هل يحتاج البرنامج الحكومي إلى مصادقة المجلس الوزاري عليه قبل إحالته علي البرلمان، أم أن الحكومة غير مجبرة علي ذلك، وينبغي لها التوجه بالبرنامج من المجلس الحكومي مباشرة إلى المؤسسة التشريعية؟ إنه السؤال الذي تدور حوله المواجهة الجديدة بين المعارضة والأغلبية الحكومية في ظل فراغ دستوري أدخل الحكومة دوامة ارتباك حسمه أمس رئيس الحكومة. يعود أصل الحكاية إلى أول مجلس حكومي صرح عقبه عبد الإلاه بنكيران أن حكومته ستحيل برنامجها علي المجلس الوزاري قبل إحالته علي البرلمان، لكن دفوعات المعارضة بعدم دستورية هذا الإجراء، جعلت رئيس الحكومة يلتزم الصمت في الموضوع، فيما تفادى وزير الإتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة أول أمس الإثنين الإجابة عن أسئلة الصحفين بشأن توجه الحكومة إلى المجلس الوزاري.وعلي نفس خطى المسؤؤلين الحكوميين، لم تعد يومية «التجديد« في متابعتها الإخبارية لإعداد البرنامج الحكومي ، تشير إلي التوجه نحو عرضه علي المجلس الوزاري، مكتفية بالإشارة إلي المصادقة عليه في المجلس الحكومي قبل التوجه إلى مجلس النواب. لكن تراجع العدالة والتنمية لم يكن هو نفسه في صفوف حليفيه الحكوميين التقدم والاشتراكية وحزب الاستقلال، فإلى حدود أمس الثلاثاء، ظلت صحيفتي «العلم» و «البيان» استنادا إلى مصادر حكومية من الحزبين، تشير إلى أن البرنامج الحكومي سيأخذ طريقه إلى المجلس الوزاري. في أصل هذا الإرتباك يوجد غموض النصوص الدستورية، سواء الفصل 88 الذي ينص على «أنه بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة، يتقدم رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان مجتمعين, ويعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه» أو نص الفصل 49 االذي ينص على أنه يتداول المجلس الوزاري في « التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة » غموض يفتح اباب أمام أكثر من تأويل لنفس المتن الدستوري. في إحدى التأويلات، لاينبغي للبرنامج الحكومي أن يمر عبر قناة المجلس الوزاري بحسب الدكتور محمد زين الدين أستاذ القانون الدستوري، الذي استند في موقفه على المنطوق الحرفي للفصل49 من الدستور الذي حدد اختصاصات المجلس الوزاري، في 11 اختصاصا، وقال أن «هذه الاختصاصات هي علي سبيل الحصر، لا على سبيل التوسع ولاتتضمن البرنامج الحكومي»، وأضاف أن المشرع لو «كان يريد أن يمرالبرنامج الحكومي عبر المجلس الوزاري لأشار له بصريح العبارة»، وللمزيد من الدفاع عن موقفه عاد زين الدين إلى الفقرة الثانية من الفصل 48 التي تنص على أن «للملك أن يفوض لرئيس الحكومة، بناء على جدول أعمال محدد، رئاسة المجلس الوزاري»، ففي هذا الحالة يقول زين الدين أن رئيس الحكومة لايمكنه أن يدرج البرنامج الحكومي في جدول الأعمال وعليه أن يتقيد بما جاء في الفصل 48. أما عمر العسري أستاذ القانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط فله قراءة أخرى، مخلتفة مع قراءة رفيقه في التعليم العالي محمد زين الدين، فهو يرى أن«البرنامج الحكومي يتضمن التوجهات الكبرى التي ستقوم بها الحكومة خلال الخمس سنوات المقبلة، وانطلاقا من الفصلين 49و 92 من الدستور، فان العسري يدخل البرنامج الحكومي في خانة التوجهات الاستراتيجية للدولة، وبالتالي يرى أنه من الاجباري أن يتم عرض برنامج الحكومة على المجلس الوزاري. وبين القراءتين، الأولى التي تقول بعدم لزوم عرض البرنامج الحكومي علي المجلس الوزاري والثانية التي تؤكد على إجبارية هذا العرض، تنتصب قراءة ثالثة يتبناها عبد العلي حامي الدين أستاذ القانون الدستوري بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، والذي قال أنه «حسب القراءة الحرفية لنصوص الدستور، ليس هناك ما يفيد بعرض البرنامج الحكومي على المجلس الوزاري»، إلا أنه إذا كان البرنامج الحكومي يتضمن تغييرا كبيرا في التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة في قطاع من القطاعات، فإنه لابد، حسب الاعتقاد الشخصي لحامي الدين أن يمر برنامج الحكومة عبر محطة المجلس الوزاري، بمبرر أن ذلك يدخل في سياسة الدولة على المستوى الاستراتيجي. بين مختلف هذه القراءات، اختار رئيس الحكومة عبد الإلاه بنكيران أن يحسم أمره أمس الثلاثاء، حين راسل مجلسي النواب والمستشارين لعقد جلسة برلمانية صباح غذ الخميس يخصصها لتقديم البرنامج الحكومي بعد الحسم فيه ليلية أمس الثلاثاء، ما يعني أن البرنامج الحكومي، لن يأخذ طريقه إلي المجلس الوزاري. وأن الحكومة ستكون مسؤولة أمام البرلمان وحده عما تتخذه من سياسات في نطاق مقتضيات التوزيع الجديد للسلط في ظل الدستور الجديد