العازلة التي اتخذتها جبهة البوليساريو ذريعة لخلق التوثر إما بقصد التنفيس من ضغوطات جبهتها الداخلية، أو لمحاولة شد الانتباه كلما اقترب موعد مناقشة الملف في مجلس الأمن. يبقى السؤال الآن مطروحا: ماذا بعد كوهلر؟ لابد بداية من التأكيد على أن المغرب في صحرائه، ويواصل تنمية أقاليمه الجنوبية بشكل جيد، استحق تنويه الأمين العام للأمم المتحدة نفسه. لكن يبقى هناك تخوف من أن تتجه قيادة البوليساريو إلى التصعيد والقيام بخطوات غير محسوبة خصوصا في المنطقة العازلة. وقد تتبعنا التحركات التي يقوم بها بعض العناصر التابعة لجبهة البوليساريو في معبر الكركرات منذ أيام، والتي تؤدي في بعض الأحيان إلى عرقلة الحركة التجارية وحرية التنقل. هنا يجب على المغرب أن يستعد للرد على أي خرق لوقف إطلاق النار، سواء بالعمل الديبلوماسي وفي الأممالمتحدة أو من خلال ردع أي سلوك يهدد أمن المنطقة. أمر أساسي يجب على المغرب بكل قواه، والمنتظم الدولي أن يشتغلا عليه، هو الإنسان الصحراوي. المحتجزون في مخيمات تيندوف في حاجة الآن إلى أن يتحرروا من القيود المفروضة عليهم منذ سنوات. والموضوع الأساسي الذي يجب الاهتمام به هو البحث في موضوع عودتهم إلى أرض الوطن وإغلاق قوس الطموحات الجيواستراتيجية لجينرالات ومخابرات الجزائر، الذين ينبذهم الشعب الجزائري نفسه ويرغب في التخلص منهم.