ينطق عمي عبد الرزاق أمام كاميرا «نسمة» بحكمة رجل ثمانيني: «الموت فْراق.. والحياة فْراق». ترتعش يده اليمنى دون أن ترخي قبضتها عكازه ثم يتخلى عنه ليدسها في جيبه ويخرج منديلا أبيض يمسح به دموعه. على الجهة الأخرى، رجل مسن يلبس جلبابا صوفيا مغربيا ينتظر التعرف على الشخص الذي طلب لقاءه، يعصر ذاكرته بطلب من مقدم برنامج «جاك المرسول» كي يخمن، لكن دون جدوى، وعندما بدت أمامه صورة الشيخ انهمرت نفس الدموع التي بللت خدي الأول. وخرجت كلمتان فقط بقوة من أعماق صدره «أوووه .. عبد الرزاق». ملخص الحكاية أن الشيخ الأول وهو جزائري من تلمسان ويقطن بوهران، طلب لقاء صديق طفولته المغربي، احمد السنوسي، الذي لم يره منذ سبعة عشر سنة. الرجلان التقيا أول مرة سنة 1944 في عرس مغاربي بوجدة، وهما كشافان قاوما الاحتلال الفرنسي ولم يثنهما السجن عن مراسلة بعضهما البعض. وبالرغم من أن الزمن غير من ملامحهما كثيرا كما غير من جغرافية البلدين بحدود مجحفة وموصدة، إلا أنهما ظلا على صلة وثيقة، حتى إن الأول طلب من الثاني اللقاء في نقطة حدودية بالسعيدية يمكن لكل منهما أن يرى الآخر دون أن يعبر الحدود. لم يقف الثنائي المغاربي عن حدود البوح بالمشاعر والأحاسيس، بل تحول من السؤال عن الأقارب والأحباب الذين رحلوا إلى دار البقاء إلى حديث سياسي عن الحدود المغلقة وعن الستين كيلومترا التي تفصل الأول عن الثاني دون أن يتمكنا من اللقاء الذي تم في تونس، وهو ما وصفه عمي عبدالرزاق الجزائري ب«الأعجوبة»! تنهيدة من هذا وأخرى من الآخر، عيون تفيض بالدمع، كانت القصة مؤثرة بشكل كبير لكنها لم تكن فقط قصة رجلين بل بلدين جنت عليهما سياسة فاشلة. لقاء الرجلين في تونس أعاد حكاية الحدود المغلقة والأسباب الواهية التي مازالت تنخر في العلاقات بين البلدين، وعطلت عجلة المغرب الكبير والتواصل بين شعوبه التي تتقاسم كل شيء. غادر الشيخان بلاطو البرنامج بيدين متشابكتين، «تشابك» هذه العلاقات التي انحبست عند «جزر» لم يتبعه «مد».