AHDATH.INFO- خاص اسمه شفيق الشرايبي. مهنته: رئيس مصلحة النساء والتوليد الليمون والرئيس المؤسس لجمعية مكافحة الإجهاض السري في المغرب. تابعناه منذ سنوات وهو يناضل لمكافحة ظاهرة نرفض مواجهتها والاعتراف بها. شارك في برنامج عن الإجهاض في المغرب، صورته وبثته قناة فرانس2، ليتم طرده من منصبه بنفس التهمة الجاهزة التي تفتقت عنها عبقرية إداراتنا منذ بضعة أيام: "المشاركة في تصوير برنامج بدون رخصة". لا أريد أن أدخل في حيثيات الرخصة والتصوير، فقد تحدث الدكتور الشرايبي عن الموضوع وأفاض عن كون التصوير استمر لمدة 15 يوم، بوجود الرخص والموافقات. المشكلة الأكبر أننا اليوم نفعل كالأحمق الذي، حين يشير الحكيم إلى القمر، يهتم بأصبع الحكيم أكثر من اهتمامه بالقمر نفسه. بدل التركيز على الموضوع الحقيقي: ظاهرة الإجهاض السري في المغرب وظاهرة الحمل غير المرغوب فيه، بما تخلفانه من أزمات نفسية وأسرية وصحية وإنسانية؛ فإننا نعود مرة أخرى للحديث، بهتانا، عن غياب الرخص. شئنا أم أبينا، فالأرقام أمامنا عنيدة تتحدث عن حوالي 600 حالة إجهاض سري تتم بشكل يومي في المغرب. الآن، يبقى أمامنا الاختيار بين أمرين: إما أن نعتبر بأن الإجهاض والعلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج تعبر عن أمور مشينة لا توجد في بلدنا الإسلامي الشريف العفيف؛ وإما أن نعترف بوجود بعض الظواهر في مجتمعنا وأن نعمل على إيجاد حلول جدية ومستدامة لها. نفي ظاهرة ما لا يعني إلغاء وجودها. اليوم، الدكتور الشرايبي لا يطالب حتى بتغيير النص القانوني المتعلق بالإجهاض، بل بقراءته بشكل جديد، حسب تعريف المنظمة العالمية للصحة. هذه القراءة الجديدة ستمكن من فتح باب الإجهاض القانوني أمام حالات اجتماعية معينة: الحمل في حالات الاغتصاب و/أو في حالات العلاقات الجنسية غير المرغوب فيها مع الأقارب (المتعارف عليها بزنا المحارم)؛ النساء الحوامل بأجنة تحمل تشوهات خلقية؛ إلخ. لأن كل هذه الأمور تشكل بالفعل خطرا على الصحة النفسية والجسدية والعقلية للمرأة. سياسيا، نعرف موقف بعض وزراء حكومة عبد الإله بنكيران (بسيمة حقاوي مثلا) من الإجهاض؛ لكننا كنا نتصور أن وزيرا بمرجعية حزبية تقدمية كالحسين الوردي كان يمكن أن يأخذ قراراته في الموضوع بشكل وأسلوب مختلفين، لا أن يتصرف ببعض الانتهازية السياسية ليلائم مواقفه مع مواقف الحكومة ذات الأغلبية الإسلامية. هنا، لابد أيضا من الرد على بعض من يعتبرون بأن تقنين الإجهاض سيشجع على الفساد وعلى انتشار العلاقات الجنسية خارج الزواج. هذه مغالطة كبيرة؛ فليست هناك امرأة في الكون تختار عن طيب خاطر تجربة الإجهاض مع ما تحمله من معاناة نفسية وجسدية. لكن، وفي الحالات التي يقع فيها حمل غير مرغوب فيه، فالإجهاض قد يكون شرا لا بد منه. حل يمكن الحامل العازب من تفادي كوارث إنسانية كثيرة في ظل مجتمع لا يرحم الأم العازبة ولا الطفل المولود خارج المؤسسات المعترف بها قانونيا ومجتمعيا. فمثلا، كيف نجبر امرأة على الاحتفاظ بطفل هو في النهاية ثمرة اغتصاب؛ وأحيانا اغتصاب من طرف الأخ أو الأب؟ كيف نجبر فتاة عازبة على الاحتفاظ بحمل غير مرغوب فيه قد يضطرها لامتهان الجنس أو للتخلي عن طفلها؛ وقد يعرضها للطرد من الأسرة وأحيانا القتل لتفادي "الشوهة"؟ دون أن ننسى حالات الوفيات والتشوهات التي تنتج عن الإجهاض السري. تقنين الإجهاض سيمكن أيضا من تخفيض الأثمنة التي يُمارَس بها اليوم؛ لأن الطبيب أو مولدة النساء الذين يقومون به اليوم في السر يجعلون المرأة المعنية تدفع ثمن السرية واللاقانون. حين كانت ياسمينة بادو وزيرة للصحة، كانت لديها جرأة تقنين تسويق "حبة الغد"، التي يتم استعمالها غداة العلاقة الجنسية غير المحمية. لقد كانت لدينا أيضا، في هذا البلد الأمين، جرأة نشر آلات أوتوماتيكية لبيع العوازل الطبية أمام الصيدليات وبعض المحلات التجارية في المدن الكبرى. إنه دليل ضمني على اعترافنا المضمر بوجود علاقات جنسية خارج الزواج وبوجود رغبة في الوقاية من الحمل غير المرغوب فيه. ليس في ذلك تشجيع ولا يحزنون. هو فقط تعامل منطقي وعقلاني ووقائي وصحي مع واقع المجتمع. واليوم، هانحن نقيل طبيبا لمجرد أنه أشار إلى أحد مواضع الوجع. بدل أن نعالج الورم، قررنا أن نقطع أصبع الطبيب.